[ تداعيات استهداف الحوثيين للمنشآت النفطية ]
نفذت جماعة الحوثي ظهر الجمعة هجوما بواسطة طائرتين مسيرتين على ميناء "ضبة" النفطي، الواقع في محافظة حضرموت بين مدينتي الشحر والمكلا على ساحل خليج عدن ، جنوب شرق اليمن، ووصفت الجماعة الهجوم بأنه “تحذيري” ويهدف إلى إيقاف “نهب الثروة السيادية”، حسب وصفها.
الحكومة اليمنية نددت بالهجوم، ووصفته بالعمل الارهابي، وقالت إنه يمثل تطوراً خطيراً في الحرب المستمرة في البلاد وإن “جميع الخيارات مفتوحة أمامها للتعامل مع هذه الهجمات، وحذرت من أنها قد تؤثر سلباً على أية محادثات سلام أخرى.
وقالت الحكومة إن الهجمات ، التي حدثت يوم الجمعة، هي الثالثة من نوعها مؤخراً؛ حيث استهدف الحوثيون سفناً أخرى يومَي الثلاثاء والأربعاء في ميناء رضوم في محافظة شبوة المجاورة، على خليج عدن.
والاثنين هددت جماعة الحوثي بتصعيد عملياتها العسكرية ضد السفن الدولية واستهدافها مباشرة، وذلك رداً على ما وصفته بـ"نهب الثروات".
وقال القيادي في مليشيا الحوثي محمد البخيتي: "إن العملية الأخيرة كانت تحذيرية للسفينة المكلفة بسرقة نفط اليمن وأن "العملية القادمة ستكون في السفينة نفسها حتى توقف دول العدوان أي (دول التحالف) نهب ثرواتنا، ويتم تخصيصها للمرتبات والخدمات في كل المحافظات، وأي تصعيد من قبل العدو سيواجه بالمثل بحراً وبراً"-حسب تعبيره، وهو ما يؤكد اصرار الجماعة على مواصلة استهدافاتها وتهديداتها.
- دوافع الهجوم
وصف الحوثيون الهجومَ على ميناء الضبة النفطي بأنه “ضربة تحذيرية بسيطة؛ وذلك لمنع سفينة نفطية كانت تحاول نهب النفط الخام”، وأضاف الحوثيون: ” هذه الرسالة التحذيرية أتت منعاً لاستمرار عمليات النهب الواسعة للثروة النفطية وعدم تخصيصها لخدمة أبناء الشعب، في ما يخص مرتبات موظفيه ، وتحسين الجوانب الخدمية له، حسب وصفهم
لكن محللين، يرون في هذه الخطوة، مسعا حوثيا للحصول على جزءاً من إيرادات النفط، وممارسة الضغط على الحكومة اليمنية، والمجتمع الدولي، للانصياع لمطالبها في تمديد الهدنة، وعلى رأسها صرف رواتب العسكريين والمجندين في صفوفها وفي مناطق سيطرتها ، وهي خطوة ذو ابعاد سياسية اكثر من أي شيء اخر، كونها تعد اعترافا بشرعية الحوثيين ، وهو الامر الذي رفضته الحكومة، ووصفته الامم المتحدة بالشرط التعسفي.
المحلل الاقتصادي فارس النجار، يقول إن جماعة الحوثي تسعى من خلال ما تقوم به، الى الاضرار بالمصلحة العامة، فهي تريد ان تحرم اليمنيين من حاجاتهم ،حتى في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، خصوصا أن صادرات النفط تحسن تدريجيا خلال الفترة الاخيرة حيث وصلت الى 100 ألف برميل يوميا، وفق تقارير رسمية، وهو ما عزز الموقف الاقتصادي للحكومة والشرعية في الالتزام ببعض التزاماتها.
وفي تصريح لـ "الموقع بوست" يقول النجار: جماعة الحوثي ترى أن الانتعاش الاقتصادي والخدماتي في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية، يهدد بقائها، حيث سيدفع هذا الامر المواطنين في مناطق سيطرتها ،الى المطالبة بحقوقهم، سواء تمثلت تلك الحقوق بدفع الرواتب او توفير الخدمات ،وربما يتطور الامر الى انتفاضة ضدها، وهي بذلك تريد أن توصل رسالة بانه اما ان يتم تقاسم عائدات النفط معنا أو اننا نهاجم هذه المنشآت ـ حسب تعبيره.
الباحث السياسي رماح الجبري يرى في هجوم الحوثي، وسيلة ضغط كبيرة، تهدف من خلالها جماعة الحوثي لإخضاع الحكومة اليمنية والمجتمع الدولي لشروطها، وتقوية موقفها أمام المجتمع، والرأي العام المحلي والدولي.
وأضاف الجبري في تصريح لـ "الموقع بوست" جماعة الحوثي ترى بأن مهاجمة الأهداف الاقتصادية، ستكون وسيلة لإجبار الحكومة على الرضوخ لمطالبها؛ حيث كان أحد أبرز أسباب فشل محاولة تمديد الهدنة مؤخراً في اليمن، هو إصرار الحوثيين على أن تدفع الحكومة الشرعية رواتب المجندين العسكريين في صفوفها في مناطق سيطرتها
وتابع: "بلاشك أن هجمات الحوثي سيكون له تأثير علي عملية وتصدير النفط اليمني ، والملاحة البحرية، وسيضع الحكومة الشرعية امام خيارات صعبه، اقلها انها ستكون غير قادرة علي دفع رواتب الموظفين في المحافظات المحررة، التي تتجاوز نسبتها 63٪ من اجمالي رواتب موظفي الدولة في عموم محافظات الجمهورية.
المحلل السياسي ياسين التميمي وصف الهجوم بالوسيلة الخشنة للحوثيين، لفرض مطالبهم وشروطهم على تمديد الهدنة ومنحهم المزيد من المكاسب.
وفي تصريح لـ "الموقع بوست" يقول التميمي: الهجوم ليس مفاجئاً، فقد جاء معبراً عن الوسيلة الخشنة التي هدد الحوثيون باستخدامها على رؤوس الأشهاد، لفرض شروطهم في تمديد الهدنة، والتي لن تنعقد، على ما يبدو، إلا إذا منحتْ الحوثيين المزيد من المكاسب، وأخطرها الوصول إلى الثروة الوطنية، التي تمثل الميزة الفارقة بين الجماعة المليشياوية، والسلطة الشرعية المعترف بها دولياً.
وأكد: في مالا يدع مجالا للشك أن جماعة الحوثي، تهدف من وراء الهجوم، إلى الوصول إلى الثروات الطبيعية في المناطق خارج سيطرتها، واستثمارها وجني عوائدها، وضمان الحصول على القسم الأكبر من هذه العوائد، لدعم سلطة الأمر الواقع التي أنشأوها في صنعاء.
وافقه في ذلك الصحفي عبد الجبار عوض حيث قال لـ "الموقع بوست" إن الهجوم يأتي بعد التهديدات التي أطلقتها مليشيا الحوثي قبل أيام، باستهداف المنشآت النفطية في شبوة، وحضرموت، ومأرب وهي تأتي بدافع الضغط على الحكومة للاستجابة لمطالبها، إضافة إلى أنه يحمل رسائل للخارج، بان جماعة الحوثي بات بمقدورها إيقاف ضخ النفط في اليمن، ما لم تضغط الاطراف الدولية على الحكومة اليمنية لتنفيذ مطالب الجماعة.
- تداعيات خطيرة
تعتبر صادرات اليمن من النفط المورد الاول لدعم موازنة الدولة ، وهي موردها الثاني من عائدات النقد الاجنبي بعد تحويلات المغتربين، وتعتمد اليمن بدرجة رئيسية على صادرات النفط في مواردها، سواء كانت متعلقة بنفقات التشغيل، او نفقات المرتبات، او فما يتعلق باستخدام هذه الاموال في الحفظ على استقرار العملة، وغيرها من الالتزامات الحكومية تجاه المواطنين.
رئيس مركز الدراسات والاعلام الاقتصادي مصطفى نصر حذر من تداعيات وتبعات هذه الهجمات، ووصفها بالخطيرة جدا، وقال بان هذه الخطوة الحوثية تخلق مشكلة كبيرة أمام الوضع الانساني والاقتصادي في البلد بشكل عام.
وفي تصريح لـ "الموقع بوست" يقول مصطفى هذه الهجمات سيكون لها تداعيات كبيرة جدا، كونها تؤثر على الوضع الاقتصادي والانساني في اليمن، لاسيما ان الحكومة تعتمد بدرجة رئيسية على صادرات النفط في مواردها، للإيفاء بالتزاماتها تجاه المواطنين، سواء كانت متعلقة بنفقات التشغيل، او نفقات المرتبات وغيرها من الالتزامات ومعالجات السياسة النقدية التي تخص العملة المحلية الموجودة في السوق
وأضاف هذه الخطوة كما قلت لها تداعيات خطيرة للغاية على مستقبل الوضع الاقتصادي للبلاد، وهي تعطي مؤشر لجماعة الحوثي بانها تستطيع الوصول الى مناطق تصدير النفط في مناطق اليمن المختلفة، وهذا يضع امام البلد، وامام الحكومة اليمنية، تحدي كبير في معالجة هذه المشكلة
وأوضح: في ظل أن الحكومة بقواتها المختلفة لا تملك قوات الدفاع أو الردع، لإيقاف مثل هذه الهجمات، والمحافظة على الشركات النفطية من أي مخاطر، فان شركات الاستيراد للنفط الخام بلا شك لن تخاطر بالوصول الى هذه الموانئ، مالم يتوفر مستوى من الامان والتامين لهذه الناقلات، وهذا يحول دون استيراد الشركات للنفط اليمني، ما يعقد الوضع الانساني في البلد بشكل كبير.
الباحث في الشأن الاقتصادي اليمني عبد الواحد العوبلي بدوره حذر من تبعات مثل هذه الهجمات، خصوصا في ظل الوضع الاقتصادي الحرج الذي تعيشه البلاد
وفي تصريح لـ "الموقع بوست" يقول العوبلي: هناك تداعيات خطيرة جدا من وراء هذا الهجوم ، الذي يبدو إن جماعة الحوثي، ستقدمه ورقه للمبعوث الأمريكي والاممي لتقديم مقترحات تقاسم إيرادات النفط المصدر كـ حل لتمكين الحكومة الشرعية من استئناف التصدير، ومن جانب آخر يمكن أن يؤدي استمرار تلك الهجمات إلى توقف العمل بالمنشآت، وحرمان الدولة من أهم مواردها الحيوية، وهذا سيدفع إلى استمرار الحرب، وابقاء اليمنيين بدون موارد كافية لمواجهة نفقاتها، والذي يدوره سيؤدي إلى اضعاف اليمن اقتصاديا، ويفقدها السيطرة على قرارها السياسي - حسب وصفه.
- تحدي جديد
تُحدث الهجمات الإرهابية على المرافق الاقتصادية الحيوية، وطرق الشحن البحري للدول أضراراً هائلة على الاقتصاد المحلي، ويمكن أن تؤدي إلى رفع أسعار الوقود والنقل؛ نتيجة تعرقل الشحنات وزيادة تكاليف التأمين على النقل البحري، والذي بودره يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الدولة، ويمكن أن يؤدي تعطيل هذا المورد، إلى توقف العمل بالمنشآت ، وحرمان الدولة من موارد حيوية، لذلك هذا يمثل تحديا حقيقيا، امام الحكومات في الايفاء بالتزاماتها أمام شعوبها، خصوصا الدول التي يعتمد ميزانيتها بدرجة اساسية على هذا المورد مثل اليمن .
وفي مستهل حديثه يرى مصطفي أن الحكومة الشرعية امام تحدي جديد في اطار الحرب الراهنة و تدشن الهجمات مرحلة جديدة من الصراع المسلح في البلاد ،وهذا يمكن أن يؤدي إلى تعطيل النشاط الاقتصادي النفطي للبلاد وسيخلف أضرار اقتصادية وتنموية ستكون الأعنف منذ بدء الأزمة
فيما يرى التميمي أن تطور كهذا يضع اليمن والأطراف الداخلية والخارجية المنخرطة في الصراع، أيضاً عند مفترق طرق خطير جداً، فإما أن يذهب الجميع إلى سلام يقر للحوثيين بمكاسبهم مع مكاسب إضافية تخصم بقوة من رصيد الصلاحيات السيادية للشرعية، أو أن تعود الحرب إلى مستواها الشامل لإعادة تحديد القوى التي ستصيغ مستقبل اليمن، والمفترض أن تكون السلطة الشرعية في صدارتها.
الصحفي عبد الجبار يقول أن هذا الهجوم هو تصعيد خطير ويضع الحكومة اليمنية بين خيارين، الصمت وعدم الرد، وهو ما قد يدفع مليشيا الحوثي لرفع سقف مطالبها وتوجيه ضربات اخرى، والخيار الثاني الرد العسكري، الامر الذي يعني إنهاء مساعي السلام ، ووقف كافة اشكال التواصل مع مليشيا الحوثي واللجوء للقوة العسكرية.
وتوقع أن الهجوم على ميناء الضبة، سيمنع السفن من شحن النفط من اليمن، بسبب المخاوف من تعرضها لضربات من قبل الحوثيين، مما يعني تضييق الخناق الاقتصادي على الحكومة اليمنية، اذا لم تتخذ الحكومة خطوات عاجلة، واستراتيجية لمواجهة هذه التحديات
وافقه في ذلك المحلل العسكري الدكتور علي الذهب بالقول: لو ظل وضع الحكومة بهذا الشكل، دون تصرف ، سنشهد تطور في صناعة الاسلحة التقليدية المتعلقة بالطيران الجوي، بشكل أكبر مما كشفت عنه جماعة الحوثيين ،وهنا يحدث ترجيح في كفة الميزان، بين الحكومة والحوثيين، وهذا سيوثر سلبا على القرارات الحكومية، في الوقت الذي لم تستطع بشكل استراتيجي مواجهة هذه التهديدات.
وأوضح الذهب في حديثه لـ "الموقع بوست" بالقول: على الحكومة أن تتخذ خطوات سريعة وعاجلة سياسيا وعسكريا، وامنيا، واستخباراتيا لمواجهة تحديات الحوثي المستقبلية، لان مثل هذه الهجمات او أي هجمات اخرى، لم تكون الحكومة ومناطق نفوذها في مأمن منها.
- خذلان الحليف
ارجع الذهب تمادى الحوثيون في هجماتهم واقدامهم على هذه الخطوة التي وصفها بالخطيرة والمتطورة في مسار الازمة ، الى وجود ضوء أخضر من دول التحالف على رأسها السعودية .
وقال الذهب : لم تكترث جماعة الحوثي ولم تعبأ للاستجابات التي من المفترض ان يقوم بها التحالف، فالهدنة عمليا ضربت في مقتل بمعنى ان الحوثيون استأنفوا القتال بشكل او باخر، وهم يدركون ان التحالف لن يكون له استجابة، ولذلك امنوا ومن أمن العقاب أساء الأدب.
وتابع: فالحوثيين أمنوا لموقف التحالف، فاقدموا على هذه الخطوة، وفي نفس الوقت يدركون ان الحكومة لم تلجأ الى العنف على نحو ما كان قبل 2ابريل، و ليس لها امكانية اتخاذ القرار للصد، وهذا كله يجرى في اطار التحكم بالقرار اليمني من قبل التحالف، وعلى رأسه قرار السلم والحرب.