[ صورة تظهر جانب من اعتصام الطلاب اليمنيين المبتعثين في روسيا أمام سفارة بلادهم للمطالبة بالمستحقات ]
محمد، طالب يمني مبتعث يدرس الهندسة في روسيا، تعرض للاعتداء من أحد مسؤولي السفارة بسبب اعتصامه للمطالبة بمستحقاته، وطالب آخر يدرس الطب في تركيا، ترك الدراسة التي أُبتعث من أجلها، وذهب للعمل في إحدى القرى لتغطية تكاليف معيشته، طالب يمني آخر تلقى إنذاراً بالفصل من الجامعة والطرد من السكن الطلابي في ماليزيا لعدم تسديده الرسوم الدراسية.
هؤلاء الثلاثة الطلاب ليسوا الوحيدون، بل هناك الآلاف من الطلاب اليمنيين في الخارج يعيشون هذه المشاكل منذ سنين!
يتناول هذا التقرير الذي أعده "الموقع بوست" رحلة معاناة الطلاب اليمنيين في الخارج، منذ بدء مشكلة المستحقات عقب استيلاء الحوثيين على مؤسسات الدولة، إبان سيطرتهم على العاصمة صنعاء أواخر العام 2014، ويرصد محطات تعامل الحوثيين والحكومة اليمنية ووزارة التعليم العالي مع ملف الطلاب المبتعثين، والعبث الذي لحق به على مدار السنين الماضية، ويتتبع جملة من التعسفات ارتكبتها السلطات اليمنية بحق الطلاب، والتي وصلت أحياناً إلى الصدام المباشر معها في السفارات، ويحاول توضيح كيف أنعكس الصراع في البلد بين الحكومة والحوثيين على ملف الطلاب المبتعثين خارج اليمن.
يقضي قانون البعثات والمنح الدراسية الصادر بقرار رئاسة الجمهورية والبرلمان اليمني، بصرف مستحقات مالية وفق آلية وتزمين محددين لكل طالب مبتعث، للمنح التي تقدمها الحكومة اليمنية عبر وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أو المؤسسات التعليمية الأخرى التابعة لها، وتنقسم المنح إلى منح أوائل الجمهورية، ومنح الكفاءات، ومنح الأبحاث التابعة للجامعات، ومنح المساعدة المالية، وتشمل المنح مستحقات مالية تقدّر بـ 1600، أو 2100 دولار الربع الواحد، بالإضافة للرسوم الجامعية، وتذاكر الطيران ذهابا وعودة، أو مستحقات مالية فقط، بحسب نوع المنحة، ونوع برنامج الإبتعاث، غير أن الحرب التي اندلعت مطلع العام 2015 كانت نيرانها سبباً في التهام مستحقات الطلاب المبتعثين في الخارج، وجلب المعاناة لهم على مدار الخمس سنوات الفائتة، والتي لاتزال مستمرة حتى اللحظة.
روايات متعددة
بالرغم من تعدد روايات الطلاب الذين أجرى معهم الموقع بوست التحقيق بأن مشكلة المستحقات لم تكن وليدة الحرب، بل كانت تحدث سابقاً بشكل متقطّع، إلا أنهم يجزمون أن حلول العام 2015 كان تدشينا لأسوأ فصول المعاناة للمبتعثين وأطولها على الإطلاق، إذ تعاقب على وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ثلاثة وزراء هم: محمد المطهر الذي تم تعيينه في 7 نوفمبر 2014 وتوفي مؤخراً، أعقبه عبدالله الشامي بتكليف من الحوثيين، فيما جرى تعيين د. حسين باسلامة خلفاً له في التعديل الوزاري الذي أجراه بن دغر في سبتمبر 2016، وأعقبه د.خالد الوصابي الذي عين في ديسمبر 2020.
وبحسب روايات الطلاب، تأتي مشكلتيَّ تأخير صرف المستحقات والاستمرارية في مقدمة المشاكل، الأولى تتعلق بتأخير صرف المستحقات في موعدها المحدد، والذي يؤدي إلى إحداث فجوات زمنية بين الأرباع، والمشكلة الثانية تتعلق بالاستمرارية، ويعاني منها الطلاب الذين أكملوا مدّة الابتعاث، ولا يرغبون بالعودة إلى البلاد، بسبب وضعها المتردّي، ويطالبون الوزارة بتمديد مدّة ابتعاثهم لمواصلة الدراسات العليا، وهو قانون مشروع.
عدم انتظام الصرف
هناك أيضا مشكلة مزمنة منذ سنين، تتمثل في عدم انتظام صرف المستحقات، سواءًا في توقيت الصرف، أو الصرف لكل الطلاب في مختلف بلدان الابتعاث، ففي تركيا جرى صرف مستحقات الربع الأول للعام 2015 في شهر أبريل بدلاً من شهر يناير، وبعدها الربع الثاني في شهر أغسطس، والثالث في شهر نوفمبر، بمعدل ثلاثة أرباع بدلاً من أربعة، فيما العام 2019 جرى صرف ربع المخصص في شهر أبريل، وربع ثاني في شهر أكتوبر، أي ربعين فقط في عام واحد، والأمر ذاته لم يكن في ذات التوقيت في دول الابتعاث الأخرى، وفي أغلب الأحيان كانت الأرباع تُصرف بعد تصعيد ومطالبات وضغط إعلامي من قبل الطلاب.
العامان 2015 و2016 ظلّ ملف الطلاب المبتعثين خاضعاً لسيطرة الحوثيين إبان سيطرتهم على مؤسسات الدولة في صنعاء، كما أوردنا سابقاً، وفي تلك الفترة عبث الحوثيون بكشوفات المبتعثين عبر إسقاط أسماء مئات الطلاب، كان معظمهم أبناء قيادات في الشرعية وبعضهم كان إسقاطهم ردّاً على الموقف السياسي الرافض لسيطرة الحوثيين على صنعاء، كما أضاف الحوثيون أسماء أخرى أيضاً.
ردّة الفعل التي قام بها الطلاب اقتصرت على مراسلات للوزارة والوزير المطهّر معظمها تمت بشكل شخصي عبر مندوبي الدفعات الطلابية آنذاك، قبل أن تتشكل الكيانات والاتحادات الطلابية، لكن أغلب تلك المراسلات لم تفض إلى نتيجة، ولم تنجح في إعادة الطلاب المُنزلين، وبدأت أصوات الطلاب تتعالى، ويتم تشديد الضغط الإعلامي والتواصل مع مسؤولين في الشرعية لحل الأمر.
نهاية العام 2016 أصدرت الرئاسة اليمنية قراراً بنقل البنك المركزي إلى عدن، وهو القرار الذي دفع الحكومة لتشكيل لجان وزاية ميدانية لمباشرة صرف مستحقات المبتعثين، ولأن صلاحيات الوزارة انتقلت إلى عدن فلم تكن قاعدة بيانات الطلاب متوفرة لديها، واعتمدت حينها على البيانات الموجودة لدى ملحقيات السفارات في الخارج، وبدلاً من أن العملية كانت تمر عبر التعليم العالي ثم البنك المركزي ثم الملحقيات، أصبحت تمر من الملحقيات ثم التعليم العالي ثم البنك المركزي، وهو الأمر الذي فتح المجال لمسؤولي بعض السفارات للتلاعب والعبث والإسقاط والإضافة والفرز للكشوفات، قبل الإرسال إلى التعليم العالي.
الصراع السياسي والفرز المناطقي
مطلع العام 2015 أسقط الحوثيون 217 طالب من كشوفات مستحقات المبتعثين من الطلاب اليمنيين في روسيا، إثر الوقفة الإحتجاجية والبيان الذي أصدره الطلاب، والذي عبّر عن وقوفهم مع الشرعية، ورفض تمرد الحوثيين على السلطة إبان اقتحامهم لصنعاء نهاية العام 2014، وفقا لـ أنور السفياني رئيس اتحاد الطلاب اليمنيين بروسيا في حديثه للموقع بوست.
السفياني قال: "منذ ذلك الحين بدأ مسلسل تصعيدنا، والذي تنوع بين الحملات والمراسلات واللقاءات بمسؤولي الشرعية الذين يزورون روسيا بين الحين والآخر أمثال عبد الملك المخلافي، وأحمد العيسي، ومؤخراً أحمد بن مبارك وزير الخارجية، بالإضافة إلى التصعيد عبر الوقفات الاحتجاجية، والذي أدت بعضها إلى صدامات مباشرة مع مسؤولي السفارة".
ويواصل حديثه:" في أكتوبر من العام 2020 نفذ العشرات من الطلاب الذين تم إسقاطهم من كشوفات الابتعاث اعتصاماً مفتوحاً داخل السفارة دام 35 يوماً، للمطالبة بمستحقاتهم التي لم تُصرف منذ الربع الأول من العام 2019 وحتى العام 2020، وقابله السفير أحمد الوحيشي بإجراءات تعسَفية، منها فرض الحصار على الطلاب بمنع وصول الأكل والماء إلى السفارة، ومنع الإسعافات، لإجبار الطلاب على إنهاء اعتصامهم، وعندما رفض الطلاب إنهاء الإعتصام، استدعى السفير الوحيشي أفرادا من قوات الأمن الروسي للقيام بإنهاء اعتصامهم وتفريقهم بالغاز المسيل للدموع، وكان من ضمن المسؤولين الذين قاموا بالإعتداء على الطلاب علي بورجي الملحق المالي في السفارة".
يشير السفياني إلى أنه كان من بين المُعتدى عليهم ضبّاط يمنيين متخرجين من الكليات العسكرية في روسيا، وتم سجن عدد 22 طالب، أطلق سراحهم لاحقا بعد توقيعهم تعهدات بعدم الانخراط في أي اعتصامات أخرى، وإلا فإن الترحيل خارج روسيا سيكون مصيرهم؟
معاقبة بسبب النشاط الطلابي
من جانبه قال ردفان الماس رئيس رابطة الطلبة اليمنيين في موسكو لـ الموقع بوست: " قررت وزارة التعليم العالي وسفارتنا في روسيا معاقبتنا بقطع مستحقاتنا، بسبب نشاطنا في العمل الطلابي ووقوفنا ضد التعسفات التي يقوم بها السفير".
ويضيف الماس: "منذ ما يقارب سنة ومستحقاتي ورسومي الدراسية للعاميين الماضيين محتجزة لدى الوزارة، رغم كل الرسائل والمطالبات من الملحقية الثقافية بتعزيزها، وقبل ذلك كانت قد أُوقفت سابقاً من قبل السفير أيضاً لمدة سنة من وصولها إلى حساب السفارة لذات السبب، وتم إسقاط أسماءنا منذ الربع الأول من العام 2020 إلى الآن".
ويواصل حديثه: "منذ أسبوعين أتت الرسوم الدراسية المتأخرة منذ سنتين، لنتفاجأ بإسقاط أسماءنا ايضاً، ونحن نعتبر أن الاسقاط كان لاعتبارات سياسية مناطقية، ولسبب أننا في قيادات في العمل الطلابي".
ويُرجع الماس السبب من كل ذلك إلى أن قيادات الوزارة بعملها ذاك تعمل على معاقبة من يقف في كل المحافل دفاعاً عن الشرعية وفضح الانقلاب، ومع ذلك نحن لا نطالب الا بحقوقنا القانونية، ولدى الوزارة كل ما يثبت ذلك، وسبق وأن بعثت الملحقية بكافة الوثائق وبعثت عشرات رسائل المطالبات، حد قوله.
خلل قاعدة البيانات
الأمر ذاته لم يختلف لدى الطلاب الدارسين في المغرب، لكن الطلاب أيضاً يتسببون في حصول المشاكل كما يقول أحد الطلاب المبتعثين هناك، ويوضح الطالب الذي فضّل عدم ذكر اسمه لـ "الموقع بوست": "بالرغم أن الوزارة هي أصل المشكلة بسبب قاعدة البيانات الهشّة الموجودة لديها، وعدم وجود نظام إلكتروني يسهل التعامل مع بيانات الطلاب، ومدّة ابتعاثهم ومستحقاتهم، إلا أن انتهاء مدة الإبتعاث، والمطالبة بالتمديد بعد ذلك، تعد أبرز العوامل التي تؤدي إلى حدوث مشاكل للطلاب مع السفارات، بالإضافة إلى اختلاق المشاكل من قبل الطلاب أنفسهم، بالسفر واللجوء إلى دول أخرى أثناء فترة الدراسة، ثم عودتهم للمطالبة بمستحقاتهم، في حين أنهم لم يكونوا متواجدين أثناء صرف المستحقات، وكل ذلك لا علاقة له بالمشاكل الأساسية للطلاب المبتعثين مع الأرباع المتأخرة".
ويضيف: "السفارة أيضاً تقوم بأعمال غير قانونية في هذا الإطار، عبر استقدام أناس لم يكونوا مسجلين في كشوفات الإبتعاث، مما يتسبب في إسقاط وإضافة طلاب على حساب آخرين مبتعثين ومستحقين للمنح، والتي تؤدي إلى إلحاق الضرر بالطلاب المبتعثين وفق القانون".
انتقائيات الابتعاث وقرارات الإيقاف
الأمين العام لاتحاد الطلاب اليمنيين في ماليزيا عبدالملك فرحان في حديثه للموقع بوست يقول: "إن وزاة التعليم العالي أصدرت قراراً يقضي بإيقاف الابتعاث في العام، إلا أننا نتفاجأ بين الحين والآخر بقدوم طلاب جدد يقولون إنهم مبتعثون من التعليم العالي، ويستلمون مستحقاتهم، وعندما أتحدث مع مسؤولي السفارة بخصوص هذا الأمر يقولون إنهم مبتعثون سابقا، بينما هناك أشخاص مُدرجين في كشوفات المنح لم يتم ابتعاثهم، وهم سابقين".
ويضيف فرحان: "التأخير في صرف المستحقات كان سبباً في دفع الكثير من الطلاب إلى البحث عن أعمال لتوفير مصروفاتهم الشهرية، بدلاً من الإهتمام بالدراسة التي تم ابتعاثهم من أجلها، مشيراً إلى أن الأمر ذاته أنعكس سلباً على الطلاب نفسياً وأكاديمياً، بعد أن وصلتهم إنذارات بالفصل من جامعاتهم إن لم يتم تسديد الرسوم، وكذلك إشعارات بالطرد من السكنات الطلابية، مشيراً إلى أن الطالبات أكثر تضرراً من الطلاب لصعوبة إيجادهم للعمل وتلافيهم المشكلة".
حلول ترقيعية
الإحصائيات التقريبية التي حصل عليها "الموقع بوست" تفيد بأن نسبة ضئيلة من الطلاب اليمنيين المتواجدين في الخارج مبتعثين من الحكومة، ويواجهون مشكلة تتمثل في تأخر مستحقاتهم لأكثر من سنة، بينما هناك عدد كبير من الطلاب يقدر بآلاف متواجدين في الخارج، وليس لهم علاقة بالوزارة والإبتعاث، ففي ماليزيا قرابة 4500 طالب، منهم 600 مبتعث من الحكومة، وفي روسيا قرابة 2000 طالب، منهم 700 طالب مبتعث من الحكومة، وفي الصين قرابة 5000 طالب وطالبة منهم 1500 مبتعث من الحكومة، ودول أخرى.
وفي هذا السياق يقول المسؤول الأكاديمي لاتحاد الطلاب اليمنيين في تركيا عبدالرحمن مشرح لـ الموقع بوست : " إن عدد الطلاب اليمنيين المقيدين في الجامعات التركية أكثر من 4000 طالب تقريبا حسب وزارة التعليم العالي التركي 320 طالب منهم يحصلون على مستحقات من الحكومة اليمنية".
ويواصل مشرح حديثه: "القطاع الكبير من الطلاب اليمنيين في الخارج يسافرون للدراسة على حسابهم الخاص، أو منح من دول الإبتعاث نفسها على سبيل المثال لا الحصر منح الحكومة التركية، لكن هؤلاء أيضاً يتعرضون لمشاكل عديدة، منها ضعف التمويل وصعوبة المعيشة، وتسوء أحوالهم ثم يبحثوا عن طرق تمكنهم من الحصول على التمويل من الحكومة".
ويضيف :"قام عدد من الطلاب المتواجدين في تركيا بالتقديم على منحة المساعدة المالية في العام 2017، بعد ذلك أوقفت الوزارة التقديم عليها، ومنذ ذلك الحين لم يفتح التقديم على المنحة مرة أخرى بشكل رسمي، وقبل ذلك لم تف الوزارة بمستحقات مبتعثيها كاملة، وهم مئات، فكيف لو تم إضافة جميع الطلاب المتواجدين بالخارج وهم بالآلاف، وهو مايعكس حالة العجز لدى الوزارة عن إيجاد حلول جذرية للمشاكل التي يتعرض لها الطلاب سواءاً المبتعثين أو غيرهم".
يذكر أن التعليم العالي أعلنت قبل أشهر توقيع اتفاقية مع البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن، من أجل تعزيز مستحقات الطلاب المتأخرة لأربعة أرباع سابقة، وهو ما أحدث خيبة أمل لدى الطلاب حسب روايتهم لـ الموقع بوست، لأن الوزارة أرسلت ربع واحد فقط، ولم ترسل الثلاثة الأرباع المتبقية حتى الآن، بالإضافة إلى اعتماد البرنامج السعودي آلية جديدة للصرف، يلغي استلام المستحقات لمن هم في خارج بلد الإبتعاث لأسباب قانونية أو قهرية، وهو ما دفع اتحادات الطلاب في الخارج إلى اصدار بيان يدين التعامل مع الطلاب وفق هذه الآلية ويصف ذلك بالتصرف اللامسؤول حسب ما ورد في نص البيان.
يشار إلى أنه جرى التواصل مع عدة مسؤولين حكوميين للرد على كثير من الاستفسارات المتعلقة بالتقرير، والمطروحة من قبل الطلاب، لكن لم نتلق أي رد.