[ يعاني المزارعون في حجة من الحصار واغلاق الطرقات ]
في إحدى مزارع مديرية ميدي الساحلية التابعة لمحافظة حجة (شمالي اليمن) يتحرك المزارع عيسى أبكر جلحوف في مزرعته مع ابنه الأصغر، حاملاً بيده أداة زراعية، لحصد محصول الذرة.
يمضي وطيور "مالك الحزين أو البلشون الأبيض" يلف مزرعته، شاكيا بمرارة من الحصار المستمر منذ سنوات على المنطقة، ما أدى لتلف المحاصيل السنوية، وتكبد المزارعين خسائر فادحة.
يقول عيسى للموقع بوست " نحن في حصار، ومنتجاتنا الزراعية تأكلها الطيور، والحيوانات والحشرات الضارة (السوس)، وليس بمقدورنا الذهاب إلى الأسواق المحلية"، مؤكدًا أن كل المزارعين يواجهون خسائر فادحة نتيجة تداعيات الحصار المفروض عليهم من قبل المتمردين الحوثيين.
الحرب فاقمت الوضع
ثمانية أعوام من الحرب التي تقودها السعودية في اليمن مع جماعة الحوثي خلفت وراءها أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم، وفقاً للمنظمات الإنسانية والأممية، ولكن الخسائر تتعاظم، وتتحول لمأساة تتفاقم، وفقر يتوغل وسط انهيار اقتصادي، وحصار خانق.
وتشهد معظم المحافظات والمناطق اليمنية حصارًا وإغلاقًا لأهم شرايين الحياة، بدءًا من إغلاق المنافذ البرية، وصولا إلى إغلاق الطرقات الرئيسة الرابطة بين المحافظات.
يضيف جلحوف البالغ من العمر (67) عامًا قائلاً " تحول عدد من المزارعين إلى عاطلين عن العمل، بعد توقفهم الإجباري بسبب الخسائر المتلاحقة وتلف محاصيلهم"، لافتاً إلى إن "جميع المزارعين لم يتلقوا أي تعويضات تذكر، فازداد واقعهم فقراً وبوساً ".
وتتهم الحكومة المعترف بها دوليًا المتمردين الحوثيين في مواصلة تعنتها جراء الحصار، ومنع المواطنين للوصول إلى قرائهم ومزارعهم ومصادر عيشهم، بالإضافة إلى استمرار المعارك بوتيرة أعلى حول المنافذ البرية، وزراعة الألغام في الطرقات الرئيسة والرابطة بين المحافظات.
ففي شمال غرب اليمن وعلى امتداد المديريات الحدودية بمحافظة حجة اليمنية والمملكة العربية السعودية يتواجد على جانبي الطرق الرئيسة المئات من أكوام سنابل الذرة، على شكل حلقات وجبال بعد تكدسها للسنة الرابعة.
لمشاهدة صورا عن موسم الحصاد في ميدي بحجة من الرابط هنا
ويتابع جلحوف وملامح الحزن التي بدت واضحة في عينيه بعد قرابة (30) عاماً في مهنة الزراعة: "لم يعد بإمكاننا استيعاب ما يجرى من حولنا، نعمل لساعات طويلة تحت أشعة الشمس الحارقة، وبوسائل تقليدية، ورغم ذلك لا نحصل على ما تجنيه مزارعنا في ظل إغلاق الطرق المؤدية إلى الأسواق المحلية".
ويعمل أغلب سكان الريف في مهنتي الزارعة ورعاية الماشية، ويعد مصدراً رئيساً في توفير احتياجاتهم الغذائية والدوائية ومنهم أسرة عيسى جلحوف المكونة من (11) فرداً.
توقف المحاصيل
وبحسب السلطات بمديرية ميدي الساحلية والخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا فان " نحو (80) مزرعة من أصل (300) مزرعة لازالت تنتج بعض من المحاصيل الزراعية بعد توقف معظمها ".
السلطات تعزو ذلك إلى الحصار المفروض على المزارعين في تصدير منتجاتهم الزراعية إلى الأسواق المحلية من قبل الحوثيين، بما في ذلك زراعة الألغام الأرضية بمختلف أنواعها، في الطرق المؤيدة إلى الحقول والمزارع، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار المبيدات، وأجور الآلات الزراعية، وكذلك أسعار البذور.
توضيح اقتصادي
يقول الدكتور أحمد قاسم عضو مجلس الوحدة الاقتصادية العربية، ومقره العاصمة المصرية القاهرة للموقع بوست إن حجم الصادرات الزراعية اليمنية متواضعًا، إذ يتراوح 3 إلى 5% من حجم الإنتاج، وغالبية هذه الصادرات تذهب إلى دول الخليج العربي، ودول القرن الأفريقي.
ويشير إلى أن اليمن ينتج كميات كبيرة من الخضروات والأسماك، بما يحقق اكتفائه الذاتي، إذ تعتمد الأسواق اليمنية على 70% منها، فيما تصدر الكميات الأخرى إلى الخارج"، مشيراً إلى أن "منع المزارعين من تسويق منتجاتهم الزراعية إلى الأسواق خاصة الخارجية له آثار سلبية بدرجة كبيرة منها تقلبات الأسعار وانخفاضها، وكذلك حدوث كساد بالمنتجات الزراعية".
وأوضح قاسم أن" الحرب الروسية الأوكرانية زادت من معاناة الشعب اليمني، الذي يعاني من أزمة إنسانية، جراء الحرب التي تدخل عامها الثامن، وما سببته من آثار وتداعيات، إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية إلى الضعف"، لافتاً إلى إن" اليمن يستورد نحو 34% من احتياجه من القمح من روسيا وأوكرانيا، ويبلغ حجم استيراده من القمح أكثر من إثنين مليون طن".
معاناة مضاعفة
على مسافة أربعة كيلو متر مربع من مزرعة جلحوف، تقع مزرعة يوسف عثمان فايد والتي تقدر بنحو (40) معداً، والذي يؤكد للموقع بوست بأنه لم يكن يتوقع أن يأتي عليه يوم لا يستطيع فيه شراء وجبة الغداء، رغم امتلاكه لمحاصيل زراعية ذات جودة عالية.
ويشير إلى أنه أصبح يعمل وحيداً في مزارعته، لعدم قدرته على دفع أجور العاملين، جراء الحصار المفروض عليهم، ناهيك عن تقلبات الأسعار.
وبواسطة عصا تسمى " المنحنية" نسبة إلى شكلها، وبضربات متتالية فوق كمية من سنابل الذرة لاستخراج الحبوب منها، أردف فايد وهو في منتصف العقد التاسع من عمره قائلاً " تحديات كثير تواجهنا، فقطع غيار الآلات الزراعية غير موجودة، ومن الصعب الوصول لشرائها، وأسواقنا تفصلنا عنها خطوط النار، والطرق الملغومة، فضلاً عن الحصار المفروض علينا".
يضيف بالقول: "معظم المزارعين أصبحوا يزرعون صنفاً أو صنفين من المحاصيل الزراعية على مدار السنة بسبب هذا الوضع".
الزراعة مصدر أساسي
ويعتمد مزارعو سلة غذاء اليمن (تهامة) ومنهم مزارعو مدينة ميدي الساحلية على أربع مواسم لزراعة الذرة، بمختلف أشكالها وأنواعها، منها موسم الخريف، وموسم البلدة.
وتمر عملية زراعة الذرة بالوسائل التقليدية بعدة مراحل، وتحتاج إلى قرابة ثلاثة أشهر ونصف حتى حصادها، ويتشارك النساء والأطفال مع كبار السن في زراعتها وحصادها.
وكانت مجموعة هائل سعيد أنعم التي تعد أكبر مجموعة تجارية في اليمن حذرت في بيان نشرته في موقعها من حدوث مجاعة في عموم البلد، نتيجة تأثر الإمدادات العالمية للقمح بالحرب الروسية الأوكرانية، فيما قالت وكالتان تابعتان للأمم المتحدة في السابع من يونيو الماضي إن اليمن يعد من بين الخمسة الأوائل من قائمة عشرين بؤرة ساخنة للجوع وتحتاج إلى عمل إنساني عاجل.
تأثيرات عالمية
يتحدث المحلل الاقتصادي، ماجد الداعري وجود تأثيرات عالمية على أسعار وكميات القمح المصدرة للعالم، بسبب تداعيات وانعكاسات الحرب الروسية المستمرة على أوكرانيا، مشيرا في حديثه لـ "الموقع بست" أن اليمن من ضمن الدول المتضررة كثيرا من ذلك، بسبب وضعها الاقتصادي الهش، وغياب الدعم الدولي، والمساعدات الغذائية الكافية، لإشباع أكبر شعوب الأرض مجاعة، كما تصفهم منظمات الأمم المتحدة.
ونتيجة لذلك، يقول الدكتور أحمد قاسم عضو مجلس الوحدة الاقتصادية العربية إن الحرب تسببت في رفع أسعار المشتقات النفطية، وارتفعت تكلفة نقل البضائع المستوردة وأسعارها، ويستورد اليمن حوالي 95% من احتياجاته من الخارج".
ويرى قاسم بأن من المهم البحث عن بدائل مناسبة لتوفير احتياجات المستهلك اليمني، في حال استمرار هذه الحرب، ومن أهم البدائل التي يجب إتباعها للتخفيف من حدة هذه الأزمة البحث عن بدائل أمنة للاستيراد، ودعم المنتج المحلي، وتوفير الأرضية المناسبة للاستثمار، إضافة إلى البحث عن بدائل غذائية من الحبوب الأخرى بدلا عن القمح.
أما الداعري فيشير إلى أن صادرات القمح المصدر من الأسواق الأسيوية تبقى بديلا ممكنا إضافة للإنتاج المحلي المحدود للقمح باليمن.
وفي وقت سابق أعلن وزير التخطيط والتعاون الدولي في الحكومة اليمنية المعترف بها واعد باذيب، أن مخزون القمح في اليمن يشارف على الانتهاء، تأثرا بالأزمة الأوكرانية.
وأشار إلى أزمة الغذاء العالمية وتأثير الصراع الروسي الأوكراني على واردات القمح إلى اليمن، وأوضح أن هاتين الدولتين (روسيا وأوكرانيا) تحتلان أكثر من 46 بالمائة من إجمالي كميات القمح المستورد في اليمن.
أرقام وحقائق
وتعتبر الزراعة النشاط الرئيسي لمعظم سكان محافظة حجة، والتي تتركز في المساحات الزراعية سواء الواقعة منها في الأجزاء المنبسطة، أو تلك المساحات الواقعة على جوانب الأودية، وتأتي المحافظة في المرتبة الثانية من حيث مساحة زراعة الحبوب في الجمهورية اليمنية بنسبة 11.68%)، حيث يصل متوسط المساحة التي يتم زراعتها بمختلف أنواع الحبوب في المحافظة سنويا إلى 93573 هكتار.
وتأتي محافظة حجه في المرتبة الرابعة بعد محافظة ذمار والحديدة من حيث كمية إنتاج الحبوب بنسبة (9.44%) من إجمالي الكمية المنتجة من الحبوب في الجمهورية اليمنية، حيث يصل متوسط الكمية التي يتم إنتاجها من مختلف أنواع الحبوب في المحافظة سنوياً إلى(77932) طن في العام 2012، وفقا للمركز الوطني للمعلومات.
وحسب بيانات صادرة عن وزارة الزراعة والري في الحكومة اليمنية للعام 2020 فقد تراجع إنتاج اليمن من محاصيل الحبوب الغذائية مثل القمح والذرة والدَخن والشعير خلال سنوات الحرب التي تشهدها البلاد إلى 300 ألف و500 طن حاليا مقارنة بنحو 700 ألف طن عام 2014، فضلاً عن انخفاض المساحة المزروعة بهذه المحاصيل إلى 505 آلاف هكتار من 727 ألف هكتار خلال نفس الفترة.
ووفق تقرير سابق لوزارة التخطيط والتعاون الدولي فإن قطاع الزراعة يوفر 25% من الاستهلاك الغذائي في البلاد، ويعد القمح ثاني أهم محاصيل الحبوب بعد الذرة بنسبة 27% من حجم الإنتاج الزراعي، لكن إنتاج الحبوب تدهور بسبب الحرب وانخفض تدريجيا من 250 ألف طن عام 2012 إلى 95 ألف عام 2017، وفق التقرير.
وكشف تقرير حديث اعدته لجنة الزراعة والاسماك والموارد المائية بمجلس الشورى في صنعاء خلال العام 2021 أن اليمن يستورد معظم احتياجاته من القمح من دول أستراليا وأمريكا وروسيا، وأن واردات القمح والدقيق تعد من أهم السلع المستوردة غير النفطية، وتأتي في المرتبة الأولى بين أهم ثلاثين سلعة مستوردة عام 2016م، وتمثل ثلث قيمة الواردات الغذائية الزراعية.
وتقدر ذات اللجنة فاتورة استيراد القمح والدقيق بأكثر من 700 مليون دولار سنويا، فيما بلغ عدد مستوردي القمح النشطين في اليمن سبعة تجار، كما تقدر الاحتياجات الشهرية من واردات القمح ودقٌيق القمح بحوالي 350000 طن متري.
ويعتمد اليمن على الاستيراد لتلبية أكثر من 95% من احتياجاته الاستهلاكية من القمح، وفي العام 2017م قُدرت الفجوة الغذائية في القمح باليمن بـ 3.4 طن متري والاكتفاء الذاتي بحوالي 8. 2% فقط، بينما قٌدرت الفجوة الغذائية والاكتفاء من القمح حتى العام 2019م - 2865000 طن متري.
ويعد القمح من أهم المحاصيل الغذائية المستوردة في اليمن، ويقدم من منظمات دولية على شكل معونات إنسانية خلال سنوات الحرب.
وأكد المدير القُطري لبرنامج الأغذية العالمي في اليمن ريتشارد راجان في تصريحات نشرتها وكالة رويترز أن احتياج اليمن من الحبوب يبلغ نحو أربعة ملايين طن سنويا.
*ساهم فريق التحرير بالموقع بوست في تحرير هذه المادة.