[ صفحات ممولة لأخبار مزيفة في فيسبوك ]
قبل أكثر من شهر، رد محافظ البنك المركزي حافظ معياد -في صفحته على فيسبوك- منتقدا مقطع فيديو تم ترويجه واحتوى على العديد من الاتهامات التي كالها لمعياد.
كانت الصفحة التي بثت ذلك الفيديو مغمورة، لكن تمويلها للمنشور ساهم في وصولها لأكبر جمهور في اليمن وخارجه، وبقدر ما حققت الهدف الذي أراد ممولوه تحقيقه، بقدر ما لفتت الضوء نحو هذه الطريقة في نشر المعلومات بغض النظر عن مدى صحتها، ومستوى مهنية من يقفون خلفها.
لم يكن معياد وحده هدفا لمثل هذا النوع من الدعاية الممولة في فيسبوك، فقد تعرض آخرون لهذا الاستهداف، من خلال العديد من الصفحات الجديدة التي تبث منشورات ممولة في "فيسبوك" مستهدفة جمهورا عريضا وواسعا، وتنال من خصومها عبر تلك المنشورات، مع إخفاء هويتها أمام القراء.
وساهم استمرار الحرب واشتداد وتيرة الصراع في اليمن، في ذيوع هذا الأسلوب الذي بات ظاهرة تتسع كل يوم، مستغلا ضعف آلية تمييز الأخبار المزيفة في "فيسبوك" وسهولة عملية التمويل للمنشورات، والتي لا تكلف مبالغ كبيرة، بينما تصل لجمهور كبير.
أمثلة كثيرة يمكن سردها لعينة من تلك الصفحات، ونماذج من المنشورات الممولة التي نشرتها مؤخرا، لكن تحاشينا الإشارة لها كي لا نساهم في الترويج لها، غير أن محتوى تلك الصفحات والأخبار التي تمولها تظهر بوضوح من يقف خلفها، ويتكشف الأمر أكثر عندما تنقل عنها مواقع إخبارية إلكترونية لتوسيع دائرة النشر لتلك المعلومات التي تتسم في الغالب بالتزييف، وبث الإشاعات.
فضاء واسع
يعتقد الإعلامي محمد العليمي أن الفيسبوك وفر مساحة كبيرة للجهات والقوى السياسية لإدارة الصراع مع أعدائها إعلاميا ودون ضوابط أخلاقية، مفسرا ذلك بالقول إن الإعلام كان من قبل حكرا على الصحف والمواقع والتلفزيون والمؤسسات الإعلامية، وهذا يتطلب مشاركة فئة معينة فقط في المشهد الإعلامي والسياسي.
أما اليوم مع توسع الفيسبوك، أصبح كل شخص قادرا على الإدلاء برأيه في كل قضية، ومهاجمة الآخرين والمختلفين معه سياسيا، وإدارة الكثير من الحسابات الوهمية لتصعيد قضايا معينة وإخفاء قضايا أخرى وتضليل الرأي العام، وفق العليمي الذي تحدث لـ"الموقع بوست".
انعكاس للواقع
تقوم تلك الصفحات غالبا باستخدام الإعلانات عبر الفيسبوك لتوصل منشوراتها لأكبر عدد من الناس، وبروز مثل تلك المواقع والصفحات -بالنسبة للناشط الشبابي وليد الجعور- هو تعبير لمآلات الحياة السياسية اليمنية.
ويرى في تصريحه لـ"الموقع بوست" أن لجوء أي طرف سياسي إلى هذا النوع من الأعمال الإعلامية هو دليل على ضعف الحجة، وعجز ذاك الطرف عن انتهاج الحقيقة وهو ما يدفعه للتواري خلف الصفحات المشبوهة، مؤكدا أن ذلك هو مؤشر إفلاس قيمي وافتقار حقيقي للحقائق.
وأضاف: "هذه الممارسات تعبر عن احتقار تلك الجهات الممولة لهذا النوع من الصفحات والمواقع الإعلامية، وأنها لا ترى فيها سوى أداة من أدوات الصراع وساحة معركة تغيب فيها الحقيقة ويزيف فيها وعي الناس".
يتفق مع ذلك الطرح الصحفي حسن الفقي الذي تحدث لـ"الموقع بوست" عن "وجود انقسام مجتمعي وسياسي على نحو غير مسبوق أفرزته الحرب، خصوصا ونحن ندرك أنها تحولت إلى حرب إقليمية لها تقاطعتها، وبناء عليه دخل الإعلام على خط الصراع ومن ورائه المال الذي يغذي ويشعل جذوة ذلك، فظهر هذا الكم من الشحن الإعلامي والاحتقان المناطقي والسياسي والمذهبي".
من المستفيد؟
يُلاحظ أن تلك الحسابات التي انتشرت لا أحد يعرف من تتبع بالتحديد، مع أن سياستها واضحة ويمكن تمييز الحزب أو القوى التي تعمل لصالحها.
في صعيد متصل، يرى الإعلامي العليمي أن الكثير من القوى السياسية لديها حسابات كثيرة وهمية وحقيقية تعمل على نشر الكراهية والأخبار الكاذبة، وتسلط الضوء على قضايا معينة دون غيرها.
ويُشكل ذلك -بحسب العليمي- خطرا كبيرا على مستقبل القيم المدنية وحقوق الإنسان، لأن أصحاب الحسابات الوهمية لا يخافون من أي مساءلة أو تبعات قانونية في حال قيامهم بالتحريض ضد أشخاص معينين، أو العمل في مجال تنمية الكراهية، كمهاجمة اللاجئين والتحريض ضد المستضعفين، كما أنه يمكنهم تهديد الناشطين المدنيين والحقوقيين والسياسيين دون الخوف من التعرض للتبعات القانونية والأخلاقية، وهذا بدوره قد يعمل على تحجيم دور النشاط المدني والمجتمعي في أي بلد من البلدان.
مع توسع استخدام الفيسبوك، هناك غياب تام للتحقق من أي خبر يتم نشره سواء من قبل الناشر أو المتلقي، وفي حال تبين للكثير من رواد مواقع التواصل الاجتماعي أن الأخبار التي نشروها كانت كاذبة فإنه ليس هناك شعور بأهمية الاعتذار عن نشر مثل هذه الأخبار، لافتا إلى وجود الكثير من الحسابات الوهمية التي تحظى بمتابعة عشرات الآلاف، ويتم من خلالها ترويج الكثير من الأخبار، والتي ربما تتبع جهات أمنية ومخابراتية عربية وعالمية.
ودلالة ذلك إعلاميا -كما أفاد الصحفي الفقي- هو من أجل خلق سوق أخرى رائجة قائمة على الإشاعة والدعاية والترويج، بعيدا عن المهنية والمسؤولية المجتمعية.
خطورة
من زاوية أخرى، يقول الصحفي الفقي إن ما يجري الآن في موقع فيسبوك يشكل خطورة تكمن في ترك الساحة "للدخلاء الجدد" وهم فئة غالبيتهم لم يتخصصوا إعلاميا ومهنيا، بل وجدوا أنفسهم وسط المعمعة ليقوموا بمهمة نشر الإشاعة والترويج لصالح الأطراف التي يعملون لها.
وذلك الترويج قائم على السطحية والركاكة، لكنهم يصنعون تأثيرهم في مواقع التواصل التي تلقى رواجا وإقبالا كل يوم وتمكنوا من تحويلها إلى فضاء موبوء وملوث، وبالتالي زاد من حدة الصراعات والتباينات وفاقم من الأزمة القائمة وحولها إلى أزمة برؤوس عدة ومتناثرة، على حد قوله.
حلول
ويبدو -بالنسبة للعليمي- أن سياسة فيسبوك لمحاربة توسع الأخبار الكاذبة ليست مجدية حتى الآن ومساحتها ضيقة جدا، وتقتصر في دورها على محاربة الأخبار الكاذبة في أوقات الانتخابات.
وذلك يستدعي -وفق الإعلامي اليمني- وجود ضوابط كبيرة للحد من هذه الظاهرة، أولها أن تكون جميع الحسابات حسابات حقيقية تقوم على بيانات حقيقية للشخص، أو على الأقل تكون بعض الحسابات التي يتخطى متابعوها رقما معينا بالآلاف مثلا حسابات حقيقية يتم فيها إثبات ملكية الأشخاص المستخدمين لها، وتطوير برامج لتعقب الأخبار والإشاعات الكاذبة.
بينما رأى الفقي أن من الصعب حاليا مواجهة هذه الظاهرة لأن المتصدرين للمشهد ليس لديهم أي مسؤولية مهنية وصارت بالنسبة لهم ربيعهم وموسهم الخالد.
لكنه أكد أن الكارثة تمكن في انجرار صحفيين معتبرين تحت وقع الحاجة والاستقطاب وتحولوا إلى عامل إضافي في البلبلة والتراشق والترويج، مستبعدا إمكانية إيقاف ما يجري لأنه نتاج طبيعي للحرب الحاصلة، ولاستمراريتها وطول مدتها.
ويوفر فيسبوك بعض القوانين التي تساعد في حماية المستخدمين لكنها غير فعالة بشكل كبير، ففي حال كان هناك منشور يسيء للآخرين يحتاج لبعض الوقت ليتم حذفه وحظر الحساب الذي يقوم بنشر تلك الأمور، وهو ما يعني أن الحال سيبقى على ما هو عليه الآن حتى يستقر الوضع في اليمن وتتحول اهتمامات اليمنيين إلى أخرى أكثر إيجابية.