المشهد العسكري في اليمن بعد "عاصفة الحزم".. تحولات كبيرة وثغرات خطيرة (تحليل)
- عبد السلام قائد الثلاثاء, 28 مارس, 2017 - 08:00 مساءً
المشهد العسكري في اليمن بعد

[ أفراد من الجيش الوطني - أرشيفية ]

لعل أبرز إنجاز عسكري حققته عملية "عاصفة الحزم" في اليمن، حتى الوقت الحالي، يتمثل في تصحيح الاختلالات المزمنة المتعلقة ببنية الجيش اليمني وطريقة تشكيله، وما يترتب على ذلك من أزمات سياسية كان يُستخدم خلالها الجيش من قبل النظام الحاكم للضغط على الخصوم السياسيين وتهديدهم، ذلك لأن الجيش، في معظم تشكيلاته، كان قائمًا على العصبية القبلية والمذهبية والمناطقية.
 
ففي الوقت الذي تمكن فيه التحالف العربي لدعم السلطة الشرعية من تدمير ترسانة أسلحة الجيش العائلي والقبلي والمذهبي الموالي للمخلوع علي صالح والحوثيين، فإنه في نفس الوقت عمل على تأسيس جيش وطني من الصفر، وتزويده بأسلحة حديثة، والإشراف على تدريبه بواسطة خبراء عسكريين متخصصين. لكن هناك ثغرات محدودة وخطيرة، سنذكرها لاحقًا، يجب على التحالف العربي والسلطة الشرعية التنبه لها، قبل أن يقع الفأس في الرأس.
 
اختلالات مزمنة
 
بدأت الاختلالات المتعلقة ببنية الجيش اليمني تتراكم بشكل كبير منذ بداية عهد المخلوع علي صالح، وذلك لتعمده جعل الانتساب للجيش شبه حصري على قبائل ومناطق جغرافية محددة، بهدف ضمان ولاء الجيش له، بما يمكنه من السيطرة المطلقة على السلطة والثروة هو وعائلته وأحفادهم إلى الأبد، وإلهاء المجتمع اليمني بديمقراطية شكلية وهامش محدود من حرية الرأي والتعبير، بهدف صرف أنظاره عن التغول العائلي في مؤسسة الجيش وكل مفاصل الدولة.
 
وحتى حالات الانتساب المحدودة لمؤسسة الجيش من محافظات مختلفة، فقد كانت تتم من أجل صناعة علاقات زبائنية للمخلوع صالح مع بعض القبائل ومشائخها، ذلك أن حالات الانتساب تلك كانت تتم عن طريق مشائخ وشخصيات اجتماعية موالية لعلي صالح، وكان الهدف منها مزدوجًا، ذلك أن تزكية أشخاصًا معينين عن طريق شيخ القبيلة للانتساب للجيش الهدف منه تعزيز نفوذ هذا الشيخ بين أبناء قبيلته، وقد يكون الهدف من ذلك جعله منافسًا لشيخ آخر في نفس القبيلة، وهذا النفوذ سيتحول تلقائيًا إلى نفوذ لعلي صالح وعائلته.
 
وتستمر الاختلالات وتتفرع، ويتضح ذلك من خلال نوعية تدريب وتسليح مختلف وحدات وألوية الجيش، ذلك أن الوحدات والألوية العسكرية، مثل تلك المعروفة بـ"الحرس الجمهوري"، الموالية للمخلوع صالح وعائلته، كانت تحظى بأفضل وأحدث الأسلحة، واستقدام خبراء عسكريين أجانب لتدريبها، ويستمر التمييز ليشمل الرواتب والتغذية وحتى الملابس وغير ذلك.
 
أما بقية الوحدات والألوية العسكرية التي ينتمي منتسبوها إلى محافظات مختلفة، أو تتكون من بقايا جيش الجنوب الذي تم تسريح الكثير من منتسبيه في حرب صيف 1994 الأهلية، فقد كانت لا تحظى بالتسليح والتدريب وغير ذلك بالشكل الذي كانت تحظى به قوات "الحرس الجمهوري"، بل فقد كان يتم الزج بها في حروب عبثية من أجل إنهاكها والقضاء عليها.
 
كما تحولت مؤسسة الجيش في عهد المخلوع صالح إلى أبرز مؤسسة يتم فيها الفساد وغسيل الأموال وتحقيق الثراء غير المشروع، وذلك من خلال صفقات الأسلحة التي تذهب لصالح تجار وشخصيات مقربة من علي صالح وعائلته، والتعاملات المشبوهة مع كبار تجار وسماسرة الأسلحة في العالم، وتهريب الأسلحة والمخدرات والإتجار بها في مناطق الصراع في أفريقيا، ونهب المال العام لصالح ضباط محدودين مقربين من صالح وعائلته بشكل رواتب لآلاف الجنود الوهميين، وغير ذلك من مظاهر الفساد.
 
تحولات كبيرة
 
كانت قضية هيكلة الجيش من أهم مطالب شباب ثورة 11 فبراير 2011، كما أن هذه القضية حظيت باهتمام كبير أثناء المرحلة الانتقالية. ورغم أن الرئيس عبد ربه هادي أزاح أقارب المخلوع صالح من المناصب العسكرية العليا التي كانوا يتولونها، وتمّ أيضًا إجراء هيكلة جزئية للجيش، إلا أن كل ذلك لم يكن ملبيًا لطموحات شباب الثورة، واصطدمت الهيكلة بعقبات كبيرة، وذلك بسبب الانتماء القبلي والمناطقي والمذهبي لغالبية أفراد الجيش، ذلك أنه حتى وإن تم دمج مختلف الوحدات العسكرية ببعضها، إلا أن داعي القبلية والمذهبية والمناطقية إذا علا صوته فإن هؤلاء سيلبون الولاء الفرعي الضيق حتى وإن كان منافيًا للولاء الوطني بشكل عام.
 
وعليه، يمكن القول إن أبرز إنجاز عسكري حققته عملية "عاصفة الحزم"، حتى الآن على الأقل، يتمثل في أنها أعادت هيكلة الجيش اليمني بطريقة غير مباشرة، وخلقت نوعًا من التوازن من شأنه أن يسهم في تحقيق نوع من الاستقرار السياسي في مرحلة ما بعد الحرب، وسيكون حارسًا أمينًا للنظام الجمهوري ولمكتسبات ونضالات اليمنيين منذ ثورتي 26 سبتمبر 1962 و14 أكتوبر 1963 وحتى الوقت الحالي.
 
 فمن ناحية، فقد دمرت دول التحالف العربي غالبية مخازن أسلحة القوات العسكرية الموالية للمخلوع صالح وعائلته، وهي أسلحة تراكمت طوال ثلاثة عقود. ومن ناحية ثانية، فقد أسهمت دول التحالف في تأسيس جيش وطني بعيدًا عن العصبيات والولاءات الضيقة، كما أشرفت على تسليحه وتدريبه، وبات الجيش الوطني يسيطر على أكثر من ثلثي مساحة البلاد، فيما الجيش العائلي الذي أسسه المخلوع صالح تحول إلى جماعات مسلحة مشتتة ومزدوجة الولاء لطرفي الانقلاب، ولا تمتلك القدرة على التأثير العسكري الكبير.
 
ولهذا، فالهيكلة غير المقصودة التي قامت بها دول التحالف العربي، نجحت في تصحيح الخلل الذي شاب طريقة تشكيل الجيش اليمني منذ عهد الأئمة الزيديين وحتى الوقت الحالي، وسلك المخلوع صالح نفس طريقة الأئمة في تشكيل الجيش اليمني، بما يضمن الولاء العائلي والمذهبي والقبلي والمناطقي، وكان الجيش في جنوب الوطن قبل الوحدة مزدوج الولاء أيضًا بين جناحي الحزب الاشتراكي الذي كان حاكمًا هناك، وظهر ذلك جليًا عندما انقسم الجيش، لأسباب مناطقية وقبلية، بين طرفي أحداث 13 يناير 1986.
 
ثغرات خطيرة
 
هناك ثغرات محدودة لكنها خطيرة في بنية الجيش الوطني الذي تشكل بعد عملية "عاصفة الحزم"، وتتمثل في تأسيس بعض وحدات الجيش على أسس ومسميات مناطقية، مثل ما يسمى "قوات الحزام الأمني"، و"قوات النخبة الحضرمية"، وغيرها من الوحدات العسكرية التي تشكلت بشكل مناطقي، وخاصة في جنوب الوطن.
 
وتكمن خطورة مثل هذه الثغرات في أنها قد تعزز حالة الانقسام السائدة حاليًا في البلاد، وستشجع أي طرف على إعلان الانفصال متى أراد ذلك، ولهذا، يجب على السلطة الشرعية ودول التحالف العربي تفكيك مثل هذه التشكيلات، وإجراء عملية دمج واسعة وشاملة بين مختلف وحدات وألوية الجيش الوطني، وإجراءات تنقلات مستمرة للضباط والقادة، وذلك حتى لا تظهر ولاءات عصبية مناطقية أو شخصية ضيقة، وتؤثر على استقرار البلاد والمنطقة بشكل عام.
 


التعليقات