هدنة اليمن .. بين مؤشري السلام وتجديد دورة العنف (تقرير)
- خاص السبت, 15 أكتوبر, 2022 - 05:54 مساءً
هدنة اليمن .. بين مؤشري السلام وتجديد دورة العنف (تقرير)

[ وفدا الحكومة والحوثي في مشاورات فتح منافذ تعز ]

بعد نحو أسبوعين من فشل الأمم المتحدة بتجديد الهدنة الإنسانية التي دخلت حيز التنفيذ قبل ستة أشهر، عادت الجهود الأممية والعربية والدولية الضاغطة على أطراف النزاع في اليمن بوتيرة أعلى لإحراز اختراق حاسم يعيد الهدنة المنتهية الذي يأمل المجتمع الدولي البناء عليها لإحياء عملية السلام المتعثرة في البلد منذ سنوات.

 

وقادت مؤخرا سلطنة عمان وساطة مكثفة لمقاربة وجهات النظر في بعض ملفات الخلاف، قبل التحاق المبعوثين الأممي هانس غروندبرغ والأمريكي تيم ليندركينج في الجهود الشاقة لتشجيع الحوثيين على القبول بمقترح الامم المتحدة، بينما بدأت ثمارها في تبادل وفود فنيين بين التحالف بقيادة السعودية وجماعة الحوثيين للتحقق من أسماء الأسرى عند كل طرف في خطوة هي الأولى منذ بداية الحرب باليمن.

 

وتبدو هذه الجهود في طريقها نحو إسكات أصوات البنادق التي ارتفعت طيلة الأعوام السابقة، لكن الأطراف المتحاربة لاتزال تتبادل الاتهامات بشأن مسؤولية عرقلة تجديد الهدنة وعملية السلام، رغم الإشادة الدولية والإقليمية الواضحة لمرونة التحالف الحكومي المدعوم من السعودية والإمارات بشأن المقترحات الأممية، والمستهجنة في المقابل عرقلة  الحوثيين لتمديد الهدنة وذهابهم للتهديد باستهداف الشركات النفطية العالمية في حالة عدم تنفيذ مطلبها المتمثل بدفع مرتبات جميع القوات العسكرية والأمنية التابعة لها الذي وصفه مجلس الأمن مطالبها ب"المتطرفة".

 

توقيف مؤقت للحرب

 

واتهمت الحكومة المعترف بها جماعة الحوثيين باستغلال الهدنة للاستعداد وترتيب صفوفهم واستئناف المعارك الميدانية التي "لا يستطيع العيش والاستمرار بدونها"، وفق وكيل وزارة حقوف الإنسان ماجد فضائل الذي يقول إن الهدنة توقيف مؤقت للحرب، لكنها "مهمة للبناء عليها لإنهاء النزاع".

 

ويضيف "فضائل" لـ"الموقع بوست" أن مطالب الحكومة لصالح اليمنيين ومستمرة بتقدم التنازلات، وكان أخرها موافقتها على مقترح المبعوث الأممي الأخير الذي تجاهل الكثير من مخاوف الحكومة في كثير من المواضيع، ومنها فتح طرق تعز والطرقات الرئيسية الأخرى واستغلال الجماعة إيرادات ميناء الحديدة وعدم دفع رواتب الموظفين.

 

ويستبعد المسؤول الحكومي وجود تقدم جوهري في المفاوضات التي تقودها مسقط والمبعوثين الأمريكي والأممي نتيجة تقديم الحوثيين شروطا تعجيزية، في وقت تذهب الحقيقة نحو أن الجماعة مرتهنة لإيران ولهذا رفضت تمديد الهدنة لأن الأمر مرتبط بالدرجة الرئيسية بقضية طهران بالمنطقة، في إشارة إلى الاتفاق الإيراني الأمريكي النووي.

 

ويشير إلى أن اليمنيين ينتظرون من المجتمع الدولي قوة ووضوح لإدانة عرقلة الحوثيين لرفضهم للسلام، كما كانت دعواتهم واضحة وقوية للسلام الذي تجاوبت معه الحكومة، معتبرا فتح طريق تعز التي لم تستجب الجماعة لكل المقترحات لحلحلة الملف الإنساني "خطوة مهمة يمكن البناء عليها وتوجه نحو سلام شامل".

 

وبشأن توسيع الرحلات الجوية من وإلى مطار صنعاء لوجهات جديدة، يؤكد "فضائل" أن حكومته موافقة وملتزمة بذلك، لكن الأمر يعود إلى إجراءات الدول التي ستصل إليها الرحلات وأمانها ومن المهم أخذ في عين الاعتبار هذه المخاوف، في وقت تعمل الحكومة على ترتيب الجوازات وضمان مصداقيتها، بالمقابل يرفض الحوثيين الالتزام بذلك، مما يؤدي لعرقلة كثير من الرحلات كما حصل مع دوله مصر.

 

الهدنة ضوء في أخر النفق

 

ويبحث المجتمع الدولي عن ضوء في أخر النفق من هذه الهدنة، بعد أن رفضت جماعة الحوثيين كل المحاولات السابقة، وسط ضغط دولي وزيارات مكوكية إلى مسقط من قبل المبعوث الأمريكي والأممي، حيث هناك اهتمام أمريكي عالي جدا بهذا الموضوع، بحسب وكيل وزارة العدل اليمنية فيصل المجيدي.

 

ويؤكد "المجيدي" لـ"الموقع بوست" أن توسيع الرحلات من وإلى مطار صنعاء محل البحث ويمكن أن تمضي قدما، فيما ملف المرتبات الحكومة حريصة على دفعها للموظفين وفقا لضوابط معينة، على اعتبار أن المواطنين نقطة ضعف الحكومة الذي يتخذهم الحوثي كرهائن يبتز بهم المجتمع الدولي، مشددا على ضرورة وجود هدنة إنسانية حقيقية ليست مدخل لمكاسب سياسية للحوثيين كما تحاول الآن.

 

وحملت جماعة الحوثيين قبل يوم من انتهاء الهدنة الإنسانية، التحالف بقيادة السعودية مسؤولية الوصول بتفاهمات تمديد الهدنة لطريق مسدود "جراء تعنتهم وتنصلهم إزاء التدابير التي ليس لها من هدف سوى تخفيف المعاناة الإنسانية لليمنيين"، وفق بيان فريق الحوثي المفاوض.

 

وجدد المتحدث باسم الجماعة محمد عبد السلام ورئيس وفدهم المفاوض الخميس الماضي، اتهامه للتحالف مؤكدا انتهاء الهدنة وعدم تجديدها، متمسكين بمطالبهم التي قال إنها "مطالب إنسانية وحقوق طبيعية لليمنيين".

 

ويضيف "عبدالسلام" في تغريدة له على تويتر أن السلام غير مستحيل لو تخلت دول ما سماها "العدوان" عن عقليتها الاستعلائية، وقدمت مصالحها الوطنية والقومية على مصالح أمريكا وبريطانيا، حد قوله.

 

لكن هذه الاتهامات بددها مبعوث الأمم المتحدة لليمن هانس غروندبرغ في إحاطته لمجلس الأمن الدولي الذي ألقى اللوم على الحوثيين بشأن عدم تمديد الهدنة ورفض المقترح الأممي، قائلا: "يؤسفني أن أنصار الله (الحوثيين) جاءوا بمطالب إضافية لم يكن من الممكن تلبيتها"، لكنه "ثمّن موقف الحكومة اليمنية للتعاطي مع مقترحي بشكل إيجابي".

 

وينص مقترح أممي من سبع بنود باستمرار وقف جميع العمليات الهجومية وتعزيز لجنة التنسيق العسكرية كقناة نشطة للتواصل والتنسيق لخفض التصعيد، وإنشاء آلية صرف شفافة وفعالة من أجل الدفع المنتظم لمرتبات موظفي الخدمة المدنية والمعاشات التقاعدية.

 

ويشمل المقترح الذي رفضه الحوثيون ووافقت عليه الحكومة المعترف بها، فتح الطرق في تعز ومحافظات أخرى على مراحل، وزيادة عدد الرحلات والوجهات من وإلى مطار صنعاء الدولي، فضلا عن التدفق المنتظم للوقود عبر موانئ الحديدة وبدون أي عوائق، والالتزام بالإفراج العاجل عن المحتجزين.

 

‏كما يتضمن إنشاء هياكل لبدء المفاوضات حول القضايا الاقتصادية ووقف دائم لإطلاق النار، واستئناف لعملية سياسية جامعة بقيادة يمنية من أجل العمل اتجاه حل شامل للنزاع الذي دخل في نهاية شهر مارس عامه الثامن دون أفق لنهايته.

 

أهداف غير معلنة

 

وينحصر الخلاف حول غاية كل طرف من الهدنة، فالتحالف يرى فيها تخفيض لفاتورة الحرب وضمانة لأمنه، في المقابل جماعة الحوثي ترى تثبيتها لوقف تدخل التحالف في القتال، واعترافًا بسلطته على المناطق التي يسيطر عليها، كما هو حال الحكومة التي تستغل تمديد الهدنة كفرصة تحقيق التوافق بين مكوناتها وتحسن وضعها التفاوضي، بدلًا من فرض الحوثيين شروط المنتصر، بحسب  المحلل السياسي اليمني الدكتور عبدالكريم غانم.

 

ويقول "غانم" لـ"الموقع بوست" وهو أيضا أستاذ علم الاجتماع السياسي إن الحوثيين يسعون لهدنة ليس تمهيدًا لحل شامل وسلام دائم، بل لانتزاع الاعتراف السياسي بحكمهم في المناطق التي يسيطرون عليها، وأحقيتهم في تقاسم الثروة التي تقع تحت سيطرة الحكومة.

 

وجعلت العروض العسكرية للحوثيين الرياض تتمهل في الموافقة على تمديد الهدنة، لاختبار مدى جدية الحوثيين في الكف عن استهداف أراضيها ومنشآتها النفطية والمدنية، في نفس الوقت توسيع الهدنة كمقدمة لعقد سلام دائم وتسوية سياسية مستديمة، غير قابل للتحقق في الوقت الراهن، نتيجة عدم تنفيذ الكامل لشروط الهدنة، وفقا للمحلل السياسي.

 

ويؤكد أنه من المتوقع خلال الأيام القادمة سيتم توقيع على هدنة رابعة، نتيجة انتهاء الحرب العابرة للحدود بتوقيع الهدنة الأولى قبل ستة أشهر، لكن هذا يشير إلى أن هناك أهداف غير معلنة، لم تنجز بعد، لدى الفاعلين الإقليميين والمحليين (التحالف السعودي الإماراتي، والحوثي والانتقالي)، مشيرا إلى أن إنجاز هذه الأهداف يتطلب عدم الذهاب نحو سلام دائم، في الوقت الراهن.

 

ويضيف "غانم" أن الأطراف الفاعلة لن تتعامل بجدِّيَّة نحو التوصل لاتفاق سلام دائم في اليمن، طالما أن إيقاف الحرب العابرة للحدود ممكنًا في مقابل اتفاقات جزئية، تسهم في تفتيت القضية اليمنية، وشرعنه سلطات الأمر الواقع في الشمال وفي الجنوب، مقابل تحقيق التحالف السعودي الإماراتي لأهدافه الجيوسياسية، ممثلة بالسيطرة المباشرة والسيطرة بالوكالة.

 

تقدم بملف المعتقلين

 

والأربعاء الماضي، أعلن التحالف بقيادة السعودية وصول وفده إلى صنعاء للتأكد من أسماء الأسرى ومطابقتها على أرض الواقع، في إجراء متزامن أرسلت جماعة الحوثيين وفدا إلى الرياض لذات الهدف، تمهيدا لإجراء عملية تبادل بين الطرفين متعثرة منذ شهر مارس الماضي، تشمل الإفراج عن 2223 أسيرا ومحتجزا.

 

وبموجب هذا الاتفاق سيتم الإفراج عن 1400 أسيرا من الحوثيين، و823 من التحالف الحكومي، بينهم وزير الدفاع الأسبق اللواء محمود الصبيحي و16 سعوديا و3 سودانيين.

 

يقول وكيل وزارة حقوق الإنسان وعضو وفد الحكومي المفاوض بملف السجناء ماجد فضائل إنه تم الترتيب لزيارات متبادلة بين التحالف والحوثيين لمطابقة الأسماء الذي سيتم التبادل، ضمن جهود بناء الثقة لتمديد الهدنة، معبرا عن أمله أن تكون لهذه المبادرة أثر إيجابي من أجل تحقيق انفراجة في الملف وحصول تقدم فعلي به.

 

ويؤكد "فضائل" أن الوفد الحكومي المفاوض مستعد لتبادل جميع المحتجزين "الكل مقابل الكل" للخروج من الانتقائية، معلنا موافقتهم على للجنة دولية من  الأمم المتحدة أو أي جهة يتم التوافق عليها لتنفيذ الاتفاق.


التعليقات