[ الأمراض تفتك بالمواليد والنساء في مخيمات النزوح بمأرب وسط غياب للخدمات الصحية وتقاعس المنظمات ]
مرهقة تعيش آلاما وأوجاعاً، لا تواسيها سوى رمال باردة في ظل خيمتها على أطراف مخيم السميا الواقع في صحراء شرق مأرب التي تحتضن أكثر من مليوني نازح.
تفتقر مخيمات النازحين في صحراء مأرب للعيادات الطبية والخدمات الأساسية الأخرى، واستحدثت تلك المخيمات قبل اكثر من عام تقريبا إثر موجة النزوح الأخيرة جراء الهجمات الحوثية على مديريات ومخيمات النازحين جنوب مأرب.
تستعيد ترتيب خيمتها الصغيرة اثر موجة الرياح والأمطار خلال موسمه الجاري التي أثرت على خيمة أم علي (30 عام) وهي امرأة ونازحة حامل في شهرها السابع، تعاني من نزيف يومي بسبب الحمل والإرهاق والنزوح الذي تتحمله، لتلفها حول أخشاب يكون حمامها (دورة مياه) وسط الصحراء، إلى جوار خيمة سكنها التي بنتها بيديها المتعبة من أخشاب وخيام لا تقيها برد الشتاء القارس ولا حر الشمس.
لا تستجدي أحداً عند اشتداد آلامها، بل تعود إلى خيمتها لتعايش آلامها وأوجاعها دون حبة دواء ولا طبيب مداوي لافتقار المخيم الواسع لوحدة صحية .
تقول أم علي وهي أم لخمسة أطفال صغار "لا يوجد عيادة طبية أو إسعاف في المخيم أو حتى مختصة نساء للمعاينة".
غياب الدعم الصحي
مخيم النقيعاء الذي يعد أكبر مخيمات المحافظة، هو أيضا يفتقر للخدمات الصحية وبدون عيادات ثابتة والتدخلات الإنسانية الغائبة.
وتغيب عن مخيمات الصحراء والمدينة دور المنظمات الصحية والإغاثية، وتنعدم فيها أهم أساسيات الحياة، ولا تجد فيه أي خدمات عامة من عيادة طبية متنقلة أو ثابتة وسيارة إسعاف للحالات الطارئة، قد تنقذ "أم معاذ" من الموت أو المخاطر التي تهدد حياتها، بسبب استمرار نزيف دمها بشكل متكرر.
يقول نائب مدير مكتب الصحة بمأرب احمد العبادي لـ "الموقع بوست" إن التدخل الصحي للمنظمات الداعمة ضعيف ولا يرقى إلى أي مستوى، بينما مكتب الصحة غير قادر على تغطية احتياجات كافة النازحين.
فيما تقول وحدة إدارة النازحين بمأرب إن مخيمين اثنين فقط من أصل 194 يوجد فيها وحدات صحية ثابتة، بينما بقية المخيمات تفتقر للوحدات الصحية ولا تحصل على الدواء في وقته المناسب والسريع.
معاناة شديدة يواجهها النازحون في ما يخص الجوانب والخدمات الصحية ويتكبدون خلالها أوجاع مضاعفة، إضافة إلى معاناة تضيفها الأمطار والرياح التي تصيب الأطفال وكبار السن بشكل مستمر.
أمراض معدية
ذكرت إحصائيات حديثة للوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين في المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية أن ( 348 ) مخيم يفتقر للخدمات الصحية بنسبة (69% ) من إجمالي المخيمات، مشيرة إلى أن 26102 فرد في تلك المخيمات مصابون بأمراض معدية مثل الملاريا والإسهال المائي والأمراض الجلدية بنسبة ( 6% ) من النازحين.
إلى ذلك المصابين بأمراض مزمنة البالغ عددهم ( 26253 ) فرد نازح بنسبة ( 7% ) من إجمالي النازحين، وكان عدد الذين يعانون من مشاكل صحية في السمع والبصر والقدرة على الحركة أكثر من “56037” بنسبة( 14% )، و (2879) فرد نازح من ذوي الاعاقة .
دور مخجل للمنظمات الدولية
نائب مدير مكتب الصحة بمأرب أحمد العبادي يقول إن مخيمات النازحين تفتقر إلى العيادات والخدمات الصحية رغم الإنتشار الكبير للأمراض المعدية بين أوساط النازحين كالجرب والملاريا والكوليرا والجدري وغيرها إضافة إلى إصابة بعض المخيمات بكورونا مع انتشار الجائحة سابقا.
وأنتقد العبادي الدور الخجول الذي تقوم به والخدمات التي تقدمها المنظمات الدولية الصحية مثل الصحة العالمية والصليب الأحمر في مأرب، مشيرا إلى أنها لا تقدم أكثر من خدمات صحية أولية وفي مناطق ومشافي وخدمات قليلة لا ترتقي الى ادنا مستوى من الخدمة .
فيما أشاد بالدور الأبرز والجيد لمنظمة الهجرة الدولية ومنظمة اليونيسف التين يقدمن خدمات جيدة وواسعة وملموسة مقارنة بالمنظمات الدولية الاخرى بحسب العبادي.
من جهتها وحدة إدارة النازحين في تقرير لها أشارت أن ثلاثة أطفال توفوا بسبب البرد في مخيم صحراء النقيعاء، فيما اصيب 12602 نازح بينهم أطفال ونساء خلال موسم البرد في الشتاء الفائت.
731 جنين أجهض في المخيمات
قالت إدارة الصحة الانجابية بمكتب الصحة لـ"الموقع بوست" إن أمراض النساء في مخيمات النزوح تتزايد بشكل مستمر مع غياب الوحدات الصحية في كل مخيم.
وتطرقت الصحة الإنجابية إلى عدد وأنواع الأمراض التي أصيبت بها النساء خلال العام الفائت 2021م، مشيرة إلى أن المضاعفات التوليدية كبيرة قبل وأثناء وبعد الولادة.
وأشارت إحصائية إدارة الصحة أن 114 حالة من النساء النازحات اصيبت بأمراض مصاحبة تم رصدها، فيما أصيبت 13 امرأة بحمى النفاس و101 امرأة اصيبت بتسمم الحمل الناتج عن الوضع الغير مناسب الذي تعيش فيه الحامل وكذا لسبب عدم خضوع الحامل للمعاينة والرقابة الطبية المستمرة .
وبحسب إدارة الصحة الإنجابية فإن 18 امرأة أصيبت بتمزق الرحم أثناء الحمل، فيما 82 حامل تعرضت لولادة متعسرة.
وصاحبت معاناة "أم علي" في مخيمها أيضا 298 امرأة بنزيف قبل وبعد الولادة وأثناء الحمل، وحملت خارج الرحم 27 امرأة، كما تعرضت 731 امرأة للإجهاض وذلك لأسباب صعوبات المعيشة والإرهاق الذي تواجهه المرأة في مخيمات النازحين التي تفتقر لأدنا خدمات صحية.
من جهته محسن الحميصي منسق قسم الصحة والتغذية بوحدة إدارة النازحين بمأرب يرى أن غياب المراكز والوحدات الصحية في مخيمات النازحين له أثر كبير يقارن بالغياب الكبير للخدمات الصحية والذي أثر على حيات الكثير من النازحين.
في حديثه لـ "الموقع بوست" يقول الحميصي إن أكثر من 56 مخيم لم تصله أي وسيلة خدمات صحية، وأنهم بحاجة لتوفير خدمات صحية متنقلة على الأقل لتلك المخيمات، فيما عدد آخر من المخيمات استطاعت إدارة النازحين بجهد كبير توفير خدمات وفرق صحية متنقلة شهريا أو أسبوعيا، ومخيمين اثنين فقط التي تتمتع بوحدات صحية ثابتة بحسب الحميصي.
وأوضح أن أغلب التدخلات للمنظمات تكون في جوانب غذائية، ويظل الإفتقار للكثير من التدخلات الصحية مما ينتج معاناة كبيرة في أوساط النازحين .
تستمر المعانة مع استمرار تجاهل الجهات المعنية بصحة النازحين وتزيد المعاناة يوما بعد آخر مع استمرار النزوح إلى المخيمات اضافته إلى المطار والرياح التي تتسبب بأمراض ووفيات وإصابات في أوساط المهجرين.