[ أزمة مشتقات نفطية خانقة في صنعاء في ظل سيطرة الحوثيين ]
في اليمن لا ينال السكان إلا المعاناة فقط؛ فلليوم السادس لا يزال الآلاف من السكان يقضون أوقاتهم في طوابير طويلة، خلف توفير ضروريات بقائهم على قيد الحياة، وأزمة الغاز المنزلي هذه المرة وارتفاع أسعاره بشكل خيالي وجنوني، أثقل كواهلهم، ولم يعد بمقدور أحد تحمل المزيد.
ليست المرة الأولى ولا الأخيرة، تدخل صنعاء وبقية المناطق الشمالية والواقعة تحت سيطرة الحوثيين، في أزمة خانقة في مادة الغاز، مع فارق وحيد أن أسبابها هذه المرة، تعود إلى صراع بين سلطة الانقلاب وبين تجار الغاز، والطرفان ظلا طوال الفترة الماضية، يتاجران بقوت الملايين من الناس ويتلاعبون بمشارعهم، وبأساليب مختلفة ومتعددة.
مطلع شهر مارس الجاري، بدأت القصة على شكل حل وانتهت إلى مشكلة وأزمة معقدة. مصادر مطلعة خاصة، شرحت القصة لـ "الموقع بوست"، حيث قالت بأن زعيم جماعة الانقلاب عبد الملك الحوثي، اجتمع بقيادات حوثية وبعدد من المشرفين الذين يحكمون سيطرتهم على مفاصل وقطاعات مختلفة في صنعاء وبقية المدن الواقعة تحت سيطرتهم، وطالبهم بالتوقف عن العبث الذين يقومون به من نهب للأموال وفرض الإتاوات وما إلى ذلك، طالبا منهم إجراء بعض الإصلاحات واتخاذ بعض الإجراءات التي ممكن أن تخفف عنهم ضغوطات الشارع خصوصا بعد أن صاروا المسؤولين الوحيدين عن كل شيء بعد مقتل الرئيس السابق علي صالح".
وتابعت المصادر حديثها بالقول، إن من تلك الإجراءات التي تم الاتفاق عليها، تخفيض سعر مادة الغاز المنزلي والتي يمكن أن تجلب حالة رضى لهم لدى الشارع اليمني، بحكم أن مادة الغاز من الخدمات الضرورية التي يحتاجها المواطن وممكن أن يلعب تخفيض سعره دورا في حالة الرضى".
قرار التخفيض الذي قاد العملية إلى أزمة معقدة
ومن هذا المنطلق، وطبقا لمصادر "الموقع بوست"، جاء قرار أمين العاصمة صنعاء، حمود عباد قبل أيام بتحديد تسعيرة جديدة لأسطوانة الغاز، وذلك بثلاثة آلاف ريال.
وتفيد المعلومات، بأن نقاشات ولقاءات دارت بين جهات حكومية وبعض تجار الغاز وممثلين عنهم. وبحثوا مقترح يتضمن توسيع نقاط البيع للغاز للمنازل بثلاثة آلاف ريال، بإشراف شركة الغاز، التي ستتولى الإعلان عن نقاط البيع بشكل أسبوعي، في حين يقوم القطاع الخاص بالبيع في المحطات المنتشرة في العاصمة والمحافظات للقطاع التجاري كالسيارات والمطاعم وغيرها بسعر آخر لم يجرِ الاتفاق عليه.
وأكدت مصادر مطلعة لـ "الموقع بوست"، بأن بعض التجار وافقوا في حين البعض الآخر، رفضوا مقترح سلطات الحوثيين ببيع الأسطوانة للمستهلك بسعر ثلاثة آلاف ريال، وأنهم برّروا ارتفاع سعر مادة الغاز بفرض الحوثيين رسوماً غير قانونية عليهم وقيامهم بدفع مبالغ تحت مسميات مختلفة، فضلاً عن تعرضهم للابتزاز من الحواجز التابعة للحوثيين والمنتشرة من مأرب إلى صنعاء.
مراحل تطور الأزمة
في اليومين الأولين من اتخاذ القرار، بدأت العديد من محطات الغاز ببيع الأسطوانة بالسعر الجديد المحدد بثلاثة آلاف ريال، وشهدت هذه المحطات ازدحاما كبيرا وخانقا، في حين استمرت بعض المحطات الأخرى ببيع الأسطوانة بالسعر الذي كان سائدا وهو 4700 ريال، ولكن وفي أقل من 48 ساعة ارتفع سعر أسطوانة الغاز سعة 20 كيلوغراما من 4700 ريال إلى 6000 ريال، وهو ما أثار حالة من الهلع في أوساط المواطنين.
استمرت بعض المحطات ببيع الغاز بسعر ثلاثة آلاف ريال وسط ازدحام شديد وطوابير طويلة، ولكنها سرعان ما استنفدت هذه المحطات الكمية المتوفرة، وتوقفت معلنة خلاص الكمية المتوفرة، في حين بقية المحطات التابعة للتجار الكبار المحتكرين للسوق توقفت عن البيع تماما بعد أن أعلنت سلطات الحوثي باتخاذ العقوبات ضد كل من يخالف القرار ويقوم ببيع الغاز بأكثر من ثلاثة آلاف ريال. ومن هنا أخذت الأزمة في التصاعد والتفاقم واختفى الغاز بشكل كلي بعد أن كان اختفاءً جزئيا.
تعطيل شركة الغاز الحكومية سبب رئيسي
يذكر أن الحوثيين عطلوا شركة الغاز الحكومية، بعد فترة قصيرة من اقتحامهم لصنعاء وانقلابهم على الدولة، وفتحوا الباب أمام القطاع التجاري الخاص لتوريد مادة الغاز من حقول صافر في محافظة مأرب الخاضعة للحكومة الشرعية إلى مناطقهم، وفرضوا رسوماً على ناقلات التجار في منافذ جمركية تم استحداثها، فضلاً عن فرض إتاوات في حواجز التفتيش الأمنية على الطرقات.
وعقد الحوثيون اتفاقات سرية مع كبار تجار الغاز، على رأسهم وبحسب مصادر خاصة تحدثت لـ "الموقع بوست"، تاجر الغاز الشهير والذي يدعى المفزر، حيث أكدت مصادر "الموقع بوست" بأن هذا التاجر يقوم بتقديم ما يقارب 50 مليون ريال شهريا كمجهود حربي لجبهات الحدود.
وفي حين استطاعت سلطات الحوثي إقناع بعض التجار ووقعوا على محضر بيع محدد بـ 3000 ريال للإسطوانة الواحدة وزن 20 كيلوغراما، إلا أن تجارا آخرين يحاولون إفشال الاتفاق وعدم التوقيع على المحضر.
وتفيد المعلومات بأن عدداً من كبار تجار الغاز يقفون وراء الأزمة التي شهدها ويشهدها السوق المحلي خلال اليومين الماضيين، وتشير معلومات إلى أن الشركة رصدت قيام تجار بوقف إمدادات الغاز من مأرب إلى صنعاء، وآخرين أخفوا الغاز وأحجموا عن البيع في محاولة منهم للضغط على سلطات الحوثيين وإجبارها على العدول عن فرض سعر محدد.
طوابير طويلة أمام محطات مغلقة
اليوم كبرت الأزمة، وكبرت معها الطوابير الطويلة، بشكل غير مسبوق، أطفال ورجال ونساء يقفون أمام العشرات من المحطات التي كانت قد استجابت لقرار الحوثيين وبدأت ببيع أسطوانة الغاز بثلاثة ألاف ريال، ولكن هذه المحطات باتت اليوم مغلقة وتنتظر وصول كميات جديدة من الغاز، ولكنه لم يصل بعد.
"الموقع بوست" وفي جولة ميدانية له، رصد بعض مظاهر الأزمة، حيث ما تزال أمام محطات تعبئة الغاز في العاصمة صنعاء طوابير طويلة، وفي حديثهم لـ "الموقع بوست"، أكد بعض الواقفين في الطابور بأنه يمر عليهم ما يقارب الأربعة الأيام وهم منتظرون الغاز يصل ولكن بدون فائدة، مشيرين إلى أن أسرهم ومنازلهم صارت بدون غاز ولا تجد ما تأكل وأنهم مجبرون على البقاء في هذه الطوابير علهم يجدون الغاز في الساعات القادمة.
المطاعم مهددة بالتوقف
المطاعم الكافتيريات ومحلات صناعة الحلويات وغيرها والتي تعتمد على الغاز في الطهي، بات مخزونها مهددا بالنفاد، فيما يحصل بعضهم على إسطوانة الغاز سعة "20" لترا بأسعار تتفاوت بين 7 – 8 آلاف ريال، وهو ما انعكس سلبا على أسعار الوجبات التي ارتفعت أسعارها فوق قدرة المواطن على الشراء.
حركة النقل مشلولة جراء الأزمة
وبسبب الأزمة وتفاقمها توقفت كثير من حافلات نقل الركاب داخل العاصمة وبعض المحافظات، والتي تعمل بالغاز، نظرا لانعدام مادة الغاز، ورفع من لا زالوا يعملون الأجرة إلى الضعف، وهو ما أثر على حركة المواصلات الداخلية.
تصعيد شعبي وظهور احتجاجات
ونتيجة لاستمرار الأزمة وتفاقمها، نظم عشرات المواطنين وقفة احتجاجية أمام أمانة العاصمة صنعاء الخاضعة للحوثيين، أمس الأحد، احتجاجًا على شح في إسطوانات الغاز المنزلي، وارتفاع أسعارها في السوق السوداء إلى الضعف.
وقال شهود عيان، إن المحتجين قاموا بقطع الشوارع المؤدية إلى مقر الأمانة، وإحراق العديد من إطارات السيارات للتنديد بأزمة شح الغاز التي تشهدها العاصمة منذ عدة أيام.
وأكد شهود عيان، بأن ميليشيات الحوثي، تحركت بالأطقم العسكرية، وقمعت المتظاهرين وأجبرتهم على المغادرة، لكنهم أكدوا تصعيدهم في حال استمرت الأزمة.
إجراءات لا تجلب الحلول
وإزاء تهرب تجار الغاز من التسعيرة الجديدة التي تريد فرضها سلطات الحوثي، ورفضهم الالتزام بها، اجتمعت حكومة ما تسمى بالإنقاذ في صنعاء قبل يومين، وأقرت الحكومة في الاجتماع الذي عقد برئاسة عبد العزيز بن حبتور رئيس الحكومة و ضم نائب رئيس الحكومة للشؤون الاقتصادية وزير المالية الدكتور حسين مقبولي و وزير النفط و المعادن أحمد عبدالله دارس و أمين عام الحكومة الدكتور عبد القادر العلبي و مدير عام المؤسسة اليمنية العامة للنفط والغاز محمود النوم، فتح باب الاستيراد لتوفير الكميات المطلوبة من مادة الغاز على نحو عاجل و لما فيه زيادة حجم المعروض من هذه المادة و كسر الاحتكار القائم، حسب تعبيرها.
وكان وزير النفط والمعادن قدم في الاجتماع تقرير بشأن الاختناقات القائمة في مادة الغاز المنزلي بأمانة العاصمة والمحافظات، وما يستدعيه ذلك بضرورة فتح باب الاستيراد لتوفير الكميات المطلوبة.
وأكدت الحكومة أن هذه الخطوة ستعمل على توفر مادة الغاز في السوق بالأسعار المعقولة والتخفيف من الأعباء عن كاهل المواطنين.
وأقرت الحكومة فتح باب الاستيراد أمام التجار الراغبين بالاستيراد، ووجهت بتشكيل غرفة عمليات مشتركة من وزارتي النفط والمعادن والجهات الأمنية ذات العلاقة والسلطات المحلية للمتابعة المستمرة لكافة الخطوات المرتبطة بهذا الجانب ورفع تقارير متواصلة عن الصعوبات التي تعترض العمل.