تهدم التراث.. السيول تلحق الأضرار بمواقع التراث الإنساني في اليمن (تقرير)
- خاص الإثنين, 10 أغسطس, 2020 - 07:11 مساءً
تهدم التراث.. السيول تلحق الأضرار بمواقع التراث الإنساني في اليمن (تقرير)

[ جانب من تهدم لمبان في صنعاء القديمة ]

يراقب اليمنيون الدمار الكبير الذي تتعرض له الآثار في اليمن نتيجة سيول الأمطار المستمرة منذ أيام، والتي تسببت بأضرار بالغة طالت الممتلكات، وتسببت بوفاة عدد من المدنيين.
 
 
خلال السنوات الأخيرة، لم تتعرض آثار البلاد لمثل هذه الأضرار البالغة التي تواجهها اليوم، فقد نتج عنها تهدم أكثر من 111 منزلا بشكل جزئي وكلي في صنعاء القديمة فقط، وفق "اللجنة الوطنية اليمنية لليونسكو" التابعة لجماعة الحوثي، من بينهم بيت الشاعر الكبير عبد الله البردوني.
 
 
ولم تكن فقط صنعاء هي التي تضررت فقط، فمدينتا زبيد بالحديدة وشبام في حضرموت وغيرها من المواقع طالتها الأضرار جراء سيول الأمطار الغزيرة التي تشهدها اليمن.
 
 
إضافة إلى ما لحق بالمواقع الأثرية في البلاد، فهناك وجه آخر للمأساة أفرزته مشكلة السيول، حيث أدت إلى وفاة عشرات من المواطنين في كافة مناطق اليمن، وألحقت أضرارا بالغة بممتلكاتهم.
 
 
صنعاء القديمة
 
يقول المؤرخون إن النواة الأولى لمدينة صنعاء القديمة هو قصر غمدان الموجود في سفح جبل نقم، واختلفوا حول من بناه، لكن الأغلبية يرجحون أن يكون سام بن نوح عليه السلام هو من قام بذلك، ويعود أقدم نقش فيه إلى عام 220 للميلاد.
 
 
توسعت المدينة مع مرور الوقت، وأصبح لسورها أربعة أبواب رئيسية، هي باب اليمن الذي يعتقد بعض المؤرخين أنه بني قبل ألف عام، وباب شعوب، وباب ستران، وباب السبحة، وباب خزيمة، وباب الشقاديق، أما الأبواب غير الرئيسية فهي باب البلقة، وباب الروم، وباب القاع.
 
 
تتميز المدينة بطابع معماري فريد، متأثرا بالطراز الحميري، وبها منازل عمرها أكثر من 5 قرون مبنية من الآجر، ومساجد من أبرزها الجامع الكبير، كما يوجد بها حمامات قديمة، وسماسر كل واحدة منها مخصصة لنوع معين من التجارة.
 
 
شبام
 
 
يعود تاريخ مدينة شبام إلى ما قبل القرن الـ16 للميلاد وهناك روايات مختلفة بشأن ذلك، وبها أول ناطحات سحاب مبنية من الطين يتراوح ارتفاعها بين 23 مترا إلى 24 مترا، ومن أبرز معالمها جامع هارون الرشيد الذي بني عام 166 هجرية.
 
 
تتعرض هذه المنطقة للسيول من وقت لآخر، وفقدت بعض معالمها كالسور الذي كان يحيط بها، إضافة إلى بعض المنازل.
 
 
زبيد
 
 
كانت زبيد عاصمة اليمن من القرن الثالث عشر إلى الخامس عشر، واشتهرت كثيرا بسبب جامعتها الإسلامية، وبها الدار الناصري الكبير، وكانت مركز حكم عدد من الدول كالرسولية والأيوبية وغيرها.
 
 
ويعود تاريخ تشييد سورها إلى القرن الثالث الهجري وفق بعض المؤخرين، وتوجد للمدينة خمسة أبواب هي باب سهام والشبارق والقرتب والنصر في الجنوب الشرقي حيث القلعة المعروفة بدار الناصري والتي أنشئت في عهد الملك الناصر الرسولي عام 828 هجرية.
 
 
إهمال ونتائج كارثية
 
 
وتتعرض الآثار اليمنية إلى انهيارات كبرى جراء السيول المختلفة التي اجتاحت اليمن، وعلى رأسها مدينة صنعاء القديمة التي يقول الباحث في المختص في التاريخ توفيق السامعي، إنها تتعرض للانهيار الكامل بسبب رداءة البنى التحتية، وغرق أساساتها بالمياه التي وصلت إلى داخل البيوت، والمقامة على أرض طينية مهددة بالانهيار بشكل كلي.
 
 
وفي حديثه لـ"الموقع بوست" يتوقع السامعي ألا يقتصر الأمر على صنعاء القديمة فقط، بل هناك بعض المدن الأخرى كشبام حضرموت وكثير من المواقع الأثرية، كبعض الحصون والقلاع التي تقادم عليها الزمن دون أية صيانة أو ترميمات، وستؤدي السيول إلى جرف آثار مدفونة ستظهر للعلن، وستتعرض للسطو والنهب، خاصة أنه لا يتم التحرز على المقتنيات التي سيتم إيجادها.
 
 
ويلفت الباحث اليمني إلى الأضرار التي تطال المواطنين في مختلف المحافظات جراء السيول، الأمر الذي يزيد معاناتهم بشكل كبير.
 
 
ويرى السامعي أن الحلول شبه منعدمة لإنقاذ آثار اليمن، بسبب انهيار مؤسسات الدولة والصراعات السياسية القائمة، دون أن تلتفت أي من السلطات المتعددة في اليمن لهذا الخراب، فضلاً عن شحة الإمكانات وقلة الموارد التي لا تعمل في الأساس خاصة والأزمة في اليمن مركبة من الحروب والأوبئة والسيول المختلفة التي فاقمت هذه المشكلة منذ بداية الموسم الزراعي والأمور مرشحة بالتصاعد بحسب الفلكيين اليمنيين.
 
 
ويعول الباحث السامعي على التكاتف المجتمعي بالوسائل المتاحة البسيطة، لتفادي ما يمكن تفاديه من هذه الأضرار.
 
 
خسارة مؤجلة
 
 
وكغيره من اليمنيين، يشعر الصحافي حسن الفقي بالغبن والقهر، وهو يرى المدن التاريخية تغرق وتنهار منازلها.
 
 
وعبر عن ذلك بحديثه لـ"الموقع بوست" بقوله: "نرى التاريخ والتراث يتسلل من بين أيدينا، إنه شعور بالنكبة أن يكون لك تاريخ عظيم وثمين ثم تضيع فيه وتعجز عن حمايته وصونه".
 
 
"خسارة كبيرة تعرضت لها اليمن جراء الفيضانات والأمطار خصوصا الأضرار التي طالت الآثار، بعد أن تسببت الحرب في تدمير ونهب كثير منها، ونحن نتحدث عن أكثر مئة منزل في صنعاء القديمة تعرضت الانهيار وكذلك العشرات في شبام التاريخية، وهذه مأساة حقيقة"، يضيف الفقي.
 
 
يتابع: "شعور أي مواطن يرى آثار بلده تنهار وتتدمر أمام ناظريه وسط عجز وتواطؤ من قبل المعنيين.. هي خسارة لن نستفيق أو نستوعب حجمها إلا بعد الحرب".
 
 
وأشار إلى المتضررين من السيول أو المتوفين، وفقدان عشرات المواطنين لخيامهم، وسط عجز الجهات المعنية عن تقديم شيء للناس أو المنظمات.
 
 
وخلال فترة الحرب التي اندلعت في مارس/آذار 2015، تعرضت مواقع أثرية عديدة للهدم المتعمد كالأضرحة، أو القصف الصاروخي أو جراء الاشتباكات المسلحة بمختلف الأسلحة، وهو ربما ما يفسر سبب الضرر الكبير الذي يلحقها بهذا الشكل.
 
 
ولا تزال حتى اليوم كثير من المناطق التاريخية في اليمن يسكن منازلها المدنيون، ويمارسون حياتهم بشكل طبيعي، ويحافظ البعض منهم على عادات وتقاليد قديمة مرتبطة بالمكان.
 
 
وسبق أن تم إعلان عدد من المناطق في اليمن ضمن قائمة مدن التراث الإنساني، وكان هناك محاولات للحفاظ عليها، لكن أغلب تلك الأنشطة توقفت بعد اندلاع الحرب.


التعليقات