[ رئيس المجلس الرئاسي العليمي يبحث مع رئيس الحكومة بن مبارك ايقاف تدهور العملة ]
تجري الحكومة اليمنية (المعترف بها دوليا) تحركات على المستويين الإقليمي والدولي في إطار حشد الدعم لمواجهة الأزمة المالية التي تعاني منها، جراء تداعيات الهجمات الحوثية على منشآت انتاج وتصدير النفط، والتراجع عن قرارات البنك المركزي في عدن.
وتواجه الحكومة أزمة اقتصادية خانقة مع تفاقم اضطراب العملة المحلية حيث سجل سعر صرف الريال أدنى مستوى له أمام العملات الأجنبية، متجاوزاً الـ 2000 ريال، بعد أن كان سعره أواخر أبريل الماضي، 1676 ريالًا وهو أدى أدنى مستوى في تاريخه.
ويعيش اليمنيون اليوم مأساة انهيار عملتهم الوطنية، في ظل تخبّط حكومي وعجز عن إدارة الأزمات السياسية والاقتصادية المتشابكة.
وشهدت عدة مدن محررة تظاهرات وعصيانا مدنيا وإضرابا جزئيا للمحال التجارية عن العمل احتجاجاً على استمرار تهاوي العملة الوطنية أمام العملات الأجنبية. كما دعوا الحكومة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لاستقرار العملة وإيقاف نزيفها وتحسين الوضع الاقتصادي.
مشاورات في الرياض
وفي وقت سابق اليوم، غادر رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العَليمي، العاصمة المؤقتة عدن، الى المملكة العربية السعودية، في جهود حشد الدعم لوقف تدهور العملة الوطنية ومواجهة التحديات الاقتصادية.
ونقلت وكالة سبأ الرسمية، عن مصدر في مكتب رئاسة الجمهورية أن العليمي سيجري خلال اليومين المقبلين، مشاورات في الرياض مع فاعلين اقليميين ودوليين حول مستجدات الاوضاع المحلية، وسبل حشد الدعم الى جانب الاصلاحات الشاملة التي تنفذها الحكومة، ومواجهة التحديات الاقتصادية الماثلة وتداعياتها الانسانية التي فاقمتها الهجمات الحوثية على المنشآت النفطية.
ومنتصف أكتوبر الجاري، دعا العَليمي إلى تحرك دولي عاجل لدعم اقتصاد بلاده والعمل على معالجة الأسباب الحقيقية لأزمتها الإنسانية التي تعد الأسوأ في العالم.
كما بحث العليمي، في عدن مع سفراء الإتحاد الأوروبي مسار الاصلاحات الاقتصادية، والادارية، والتدخلات الاوروبية المطلوبة لدعم الاقتصاد اليمني.
من جهته أكد عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق صالح، خلال لقائه قائد القوات المشتركة للتحالف العربي أمس الاثنين، أن استعادة الاستقرار في اليمن مرهون بتظافر الجهود الدولية في دعم الحكومة الشرعية لبسط سيطرتها على كامل التراب الوطني ومنع تحول اليمن إلى منصة لتهديد أمن المنطقة والعالم.
وفي اجتماع لمجلس الوزراء ترأسه رئيس الحكومة أحمد بن مبارك، أمس الاثنين، أعربت الحكومة عن تطلعها من شركاء اليمن وفي المقدمة دول التحالف العربي، السعودية والإمارات، دعم جهودها للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي، وضبط أسعار صرف العملة الوطنية، وفق وكالة "سبأ" الرسمية.
تحركات ولقاءات في واشنطن
وخلال الأيام القليلة الماضية، أجرى محافظ البنك المركزي أحمد غالب المعبقي زيارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية برفقة وزيرَي التخطيط والتعاون الدولي واعد باذيب، والمالية سالم بن بريك، عُقد خلالها سلسلة من اللقاءات مع صندوقا النقد الدولي والعربي، ومسؤولين أمريكيين لبحث حصول اليمن على موارد مالية من الصندوق، تسهم في التخفيف من آثار الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة.
وجرى في اللقاءات بحث إمكانية إعفاء اليمن من فوائد الديون المتأخرة والحصول على تمويلات إضافية، والمطالبة بدعم اقتصادي عاجل لتجاوز التحديات المرتبطة بتوقف تصدير النفط والغاز نتيجة استهداف الحوثيين موانئ التصدير والهجمات على الملاحة في البحر الأحمر.
والتقى المعبقي مسؤولي الوكالة الأميركية لمناقشة آليات الموازنة بين الدعم التنموي والإنساني والتعامل مع تراجع التمويل الدولي للبرامج الإنسانية، وجوانب الشراكة بين الجانبين في الدعم المؤسسي لبناء القدرات في القطاعات الاقتصادية.
وفي كلمته أمام اجتماع محافظي البنوك المركزية ووزراء المالية لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وباكستان، والذي عُقد في واشنطن على هامش الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي؛ وجه المعبقي، نداءً عاجلاً للمجتمع الدولي لدعم اليمن في ظل انهيار العملة المحلية بشكل غير مسبوق، مشيرا إلى أن اليمن فقد أكثر من ستة مليارات دولار من إيراداته خلال الثلاثين شهراً الأخيرة.
ودعا إلى ضرورة تقديم دعم عاجل لليمن والاستفادة من برامج التمويل التي يقدمها الصندوق للدول التي تمر بأزمات مشابهة والدول التي هي أكثر هشاشة.
وخلال لقائه بالمبعوث الأمريكي، لدى اليمن تيم ليندركينغ أكد الأخير التزام حكومة بلاده بدعم الحكومة اليمنية وحرصها على تعزيز أداءها واستقرار الوضع الاقتصادي.
البرلمان يناشد الدول الصديقة والشقيقة
والثلاثاء الماضي دعا رئيس مجلس النواب سلطان البركاني، الولايات المتحدة الأمريكية لدعم جهود الحكومة الشرعية لتجاوز كافة التحديات وفي مقدمتها الجانب الاقتصادي، في ظل انهيار قياسي للعملة الوطنية أمام العملات الأجنبية.
وشدد البركاني -خلال لقائه السفير الأمريكي لدى اليمن ستيفن فايجن- على أهمية اضطلاع واشنطن بدورها كشريك فاعل لتحقيق السلام، ودعم الحكومة الشرعية في مواجهة التحديات الاقتصادية واتخاذ موقف رادع وواضح تجاه ما تمارسه جماعة الحوثي من إرهاب يهدد مستقبل اليمنيين وحياتهم والإقليم والعالم.
كما دعا البركاني الأشقاء والأصدقاء لدعم جهود الحكومة لتجاوز كافة التحديات وفي مقدمتها الجانب الاقتصادي، واستقرار سعر الصرف بالحدود الآمنة لما من شأنه تحسين المستوى المعيشي للمواطن وتوفير الخدمات الأساسية، والنهوض بمسؤولياتها في مختلف الجوانب.
وشدد على أهمية زيادة الدعم الدولي لليمن، للمساعدة في تحسين الوضع الإنساني، وإعادة الخدمات الأساسية للشعب اليمني، ودعم الحكومة الشرعية في جهودها لتحقيق السلام المستدام.
نداء من منبر مجلس الأمن
وفي الجلسة المفتوحة لمجلس الأمن الدولي المنعقدة يوم 14 أكتوبر الجاري، بشأن اليمن، دعا مندوب اليمن الدائم لدى الامم المتحدة، السفير عبدالله السعدي، المجتمع الدولي لتقديم الدعم لمواجهة الوضع الاقتصادي الإنساني، ووضع الأسس للتعافي الاقتصادي طويل الأمد.
وطالب السعدي، المجتمع الدولي بتقديم الدعم لمواجهة الوضع الاقتصادي الإنساني، ووضع الأسس للتعافي الاقتصادي طويل الأمد، متضمنا المساعدات الإنسانية الفورية لتخفيف المعاناة وآليات المساءلة الأقوى، خاصة في المناطق التي تسيطر عليها المليشيات، واستثمارات أكبر في البنية التحتية والرعاية الصحية، والتعليم، والتنمية المستدامة.
أزمة مالية تحاصر الحكومة
وكانت ثلاثة مصادر رسمية كشفت عن أزمة مالية خانقة غير مسبوقة تواجهها الحكومة ما تسبب في تأخر في صرف رواتب الموظفين لشهرين والعجز عن توفير الوقود لمحطات توليد الكهرباء.
وقالت المصادر لرويترز "إن تأخر وصول الدفعة المالية الرابعة التي تعهدت بها السعودية وقدرها 200 مليون دولار منذ نحو شهر فاقم من الضغوط على الحكومة وتسبب في تراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى له في تاريخ البلاد وهو 2040 ريالا لكل دولار".
غياب الشفافية والحوكمة الرشيدة
وكان تقرير الشفافية المالية الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2024، قد كشف عن عدد من النقاط التي تعكس الغياب التام للرقابة والمساءلة في إدارة الشؤون المالية للدولة، الأمر الذي يزيد الشكوك حول قدرة الحكومة على إدارة موارد البلاد بشكلٍ فعال.
ومن بين النقاط الرئيسية التي تناولها التقرير التركيز على مسألة عدم إصدار وثائق الموازنة العامة في الوقت المناسب. فقد أكد التقرير أن الحكومة لم تصدر أي تقارير تنفيذية، أو تقارير ختامية للسنة المالية، وهو ما يعكس عدم التزام الحكومة بأبسط معايير الشفافية المالية التي تُعد من الأسس الجوهرية لإدارة الأموال العامة.
وطبقا للتقرير فإن مسألة غياب الشفافية والحوكمة الرشيدة في الحكومة اليمنية من أكبر التحديات التي تواجه البلاد، في وقتٍ تعصف به الأزمات السياسية والاقتصادية المعقدة. تتفاقم هذه التحديات في ظل غياب الموازنة العامة للدولة، وضعف الأجهزة الرقابية التي يُفترض بها أن تضمن استقرار مؤسسات الدولة وتوجيه مواردها بالشكل الأمثل.
ويعد تقرير الشفافية المالية الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لعام 2024 من أهم الوثائق التي سلطت الضوء على هذه القضية الحساسة، حيث أكد التقرير على مجموعة من النقاط التي كانت ولا تزال محط نقاش واسع في الأوساط اليمنية سواء على الصعيد المحلي أم الدولي.
علاوة على ذلك، أشار تقرير الشفافية المالية الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن الحكومة اليمنية فشلت في نشر معلومات كافية حول التزاماتها المالية، بما في ذلك الديون المتعلقة بالمؤسسات المملوكة للدولة.
وكانت السعودية أودعت في منتصف يونيو حزيران الماضي نحو 300 مليون دولار في حسابات البنك المركزي اليمني الذي يقع مقره في عدن، كدفعة ثالثة من المنحة البالغة 1.2 مليار دولار ومدتها عام لدعم الموازنة العامة، والتي بدأت في أغسطس آب العام الماضي.
وتدهور الوضع في عدن مقر الحكومة وجنوب اليمن على وجه الخصوص منذ أن استهدفت أواخر عام 2022، عدة هجمات بطائرات مسيرة تابعة للحوثيين ناقلات النفط في محطات النفط الجنوبية، مما حال دون تصدير الحكومة للخام من هناك وتدفقات الوقود.