تمثل محافظة تعز حوالي ٨٪ من سكان الجمهورية اليمنية، بحسب التقديرات السكانية للعام ٢٠٠٩. تعيش نسبة كبيرة من السكان خارج المحافظة، في الداخل والشتات. قرى المحافظة التي كانت حتى مطلع التسعينات لا تزال مزدهرة، عبر اقتصاد ريفي متواضع ونشط في آن، انهارت بفعل حروب صالح المتكررة، وزحف الريف على المدينة. وقوف نظام صالح إلى جانب النظام العراقي في احتلاله للكويت دفعت ثمنه القرية في اليمن، وفي تعز تحديداً، تلك التي كان سوقها المحلي الصغير يعتمد إلى حد كبير على التحويلات المالية من الخليج. شيئاً فشيئاً صارت مدينة تعز هي القرية الأكبر.
لأسباب عديدة، تاريخية ـ سوسيولوجية وسيكولوجية، نشطت مسألة التعليم في تعز، بالمقارنة بسواها في اليمن. في عزلة واحدة، قدَس، توجد ١٦ مدرسة ثانوية، طبقاً لإحصائية محلية. على مر الأيام هاجر أبناء تعز إلى المحافظات والمُدن كحرفيين ومعلمين وناشطين حزبيين واختصاصيين وعمال حراج. مدينة الثلاثة مليون نسمة وزعت ملايينها على اليمن، وهو ما كان صالح يدركه جيداً. كانت، ساعة الهجوم عليها، تعيش خارجها.
قبل عاصفة الحزم بأشهر سيطر صالح على مدينة تعز عبر معسكراته المتواجدة بداخلها وعلى حدودها. كما أخضع باقي المحافظة عبر شبكة المؤتمر الشعبي العام، حزبه. حزب صالح نشط أيضاً كمتعهد للمقاتلين، زود جماعة الحوثي بكتائب كبيرة سقط منهم كثيرون في مدن الجنوب كأسرى وقتلى. وبعد الهزيمة في الجنوب انضموا إلى صفوف الحوثي في تعز. مدينة المدارِس والأغاني وجدت نفسها فجأة أمام ثلاث جبهات: شبكة المؤتمر من الداخل، جبهة الحوثي من الخارج، ومعسكرات صالح من كل الجهات.
تشكلت المقاومة في تعز فجأة، وتقدمها الحزبان الناصري والإصلاح بما لدى الحزبين من عمق في المحافظة. كان التيار السلفي، أيضاً، في الطليعة، وسرعان ما صارت مقاومة تعز هي مقاومة الإنسان العادي، البطل الشائع الذي يصعب تصنيفه.
هدأت حروب الشمال، ووقعت المحافظات رهينة في يد تحالف صالح والحوثي. بحسب رواية حميد الأحمر، الشخصية القبلية المعروفة، فإن ٥٠٪ من قبيلته التي كانت تقاتل الحوثي صارت تقاتل معه. أصبح لدى الحوثي وفرة من المقاتلين. خروج الحوثي من الجنوب دفعه أكثر من ذي قبل إلى تعز. بقيت تعز، منذ تحرير الجنوب، منطقة حرب مفتوحة. بالموازاة كانت البيضاء ومأرب تخوضان حرباً مع الحوثي، لكن تعز كانت هي الجبهة الأكبر. فهي بوابة الجنوب، وبوابة الشمال، وهي حجر الدومينو الكبير الذي لا بد وأن يبقى واقفاً، ولا يسقط.
عبر الطريق البحري حشد الحوثيون مقاتليهم. توغلوا في محافظة تعز من الغرب، ميناء المخا، حتى تخوم المدينة. معسكرات صالح الواقعة شمال المدينة تحولت لمعسكرات حوثيين ومخازن ذخيرة، كما قامت بقطع طريق تعز مع باقي المحافظات الشمالية ومع العاصمة. مرة أخرى توغل الحوثيون جنوب محافظة تعز وقطعوا طريقها مع لحج وعدن جنوباً. بقي لتعز منفذ وحيد، عبر مديريات الحجرية يوصلها بمحافظة لحج. استدار الحوثيون حول خاصرة جبل صبر مؤخراً وقطعوا ذلك الطريق من خلال سيطرتهم على المسراخ ونجد قُسيم.
صارت تعز، المدينة الصغيرة، محاطة من كل الجهات، وتتساقط عليها آلاف القذائف العشوائية من كل مداخلها. لم يمض سوى وقت قصير حتى نفدت مخازن الغذاء والغاز المنزلي والبنزين، وغرقت تعز في ظلام دامس وجوع قاسي، وانهارت شبكة مشافيها. بالتوازي لم تتوقف مدفعية الحوثي، ولا حشوده القادمة من باقي المحافظات. سقط الأطباء والفنيون والمسعفون تحت نيران المدفعية الحوثية. بحسب تعبير مراسل الجزيرة من المدينة، فالمواطن في تعز ينتظر قذيفة في أي لحظة. تلك المدينة الصغيرة كانت، رغم قلة حيلتها، المزود الوحيد للمؤنة والحياة لريف واسع يشكل أكثر من ٨٠٪ من مساحة المحافظة. عزلت تعز عن ريفها كلياً، وعن العالم. وطبقاً لكلمات كاتب من تعز: في الليل لا ترى النور ولا تسمع سوى أصوات المدفعية تتخللها أصوات الكلاب.