عصابات القتل التي استباحت تعز.. كيف غرقت المدينة في مستنقع الفوضى؟ (تحقيق)
- أكرم ياسين الاربعاء, 25 أغسطس, 2021 - 02:07 مساءً
عصابات القتل التي استباحت تعز.. كيف غرقت المدينة في مستنقع الفوضى؟ (تحقيق)

[ تحقيق استقصائي عن عصابات القتل والفوضى في تعز ]

تشهد مدينة تعز حالة واسعة من الفوضى والانفلات الأمني، وانتشار السلاح والعصابات والمليشيا المسلحة التي تحكم قبضتها على مناطق واسعة من المدينة خلال الأيام الأخيرة.

 

وفي تحقيق استقصائي أجراه "الموقع بوست" لا يقدم إحصائية دقيقة لعدد الضحايا الأبرياء الذين أزهقت أرواحهم رصاصات العصابات المسلحة في مدينة تعز، وضاعت دماؤهم في معمعة فوضى أمنية صبغت وجه المدينة بالدم والرعب، لدرجة بات معها تقديم إحصائية دقيقة لعدد الضحايا باليوم والتاريخ أمراً يفوق قدرة أي مؤسسة إعلامية، ويتطلب لجنة تحقيق ذات صلاحيات مطلقة وخبرة تحريات ومهنية وحياد.

 

تتبع خطوات سير عصابات القتل الإجرامية من لحظة خروجها من جحورها بأسلحتها الشخصية وأعدادها القليلة، وصولاً إلى ما هي عليه اليوم كمجاميع بالعشرات، تمتلك أسلحة متنوعة وعربات وحماية، وانتشارها في كل مديريات محافظة تعز المحررة وليس المدينة فقط ومن يقف وراءها وطبيعة التعامل المريب للأجهزة الأمنية مع تلك العصابات، هو ما يحاول فك طلاسمه هذا التحقيق.

 

يرجع تاريخ ظهور العصابات المسلحة في مدينة تعز إلى مطلع العام 2019 حين نشبت اشتباكات مسلحة بين قوات الأمن والجيش الوطني من جهة وكتائب "أبوالعباس" التابعة للعقيد السلفي عادل عبده فارع المدعوم إماراتياً والتي كانت تسيطر على حيي "المدينة القديمة" و"الجمهوري" من مدينة تعز، واتهمت بسلسلة جرائم اغتيال واختطاف لعشرات من أفراد الجيش الوطني قدر عددهم بزهاء 220 جندياً، وفقاً لمصدر عسكري في الجيش.

 

ساندت تلك العصابات -التي ينتمي بعض أفرادها للجيش والأمن لكنهم لم يشتركوا في عمليات قتالية ضد جماعة الحوثي الانقلابية- الجيش الوطني في معركتها ضد من سميت حينها بـ"العصابات الإجرامية الخارجة عن القانون" المنضوية في كتائب أبو العباس حتى انتهى الأمر بخروج تلك الكتائب من مدينة تعز في أواخر أبريل/نيسان 2019.

 

من خلال تتبعنا لمسار ونشاط تلك العصابات، وخلفيتها العقائدية والنفسية، تبين لنا أن مساندة بعض أفرادها لقوات الجيش والأمن في  معركتها ضد العصابات الخارجة عن القانون في المدينة القديمة آنذاك وما قامت به تلك العصابات لاحقاً  لم يكن نابعاً من رغبة صادقة في ثبيت الأمن وتأمين المدينة كما كانت تروج، والأرجح أنها كانت تعمل لصالح طرف ثالث يريد نشر الفوضى في تعز وتشويه صورة الجيش الوطني وتتلقى منه الدعم والتعليمات، ولا يستبعد أن تكون جماعة الحوثي كونها المستفيد الأكبر من نشاط تلك العصابات.

 

 

بعد خروج كتائب أبو العباس من المدينة حاولت تلك العصبات تقمص دور البطل المنقذ لسكان المدينة من عصابات القتل الإجرامية، وبدلا من إلحاقهم بالجيش ودفعهم إلى الجبهات لمقاتلة جماعة الحوثي التي تحاصر المدينة، تم تجميعهم تحت قيادة "غزوان المخلافي" وهو صبي مراهق لا يتجاوز عمره العشرين عاماً، ما فتئت بعض المطابخ الإعلامية المعادية للجيش الوطني الحديث عن صلة قرابة له بالعميد صادق سرحان قائد اللواء 22 ميكا (أقيل من قيادة اللواء لاحقاً) المرابط في الجبهات الشرقية للمدينة، وهو ما ظل ينفيه العميد سرحان مراراً، إلا أن هذا التحقيق يكشف أن المراهق غزوان وعصابته لم يكونوا سوى أدوات لطرف خفي يتمتع بنفوذ وإمكانيات، كما لا نبرئ العميد صادق سرحان من علاقته بغزوان.

 

الجبايات بوابة الدخول إلى مستنقع الفوضى

 

حظي الشاب غزوان بأفراد ومرافقين ودعماً مالياً وسلاحا وأصبغ على نفسه صفة "الشيخ"، مستغلاً هشاشة الوضع الأمني الذي تعيشه المدينة.

 

تحولت عصابة "غزوان" التي يتزايد أعدادها باضطراد إلى صاحبة القوة والسطوة في جميع أحياء وشوارع مدينة تعز، فاستحوذت على ضرائب أسواق القات وفرضت جبايات على أصحاب المحلات بقوة البطش والسلاح.

 

هكذا وجد سكان مدينة تعز المحاصرة أنفسهم أمام سيناريو جديد للفوضى لا يقل إجراماً ودموية عنما كانت تمارسه كتائب أبو العباس، واندلاع الاشتباكات في الشوارع والأسواق المكتظة بالمدنيين ولعلعة الرصاص وسقوط ضحايا أبرياء، كل ذلك صار مشاهد يومية مألوفة لدى سكان مدينة فاقدة الحيلة يرفل الموت المتربص في كل مكان فيها.

 

قتلة أم أدوات

 

مع توقف الدعم المالي لجبهات تعز وانقطاع رواتب أفراد الجيش، تحولت إيرادات الأسواق والمحلات التجارية مطلباً مغرياً للعديد من النافذين المتخفين خلف تلك العصابات الإجرامية، وبحسب ما قاله مصدر أمني في شرطة محافظة تعز (فضل عدم ذكر اسمه) لـ"الموقع بوست"، فإن توفير قادة كبار في الجيش الحماية لأفراد تلك العصابات وتصاعد وتيرة التهافت على الإيرادات شجع نافذين أخرين على تبني عصابات مغايرة.

 

واستطرد المصدر الأمني قائلا: "فقويت شوكة تلك العصابات وتزايد أعدادها، وتطورت عملياتها لتشمل السطو على مؤسسات حكومية وأراضي المواطنين وامتد نشاطها الإجرامي إلى المديريات والأرياف وبات أمر كبح جماحها مع امتلاكها لأطقم عسكرية وأسلحة مختلفة يفوق قدرات الأجهزة الأمنية".

 

الزئبق غزوان

 

ووفقاً للمصدر الأمني فقد فرضت عصابة غزوان سيطرتها شبه الكاملة على أغلب أحياء مدينة تعز وخصوصاً شارع جمال والتحرير الأسفل وديلوكس وحي الروضة والمسبح بقوة السلاح ومنطق البلطجة والبطش، وسطت على ضرائب أسواق القات وفرضت رسوماً يومية على أصحاب المحلات بذريعة الحماية الأمنية، ومن يرفض الدفع يتم الاعتداء عليه والعبث ببضاعته.

 

 

سكن الرعب نفوس سكان المدينة، وتحت أقدام عصابات الفوضى المسلحة سقط أبرياء كثر بينهم نساء وأطفال لا ذنب لهم إلا أنهم تركوا تحت رحمة ذئاب متوحشة لا تعرف أو تجيد غير لغة الرصاص والقتل.

 

وبلغ عدد ضحايا الانفلات الأمني وعصابات القتل المسلحة منذ مطلع 2018 وحتى إجراء هذا التحقيق منتصف أغسطس/آب الجاري قرابة 300 ضحية في مدينة تعز وحدها، وفق تقديرات المصدر الأمني.

 

وعن سؤال "الموقع بوست" للمصدر الأمني عن دور الأجهزة الأمنية في مواجهة تلك العصابات، أكد أن الأجهزة الأمنية كانت تقوم بملاحقة أفراد تلك العصابات والقيام بحملات ملاحقة عقب كل عملية قتل وسقط العديد من أفراد الأمن شهداء أثناء محاولة ضبط واعتقال أفراد تلك العصابات التي كانت تواجه أفراد الحملة الأمنية بالسلاح.

 

ومضى المصدر سارداً شهادته الحزينة الدامية قائلاً: "تمكنت الأجهزة الأمنية في إحدى المرات من إلقاء القبض على غزوان المخلافي زعيم تلك العصابات، واعتقدنا أن شوكة الفوضى والإجرام قد كسرت وتنفس سكان المدينة الصعداء، غير أن ما حدث لم يكن في الحسبان، فقد مارست قيادات عسكرية رفيعة ضغوطاً على إدارة شرطة المحافظة أفضت إلى إطلاق سراح غزوان بكل سهولة دون أن يمنح ذوي ضحايا طيشه وإجرامه مبرراً عقلانياً لإطلاق سراحه".

 

داس الغر غزوان أثناء خروجه من سجن الأمن على هيبة الأجهزة الأمنية وحولها إلى رقم جديد يضاف إلى سجل ضحاياه الدامي، وفور خروجه نشر مقطع فيديو يشرح فيه كيف اعتدت الأجهزة الأمنية على هيبته وهيبة مرافقيه وإمعاناً في التبجح والغطرسة احتفل بزفافه البهيج الذي حرص مع أفراد عصابته بجعله استعراضاً فجاً لقطعان الفوضى المسلحة ورقصاً مقززاً على جثث ضحايا بعضهم ما تزال دماؤهم على الإسفلت لم تجف.

 

اتساع المستنقع وغزارة الدماء

 

شهد النصف الثاني من العام المنصرم نقطة تحول دراماتيكية في نشاط عصابة غزوان الإجرامية، إذ فقد الكثير من عوامل هيبته، والكثير من الحماية والدعم أيضاً، بالتوازي مع ظهور عصابات أخرى منافسة لعصابته في السطو والبلطجة والقتل، ولا تقل عن عصابته تسليحاً وإجراماً، وتأتي في مقدمة تلك العصابات عصابة "غدر المخلافي" ابن منطقة غزوان (ينتمي غزوان وغدر وأغلب أفراد عصابات القتل في مدينة تعز إلى منطقة شرعب وهي عزلة في الشمال الغربي لمحافظة تعز تخضع لسيطرة المليشيات الحوثية).

 

 

كما أن النشاط الإجرامي لتلك العصابات تعدى السطو على إيرادات الأسواق وفرض جبايات على أصحاب المحلات التجارية ليشمل نهب الأراضي والممتلكات الخاصة وبعض الشقق لاستخدامها كأوكار لأفراد تلك العصابات الذين بات أغلبهم مع الأسف يرتدون بزات الجيش العسكرية ويمتطون عرباته ويستخدمون سلاحه ويتحدثون باسمه على مرأى ومسمع من الجميع وفي مقدمتهم قيادة المحافظة ومحور تعز العسكري والأجهزة الأمنية.

 

آخر مشاهد البطل غزوان الدامية

 

في 9 أغسطس/آب من العام المنصرم، شهد حي الروضة شمال مدينة تعز معركة دامية بين جماعة غزوان المسلحة وجماعة غدر المخلافي المناوئة لها والتي أعلنت عن نفسها كعصابة فوضى مسلحة لا تقل إجراماً وتسليحاً عن عصابة غزوان الإجرامية، والسبب كما أعلن حينها خلاف على إيرادات سوق قات عصيفرة، أصيب غدر زعيم العصابة الجديدة في الاشتباكات وجرح آخرون من الطرفين ومن المدنيين الأبرياء، وأحرق طقم وسيارة نوع سنتافي تابعين لعصابة غزوان.

 

وعلى الرغم من إعلان الأجهزة الأمنية حينها القبض على غزوان وفرار غدر إلى جهة مجهولة، إلا أن المسار الدراماتيكي لعصابات الفوضى الإجرامية في المدينة الذي أعقب تلك المعركة أثبت أن الفوضى قد شبت وكبرت ولم يعد المراهق غزوان أهلاً للعب دور البطولة وأن عصابات أكثر احترافية وإجراماً تصدرت مشهد الانفلات الأمني في تعز التي عز فيها الأمن والكرامة.

 

مما ميز العصابات الجديدة عن عصابتي غزوان وغدر وإن دلت الأحداث انضمام بعض عناصر تلك العصابتين إليها،  هو انتشارها في كل أحياء المدينة من بيرباشا غرباً وحتى الجحملية وحي مستشفى الثورة شرقاً ومن المدينة القديمة والجمهوري جنوباً وحتى عصيفرة والأربعين شمالاً، ولم تعد تحفل بالتبريرات التي ما فتئ غزوان وعصابته يتسترون خلفها عقب كل جريمة يرتكبونها.

 

مرحلة تقليم المخالب

 

مثلت مرحلة تعيين العميد محمد سالم الخولاني قائداً لقوات الشرطة العسكرية في تعز ضربة موجعة لعصابات الإجرام المسلحة التي استباحت المدينة (عين قائداً لقوات الشرطة العسكرية في يناير/كانون ثاني 2020) ووقوف الجميع موقف المتفرج لما ترتكبه من جرائم وخصوصاً محافظ المحافظة نبيل شمسان المقيم في جمهورية مصر العربية، وقيادة محور تعز التي ينضوي أغلب أفراد تلك العصابات لبعض الألوية التابعين لها وأيضاً قيادة الأمن في المحافظة.

 

عن تلك المرحلة يقول الناشط مطهر عبده شمسان إن العميد الخولاني استطاع خلال فترة وجيزة الحد من نشاط تلك العصابات الإجرامية من خلال نشر عناصر الشرطة العسكرية في مداخل المدينة والأسواق وجوار المؤسسات الحكومية ومنع التجول بالسلاح في شوارع المدينة تحت أي مبرر.

 

 

ويضيف مطهر في حديثه لـ"الموقع بوست": "حدت قوات الشرطة العسكرية بحزمها وانضباطها من نشاط تلك العصابات الإجرامية بشكل أعاد لأبناء تعز الكثير من الطمأنينة المفقودة، حظيت قوات الشرطة العسكرية وقائدها الخولاني بترحاب وحب كل سكان المدينة".

 

وبنبرة أسف حزينة يضيف الناشط "مطهر" خلال حديثه مع "الموقع بوست" بالقول: "بدلاً من أن يقوم محافظ تعز وقيادة المحور بتقديم مختلف الدعم للعميد الخولاني وقوات الشرطة العسكرية تقديراً لدورهم الكبير في الحد من الانفلات الأمني وتقليص نشاط العصابات الإجرامية المسلحة، تفاجأ الجميع بقرار إقالة العميد الخولاني من قيادة الشرطة العسكرية، في يونيو/حزيران الماضي، ذلك القرار الذي مثل صدمة لكل أبناء تعز، وأثيرت حول دوافعه الكثير من علامات الاستفهام، ومثل خدمة لا تقدر بثمن لتلك العصابات الإجرامية التي قلم الخولاني مخالبها الطويلة الجارحة".

 

ناهبو الأراضي

 

بعد إقالة العميد محمد الخولاني من قيادة قوات الشرطة العسكرية، عادت تلك العصابات إلى الظهور بقوة مستخدمة عربات وأطقم الجيش متخذة من نهب أراضي المواطنين وممتلكاتهم وممارسة عمليات التقطع والقتل على رأس نشاطها الإجرامي وعرفت تعز فصلاً جديداً من الرعب أبطاله ناهبو الأراضي.

 

بالنظر لحالة الانفلات الأمني التي تعيشها مدينة تعز المحاصرة، وما تتمتع به عصابات الفوضى الإجرامية من حرية في الحركة على مرأى ومسمع قيادة السلطة المحلية والأجهزة الأمنية، صارت عمليات الاختطاف والقتل والسطو الذي تقوم به تلك العصابات المنفلتة أمراً مألوفاً لدى سكان مدينة تعايشت مع الفوضى مكرهة، لكنها وفي خضم انهماكها بمتابعة سيناريو جريمة اختطاف تلك العصابات للتاجر هشام الزريقي من متجره في حافة القرشي وسط المدينة، عصر الجمعة 5 أغسطس/آب الجاري، لأن أحد النافذين في المحافظة لديه خلاف مع زريقي آخر على قطعة أرض في مدينة التربة ولا يربطه بالتاجر هشام سوى الانتماء القبلي، تظهر هذه الصورة الحصرية التي حصل عليها "الموقع بوست" المسلحين أثناء عملية اختطاف التاجر هشام الزريقي.

 

لم تتوقع أن تلك العصابات المتوحشة الإجرامية مهما بلغ بها الإجرام ستقدمها وتحرق قلوب كل أبناء تعز بمشهد إبادة أسرة بأكملها دون تفريق بين طفل وامرأة.

 

الأربعاء في العاشر من أغسطس الجاري في حي "عمد" ببيرباشا غرب مدينة تعز، وبسبب خلاف على قطعة أرض، أقدمت إحدى العصابات الإجرامية بقيادة المطلوب أمنياً ماجد الأعرج (هو الآخر ينتمي لمديرية شرعب) باقتحام منزل أسرة أكرم الحرق الزكري (ينتمي لمديرية الشمايتين 70كم جنوب مدينة تعز) وفتحت نيران أسلحتها الرشاشة على كل من كانوا داخل البيت دون تمييز، لتكون النتيجة مأساة لن تنساها تعز مطلقاً.

 

كانت الحصيلة مقتل أربعة أشخاص من أسرة الحرق هم: عيسى عبده الحرق (25 عاماً) وعبده محمد الحرق (54 عاماً) وعصام محمد الحرق (43 عاماً) وخالد محمد الحرق (33 عاماً) وتشريد النساء والأطفال وإحراق البيت بوحشية تقشعر لها الأبدان.

 

 

ما يزيد من فداحة المأساة أن أفراد العصابة كانوا يمتطون أطقم الجيش ويستخدمون أسلحته، حسب ما رواه شهود عيان لـ"الموقع بوست".

 

الجيش في مواجهة الغضب الشعبي

 

في الشأن ذاته تقول الأكاديمية خديجة المجيدي إن إخراج كل هذه الأطقم والصواريخ والدوشكا من معسكرات الألوية العسكرية هدفه "التهبش" على أرض وإزهاق أرواح الأبرياء ورمى القنابل على منزل تسكنه عائلات ويختطف أطفال بل ومن المقتولين طفل أيضا.

 

تضيف المجيدي في حديثها لـ"الموقع بوست" أن "يكون قائد كل هذه الجرائم هو نفسه قائد كتيبة فهذه لعنة أصابت الجيش وأصابت تعز، يتحمل وزرها القادة العسكريون أولا، ومساءلتهم على إجرامهم بحق تعز من حقنا نحن أسر الشهداء قبل غيرنا".

 

وطالبت الأكاديمية خديجة المجيدي قيادة الجيش في تعز بإصلاح ما أجرمت بحق تعز في تعيين أمثال هؤلاء القتلة والتستر عليهم.

 

وتابعت: "لا يزال أفراد الحملة الأمنية مذهولين من كمية المعدات العسكرية والذخائر التي تسلح بها البلاطجة، وما يزال المجرمون يتربصون بأسرة بيت الحرق في بيرباشا حتى اللحظة".

 

تعز كلها جيش

 

أجرى "الموقع بوست" اتصالا هاتفيا مع الناطق باسم محور تعز العقيد عبد الباسط البحر لمعرفة حقيقة الاتهامات الموجهة للجيش بتبعية أفراد تلك العصابات الإجرامية للجيش الوطني واستخدامهم سلاحه وآلياته، وموقف قيادة المحور من الجرائم التي يرتكبها، فنفى العقيد البحر تلك المزاعم مؤكداً أنه لا يوجد سلاح خاص بالجيش الوطني طبقاً للمفهوم العسكري المتعارف عليه.

 

 

وأشار إلى أن "المعركة ضد جماعة الحوثي حولت أبناء تعز كلهم إلى جيش، وكل من خرج لمحاربة تلك المليشيات جاء بسلاحه الشخصي، وتم ترقيم أغلبهم في الجيش تنفيذاً لتوجيهات رئيس الجمهورية المشير عبد ربه منصور هادي، كما أن ارتداء أي شخص لبزة الجيش العسكرية لا يعني أنه ينتمي للجيش فالبزات العسكرية وغيرها من المستلزمات العسكرية بما فيها السلاح والذخيرة تباع في الشوارع وليست حكراً على الجيش".

 

وعبر العقيد البحر عن استنكار وإدانة قيادة المحور العسكرية لكل تلك الجرائم، مطالباً الأجهزة الأمنية القيام بدورها في ملاحقة تلك العصابات وتقديم عناصرها للعدالة.

 

ودعا الناطق العسكري باسم محور تعز العسكري في ختام حديثه جميع أبناء تعز للتحلي باليقظة والوقوف إلى جانب رجال الجيش الوطني المرابطين في مواقع الدفاع عن كرامة تعز بدون رواتب وفي ظروف معيشية صعبة، وتفويت الفرصة على المتربصين بتعز وجيشها الوطني من خلال تشويه صورته الناصعة لديهم ودفعهم إلى عدم الثقة به.

 

ما حدث في حي "عمد" بمنطقة بيرباشا غرب مدينة تعز يعد جريمة بحق الإنسانية ومسارعة الجميع في إدانتها ليست كافية، كما أن محاولة استثمار مأساة أسرة الحرق التي لن تكون آخر الجرائم سياسياً من قبل الأحزاب التي أضحت هي الأخرى عصابات ومطابخ كيد قذرة تقتات من جرح تعز النازف، وبعيداً عن صخب العويل الزائف يخلص هذا التقرير إلى الحقائق الجلية التالية:

 

ما يحدث في تعز من جرائم قتل وتقطع وفوضى أمنية يتحمل مسؤوليته بالمقام الأول حكومة معين عبد الملك ومحافظ المحافظة نبيل شمسان رئيس اللجنة الأمنية المقيمان ليس خارج الوطن فحسب ولكن خارج الإنسانية وقيمها الأخلاقية وموجبات مناصبهم.

 

يجب إقالة قائد شرطة تعز العميد منصور الأكحلي وقائد محور تعز العسكري العميد خالد فاضل وإحالتهما للتحقيق واعتبارهما شركاء في تلك الجرائم كونهما المسؤولان المباشران عن الوضع العسكري والأمني في تعز.

 

 

يكشف هذا التحقيق فداحة الاستهتار بدماء وأرواح الأبرياء التي تزهق يومياً من قبل قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في المحافظة الذين دفنوا رؤوسهم في محل الصمت المخزي وتركوا سكان المدينة فريسة لعصابات إجرامية دون القيام بأي تحرك جاد يفرضه واجبهما الوظيفي.

 

تجاوز عدد ضحايا الانفلات الأمني 250 ضحية خلال ثلاثة أعوام فقط لم يقدم خلالها أي عنصر من تلك العصابات للقضاء للتحقيق معه ومعرفة من يقف خلف مسلسل الفوضى الدامي ويدعمه.

 

تبين من خلال هذا التحقيق الاستقصائي أن أغلب أفراد تلك العصابات الإجرامية ينتمون لعزلة شرعب الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، ويتلقون دعماً وحماية من قيادات كبيرة في الجيش بتعز يتضح ذلك من استخدام أفراد تلك العصابات للأطقم العسكرية والأسلحة المتوسطة والقدرة على التواري والاختباء ما يجعل فرضية اختراق الحوثيين للجيش أمراً ليس مستبعداً.

 

لوحظ الدور السلبي للأحزاب السياسية دون استثناء إزاء تلك الجرائم ومرتكبيها إذ تركز دورها في توظيف دماء الأبرياء في المناكفات البينية والكيد الرخيص.

 

وأعلنت اللجنة الأمنية خلال الأيام التي تلت جريمة إبادة أسرة الحرق الزكري في بيانات متتابعة عن تحريكها حملة أمنية لملاحقة أفراد تلك العصابات وتمكنت من إلقاء القبض على بعضهم، الأمر الذي قوبل برد فعل شعبية مستهجنة وساخرة واسعة من المتظاهرين الغاضبين الذين وصفوا بيانات اللجنة الأمنية كمحاولة بائسة لامتصاص ثورة احتقان شعبي وضع العصابات الإجرامية وقيادة المحافظة وقادة الأمن والجيش في قفص اتهام غارق في مستنقع دماء يزداد اتساعاً بغياب دولة نظام وقانون حاكمة وقضاء عادل نزيه.


التعليقات