لست ممن يعشق جلد الذات ولكنها رؤية تائهة في خضم هموم الامة ولعلها لعنة الزمان وعبقرية المكان منذ ذي يزن الحميري وحتى الرئيس هادي الذي قذفت به الأقدار جراء عبث الدولة العميقة لنحو أربعة عقود مضت.
في كتابه "روح القوانين" وهو الكتاب الأشهر في الفكر السياسي الغربي يفرق مونتسكيو بين القانون كنصوص مجردة وقيم نظرية افتراضية وبين تطبيق روح القانون وجوهرة ، ومن ذلك نستلهم مدى أخطاء العرب حُكاماً ومحكومين ، ومنهم الرأي العام في اليمن في التفريق بين قيم الوطنية التي غدت مجرد شعارات نتغنى بها وبين الواقع المعاش الذي لا يتماهى مع روح تلك القيم، وكأن يمن الإيمان والحكمة غدا بلا حكمة .. ولا حتى إيمان .. فقد انقسموا " مِللّ ونِحلّ"، وشِيعاً وأحزاباً ، وكل حزب بما لديهم فرحون ..انقسموا بين "جلد الذات" و"عبادة الجلاد "، المنتصر فيهم مهزوم ، والمهزوم يتلذذ بالانتقام.
شعب يئن ويزحف في الرمال المتحركة منذ نحو قرن من استقلال اليمن بعد توراي حقبة الرجل المريض، ففي الجوار الحفاة العُراة بنوا دولة من العدم " بغض النظر عن البعد الأخلاقي لهذا الكيان" لكنهم في المحصلة دولة، في حين إمام اليمن استلم دولة جاهزة، ورغم ذلك تراجعت اليمن للأسوأ في تلك الحقبة المظلمة التي جثم عليها آل حميد الدين، وها نحن اليوم نعيش الفصل الثاني الإمامة بثوب الجمهورية مع ان اليمن لم يعرف الجمهورية مثلما لم يلمس الوحدة والديمقراطية كلها مجرد قيم افتراضية ليس إلا !
غداة الربيع العربي في نسخته اليمنية حلم الكثيرون بالدولة المدنية لكنها وأدت في مهدها من قبل الدولة العميقة وتواطأ الإقليم و يومذاك انقسم اليمنيون لملل ونحل يقدسون الجلاد السابق والحاضر.
رأى عام عاطفي في الزمن والمكان الخطأ يحشدون مليونية من اجل زعيم او سيد المقابر ولا يخرجون للفاقة والعوز
من يغتصب سلطة لا يحق له ان يتحدث عن السيادة فكيف تحميني وانت مغتصب قراري ..؟
لا تقتلني وتجوعني وترسم مستقبلي بأسم الظروف، ولن تغير هويتي بحجة مقارعة "العدوان".
بين طفل " لا تقبروناش" بالأمس وطفل الميزان الذي قضى في تخبط تحالف العجز أكثر من تساؤل عن عمى الألوان وفقد البوصلة.
بداهة معاناة اليوم ليست وليدة تبعات وأد الربيع العربي بل هي تراكم الفساد لعقود مضت ، لقد غدا المواطن اليمني طريدا في بلده وخارجه تتقاذفه اموات التيه وتاه في أصقاع المعمور فكل الامصار تتبرأ منه.
كرامة الأوطان من كرامة الإنسان ولن يكون المواطن آله في ماكينة الدولة.
يمن الحكمة غدا بلا حكمة .. فقدان البوصلة هو عنوان المرحلة.
اليمني يريد سلام مستدام لا توافق المتحاربين وتفاوض شرعية مع مغتصب السلطة فهل تتفاوض مع سارق.
في يوميات الحرب الدامية شعب يقاسي المحن في انتظار معجزة لإخراجه من هذه الدوامة مع ان زمن المعجزات التي هي من أساطير الأولين فما كان أسطورة هو بداهة أكذوبة زمن مضى وانطوت صفحاته يخرجها الموهومون بالنصر من غبار التاريخ وكهوف الاستبداد.
*كاتب يمني وسفير بالخارجية اليمنية.