في اليوم العالمي للمرأة..
"بدرية".. قصة امرأة مهمشة تقتحم مهنة الرجال لإعالة أسرتها (تقرير)
- مأرب - محمد حفيظ الإثنين, 08 مارس, 2021 - 09:32 مساءً

غردت خارج السرب المعتاد للمهمشات في اليمن لتسير في طريق تشقه بيدها لا بيد غيرها، واقتحمت مهنة الرجال المتعبة، مهنة صناعة الفحم من الأخشاب والأشجار التي تعمل فيها منذ سنين والتي ورثتها عن أبيها.

 

تلك المهمشة الأربعينية "بدرية" شقت طريقها للخروج عن التهميش لتلمع في أوساط رفيقاتها وتعمل بيدها لجلب رزقها وأسرتها بكل جهد ومتاعب وهمة كبيرة.

 

في يوم المرأة العالمي الذي يوافق الثامن من مارس في كل عام تأتي هذه المناسبة ووضع المرأة في اليمن متغير باستمرار نحو المشقة والمعاناة.

 

 

ففي محافظة مأرب باتت المرأة تسطر صفحات لامعة ومجهدة في آن واحد، حيث تستعد مأرب وحدها لهذا اليوم لإطلاق إعلان افتتاح 60 مشروعا لنساء نازحات ومتأثرات من الحرب بمشاريع تجارية مختلفة منها من اقتحمت مهنة الرجال مثل صيانة الجوالات وتربية النحل وتجارة العسل والتصدير والاستيراد، بالإضافة إلى مشاريع أخرى كالكوافير وتجارة المواد الغذائية والتطريز ومشاريع استثمارية أخرى.

 

بدرية هي واحدة من تلك النساء الكادحات التي غيرت حياتها الأوضاع التي تسير بها البلاد وجعلت منها ربية بيت وعاملة وأم وأب لتبحث بين أرجاء حواسها وكل أوقاتها عن لقمة عيش تطعم بها أطفالها وحياة بسيطة لها.

 

ولادة من رحم المعاناة

 

عملت بدرية في أكثر من مهنة منذ ثماني سنوات حين سقط زوجها وأصيب بالعمى وتوقف عن العمل ومن حينها بدرية هي ربة البيت والعمل وهي جالب الرزق وطاهية طعام أطفالها الستة وزوجها دون كلل ولا ملل ولا تحجج.

 

 

تسابق بدرية رفيقاتها من نساء اليمن رغم سنها في ريادة الأعمال ففي صناعة البخور والعطور وصناعة المكانس والحناء وصناعة الفحم تبرع بدرية أكثر من غيرها وان كان دخلها لا يكفي حاجات أسرتها الصغيرة لكنها لقمة كريمة تتفاخر بها بدرية.

 

أعدت بدرية كوخا صغيرا من الحديد جوار منزلها ليكون مكان بيع كل منتجاتها التي تصنعها بيدها، ففي رفوفه الفحم والحناء والبخور والعطور والزباد والمكانس المصنوعة من سعف النخيل وفرش التنظيف، بينما تبقى بدرية في وسطها تصنع ما تستطيع صناعته من المكانس وترتيب منتجاتها، وتنتظر أيضا مشتريا يأتي لطلب حاجته مما لديها وتجود بها يدها.

 

تقول بدرية بفخر إنها بدأت عملها في صناعة الفحم (وما أدراك ما صناعة الفحم، فهي مهنة الرجال الأقوياء وحسب)، حيث تقوم بدرية بجمع الخشب والأحطاب من جوار منطقتها بينما زوجها الكفيف يقوم بحفر حفرة في الأرض داخل منزلها الصغير المكون من عشش صغيرة  ثم تشعل بدرية النيران في تلك الأخشاب، وتقوم بدفنها بالتراب وتتركها تنجح حتى الصباح لتجمعها بعدها وتجزئها في أكياس صغيرة  لبيعها لزبائنها بتلك النوعية من الفحم الجيد، حد وصفها.

 

 

تعمل بدرية أيضا في بيع وصناعة المكانس المصنوعة من سعف النخيل التي تقوم بجمعها من مزارع مأرب والتي تأخذها مقابل تصفية النخيل في تلك المزارع لتقوم بصناعتها بيدها الشاحبة وتحيكها بفن ودقة عالية لتبيعها في صندقتها والتي لم تأخذ تدريبا في صناعتها ولكنها تعلمتها بعد تفكيك أحد المكانس التي اقتنتها من السوق، ثم تعلمت حياكتها حتى أتقنتها وباتت أدراج صندقتها متزاحمة ب350 مكنسة، ولا زالت كل يوم تصنع أخريات بديل ما تبيعه منها بينما قدرتها صناعة 40 مكنسة كل يوم، حد قولها.

 

وتقوم كذلك بصناعة فرشاة تنظيف الأدوات المنزلية المؤلفة من قطع تشتريها بدرية لصناعة فرشاة لتبيعها أيضا في صندقتها الصغيرة التي تحتوي على مصنوعات يدوية وحياكة يد بدرية التي تبحث في كل قدراتها للحصول على مصدر رزق ولقمة عيش كريمة.

 

فقر وفاقة

 

"هذه الصندقة هي مصدر رزقنا الوحيد وأنا الوحيدة التي تكد من أجل توفير لقمة عيش كريمة لي ولأطفالي"، تقول بدرية التي تحاول بكل جهد أن تجعل أطفالها لا يتأثرون بوضعهم الاقتصادي الضعيف جاهدة في توفير ما تستطيع من احتياجات أطفالها وتعليمهم.

 

 

من الصباح تغرد مع زوجها الكفيف بصره والمبصر بعيون زوجته بدرية التي ترى حياتها بقرب كفيفها حياة نيرة رغم معاناتهم المستمرة منذ نزوحهم خلال الحرب إلى بيحان في محافظة شبوة هربا من الحرب والذي استمر لمدة ثمانية أشهر حيث التقفهم الفقر الذي طاردته بدرية بسواعدها وحرفتها في صناعة البخور التي كانت تدر عليهم بأساسيات البقاء، ولا زالت حتى اليوم.

 

تقول بدرية إنها كانت تصنع البخور في عشها الصغير أثناء نزوحها بشبوة ثم تعرضه للبيع في المنازل والحارات والأماكن العامة لتبيع كل يوم عددا منه لتعود بما يكفي لوجبات طعام أطفالها.

 

بدرية طبختها الحياة الكادحة جيدا حتى بات لديها قدرات كبيرة في الصناعات اليدوية والمعجنات وصياغة الحلي والإكسسوارات والبخور والمعطرات والفحم وغيرها، حيث عملت سابقا هذه المرأة في الكثير من الأعمال منها صناعة وبيع المعجنات من الحلويات وبنت الصحن والترتات بأنواعها وكذا صناعة الروتي واللبان والذي كانت تبيعه في مدارس المدينة بمساعدة زوجها الذي كان يبتعد ويتجنب المدرسة التي كان أطفاله يدرسون فيها خشية تأثرهم أمام زملائهم بأن أباهم فقير وبائع خبز.

 

 

لم تشكو من نظرة المجتمع السيئة لكونها امرأة وتعمل، وقالت إن هناك أعمالا صعبة لكونها تحتاج جهودا كبيرة للقيام بها مثل صناعة الفحم ولكنها لا تستطيع التوقف عن عملها، لكون مصدر الرزق مرتكز عليها.

 

وتابعت: "من أين سنأكل ونشرب إذا بحثنا عن أعمال تناسب نعومتنا".

 

 

وأشارت إلى أن الحرب زادت من معاناتها وأسرتها بسبب ارتفاع الأسعار التي جعلت من ربحها بسيطا جدا بسبب ارتفاع أسعار أساسيات مصنوعاتها وارتفاع سعر بيعها التي قد يفقدها البيع حيث لن يقبل زبائنها على الشراء منها، بالإضافة إلى أن ارتفاع الأسعار ألزمتها بشراء أساسيات بيتها فقط والتخلي على الكثير من طلبات أطفالها.

 

تحولها من عالة إلى معيل لأسرتها

 

"صفر" كان مقدار رأس المال الذي بدأت به بدرية عملها، ولكن كان رأس مالها هو همها الوحيد في إخفاء الفقر الذي يهز كيان أسرتها بعد فقدان زوجها لبصره، ودون استسلام تفهمت ما عليها القيام به كي تكون الأب والأم ففكرت باقتحام مهنة أبيها، مهنة الأقوياء في صناعة الفحم حين كانت تشاهده وهي طفلة في قريتهم قبل سنوات.

 

بينما صناعة البخور تعلمتها بدرية من صديقة لها صومالية، تقول بدرية كانت المهاجرة في حيها السكني وكانت تتردد عليها لسؤالها عن كيفية صناعة البخور ومعطرات النساء، ولم تسجل بدرية تلك المعلومات في دفترها فهي أمية لا تقرأ ولا تكتب لكنها حفظتها عن ظهر قلب وطبقتها على واقع قدر طعام أطفالها فأتقنتها من ثالث صنعة، حد قولها.

 

 

تتمنى بدرية الحصول على رأس مال لشراء الحناء والبخور بكميات أكبر ليزيد من قدرات بيعها وربحها كما تطمح إلى توسعة مشروعها الصغير إلى محل تجاري في أحد الأسواق كي تستطيع الاعتماد عليه في دخل أسرتها وتتخلى عن الأعمال الشاقة التي تتعبها أكثر في صناعتها مثل صناعة الفحم.

 

بدرية مثال بسيط لمعاناة المرأة اليمنية، حملت على ظهرها وزر الحروب الدائرة في البلد منذ ست سنوات، ونقلت المرأة في هذا البلد الفقير من المنزل إلى السوق للبحث عن لقمة عيش كريمة بعد أن أثقلت الحرب كاهل الأسر وتحملت المرأة مسؤولية استمرار العيش في وضع قاسٍ وأيام كالسنين ثقيلة بهموم وأحزان عجز أمامها الرجال فتحدتها النساء وداست بأقدامها الرقيقة متحدية الصعاب متعايشة مع الواقع الذي وقعت فيه رغم قساوته.


التعليقات