كلمات عن الزبيدي
الاربعاء, 18 أكتوبر, 2017 - 11:47 صباحاً

عملياً يصعب القول إن جنرالاً مثل الزبيدي معني بقضية شعبية. بالنسبة لهكذا جنرال فهو، على الدوام، في مسيس الحاجة إلى قضية كبيرة تبقيه في الواجهة، أي واجهة وأي قضية. الجنوب قضية جاهزة، وهي مسألة تحقق الشروط التي ينتظرها. يسري القول على آخرين كالجفري والبيض. لن يعود الرجلان، ولا أبناء الرجلين، إلى الجنوب إذا ما صار دولة مستقلة. أسس الزبيدي مجلساً للاستقلال بعد أن تخلى الرئيس الاتحادي عن خدماته، وليس قبل. لا يستخدم أي من الرجال دالّة الديموقراطية في خطاباتهم. ومثل محمد عبد الملك المتوكل فهم يتحدثون عن دولة ستكون عادلة، لا عن دولة ديموقراطية. وللعدالة أكثر من وجه. يفكر الزبيدي بجنوب مستقل يديره هو. ويصعب تصور جنوب يصبح فيه الزبيدي موظفاً اعتيادياً، مستشاراً في سفارة على سبيل المثال. باستثناءات قليلة كان الاستبداد المرحلة التي تلت الاستقلال. بطل الجمهورية في الشمال، السلال، اشترط على الثوار أن يكون رئيساً للجمهورية نظير تخليه عن الإمام، كما يؤرخ أوبالانس. لو أن أحد المثقفين الثوار حدثه، آنذاك، عن الديموقراطية لدهس الثوار بدبابات ولي أمره الإمام.
 
يستطيع الزبيدي أن يسلك غير طريق الضجيج، وأن يساعد على عودة الاستقرار إلى عدن. ذلك إذا كان معنياً، بالفعل، بمستقبل المدينة. بعد ثلاثة أعوام من التحرير لا تزال مدينة كئيبة ومخيفة لا تجرؤ قنصلية واحدة على العودة إليها. ولا يمكن مقارنتها بما يجري في صنعاء التي يُـصب عليها الجحيم من حين لآخر، وترزح تحت حصار خانق، وتحاصرها جيوش من أكثر من جهة.
 
إذا استعادت عدن أنفاسها، كمدينة، فسيكون بمقدورها أن تتحدث مستقبلاً كمدينة متعافية. ما يجري الآن هو أن قادة ميليشيات يتحدثون نيابة عن مدينة، بل عن عشرات المدن. لدى العالم خبرة كافية مع الميليشيات، وهناك تاريخ عالمي موازٍ لتاريخ المدن هو تاريخ الميليشيات. الاستقلال، الحكم الذاتي، الحكم الرشيد .. هذه مواضيع تجادل بها المُدن لا الميليشيات. إذ أول ما على الميليشيا أن تقوم به، قبل أن تتفوه بكلمة، هو أن تحل نفسها. تعتبر مطالب قادة الميليشيات، دائماً، تهديداً مستنداً إلى السلاح. لا توجد دولة في العالم مستعدة لرؤية دول، أو أنصاف دول، تنحني لإرادة ميليشيا. الصورة التي تصلنا من كردستان تؤكد هذه الفرضية. فلا يمكن لحزب أو جماعة أن تفرض على التاريخ إرادتها مستندة إلى بشمركة. أميركا، الصديقة الوفية للأكراد، تخلت عنهم في الأسابيع الماضية. فلن تغامر دولة ذات سمعة حسنة في الجري وراء أحلام الميليشيات. صوّتت كردستان بنسبة تتجاوز ٩٥٪ لصالح الاستقلال، لكن العالم تجاهل تلك الحقيقة ونظر إليها من جهة أخرى: لقد اختطف البشمركة رغبة شعبية واضحة وجيّروها لصالحهم. اعتقد قادة الأكراد إن بمقدورهم اقتطاع دولة جديدة من التاريخ لمجرد أن الدولة المركزية تعاني من ضعف وارتباك.
 
مما يؤسف له أن الشعبويين الجنوبيين بعد أن فرزوا شعبهم إلى طوائف وجماعات وطبقات وإثنيات قاموا بفرز أنفسهم بعد ذلك. لا أدري كما سيحتاجون من السنين لفرز باقي العالم. الفاشي لا يمكنه أن يكون جزءاً أصيلاً من هذا الكوكب، فهو منشغل بالنظر إلى ملامحه التي تفرّقه عن باقي العالم ليبني عليها موقفاً أخلاقياً وسياسياً. إن دولة مثل الصين يتحدث حوالي ٥٠٪ فقط من سكانها لغة العاصمة، الماندرين، وهي خليط لانهائي من الأعراق والأديان والخيالات. وهذه الخريطة الهجينة والخلاقة ليست حصراً على الصين. يذهب الشعبويون الجنوبيون إلى قادة الدول الكبرى ويتحدثون عن حق تاريخي في الاستقلال قائلين إن صنعاء لا تشبه حضرموت في شيء. يدعمون حجتهم بحديث عن طبيعة مائدة الطعام في المحافظتين، وعن تاريخ الملابس الشعبية.
 
لا يمكن أن يؤخذ مثل هذا الخطاب على محمل الجد من قبل دول من حيث المبدأ هي تعبير عن مجتمعات شديدة التنوع، ومن جهة أخرى تنظر إلى التنوع الإثني والثقافي بوصفه آلة كونية ثرية وجديرة بالاحتفاء. وذلك ما جعل الشعبويين يعجزون عن إحراز أي احترام في الساحة الدولية. يتشبثون، حالياً، بالإمارات. فالأخيرة تحوّل طموحهم الفاشوي إلى مادة استعمالية. من خلالها تستطيع أن تحرر نفسها من مخاوفها الخاصة. يعلم قادة الجنوب إن الإمارات تستخدمهم، ولا تعدهم بأشياء واضحة. قبلوا المعادلة تلك، فهم في آخر المطاف يريدون قضية ما تبقيهم في الواجهة في ما تبقى لهم من عمر. لأنهم، وهم يدركون ذلك، ليس لديهم أشياء أخرى يفعلونها.
غير أن مثل هذه الألعاب الحرجة غالباً ما تجري على سطح مليء بالبشر، لا بقطع من الخزف.

وهي الحقيقة التي تجعل مثل أولئك الناس خطرين على نحو لا يصدّق.

*من حائط الكاتب على فيسبوك

التعليقات