عبدالوهاب العمراني

عبدالوهاب العمراني

كاتب يمني سفير في وزارة الخارجية اليمنية

كل الكتابات
اليمن .. الانقلاب الأكبر يرسخ الأصغر برعاية إقليمية
الأحد, 18 أغسطس, 2019 - 08:57 مساءً

ليس ما يؤمل بأفضل مما قد مضى في استشراف أي افق لحلول مفترضة وعليه فأن هذه الحرب وبهذا المنوال وبدون افق فإن أي تسوية ستراعي توازن القوة والضعف في كل الاطراف وبرعاية اقليمية ودولية، شريطة أن تستمر برعاية أمميه لحين تجاوز المحنة والزمن المحدد لأي اتفاق قد تتوافق عليه كل من في المشهد.
 
وبهذا نؤكد مجددا بأن أي حلول ترقيعيه بمجرد سنْ نصوص نظرية لن تلقى قبولاً شعبية من جهة ولا يٌعقل أن تفرض إرادات تقوض من آمال اليمنيين في سلام حقيقي وليس مجرد تقاسم وتسوية صورية فإذا كان هدف طرفي الانقلاب الخروج من أزمة الشرعية التي تصرّ بالإطار السياسي وحكومة توافقية قبل إنهاء مسببات وتداعيات الانقلاب فإن حكومة الكفاءات المفروضة التي شكلت بسياسة الغلبة لهذه الميلشيا قد انقلبوا عليها.
 
فالمتابع والراصد يقع في حيرة إزاء كل ما جرى ويجري في اليمن وسواها فإذا لم يتجاوز المتفاوضون المربع الأول فكيف يتوقع نجاح مفاجئ وبعد كل هذا الدمار في البنيان والإنسان، إنها فقط محاولة إظهار نجاح شكلي للأمم المتحدة وإنقاذ ساسة من ورطتهم وكذا إنقاذ أطراف إقليمية بعد فشل عاصفة العجز.
 
فالذاكرة اليمنية تختزن تجارب مُماحكات وتدليس مماثلة لعل أبرزها الحوار الوطني الشامل لنحو عام انتهى بتوافق شكلي ( السلم والشراكة) تحت أسنة الرماح ومن ثم انقضوا عليه فلم نرى لا اتفاق ولا سلم ولا شراكة بل هوس للسلطة وإسقاط المدن ويكمن الخطاء في السماح لهم بالانخراط في ذلك الحوار الطويل وهم مجرد ميلشيا فإذا اسقطوا دولة وهم بسلاح محدود فكيف يراد اليوم مشاركة وتقاسم وهم في حالة سيطرة كاملة لكل مفاصل الدولة، وهو الأمر نفسه بالنسبة لما يسمى بالمجلس الانقلابي المستحدث في عدن مؤخرا برعاية اماراتية.
 
وإجمالاً ومن يوميات الحرب يستنتج بداهة بأنه ثمة محاولة لتفخيخ اليمن بكل عناصر اللإستقرار، وجعل الأمل في عودة الحياة السياسية الطبيعية مستحيلاً فقد انحرفت الحرب عن هدفها المعلن وكأن استمرارها فقط لتصبح نمط حياة يومية بمدى زمني مفتوح وبلا حدود وليس كأداة لحسم صراع يتعذر حسمه عسكرياً، وعلى هذا يبدو بأننا سنشهد في الأيام القادمة تحالفات جديدة لكنها لن تكون على طريق الحل بل على طريق استدامة الحرب، الأمر الآخر كأن التحالف يريد أن يثبت عملياً في تفاصيل يوميات الحرب بأنها حربا يمنية سعودية ويدحض ما أعلن بأن مسوغات التدخل لإعادة الشرعية وبهذا ليس فقط سيلتف اليمنيون مع طرفي الانقلاب بل وحتى مستقبلاً بعد أن تضع الحرب أوزارها فالذاكرة اليمنية وإيقاع الشارع اليمني سيتمحور حول تداعيات وإفرازات الحرب المادية والمعنوية وستسخر إيران ذلك لعودتها بقوة بفضل هذا الحرب لليمن لاستغلال حالة الانتقام لمأرب واجندات إيرانية على عاتق شباب ومقدرات اليمن، بمعنى معاناة الشعب اليمني سيضل سواء في زمن الحرب أو بعد أن تضع أوزارها.
 
في حال أي تسوية تلوح في الأفق سيخسر الانتقالي لأن الحوثي سيعود كمكون أساسي إلى جانب الاصلاح والمؤتمر والشرعية " أي أربعة مكونات تعتبر حاليا خصوم الانتقالي " وسيكون له حصة 15 % في أحسن الاحوال من نفوذ السلطة المستقبلية المفترضة، والتي ستكون مؤقتة ومزمنة وأي تحول مستقبلي على أساس توافق وانتخابات وتراضي وبهذا خسر قضيته التي كان يتمرد على شرعية قوامها مكون جنوبي بما يقارب ثلثي السلطة اليوم سيكون حصة الجنوب أقل من النصف ونصف النصف مكون الحراك ...لأنه في حال تحقق له المشاركة المستقبلية بهذه النسبة التقديرية ليس لشعبيته بل بالاستقواء بالخارج وسياسة الغلبة وليس على قاعدة شعبية بدليل بأنه سيرمي كل شعاراته على الحائط وسيخسر بداهة شعبيته المفترضة، مع الفارق أن الحوثي اكثر قوة وحضورا وأقل عماله للإقليم سوأ كان عربيا أو أعجمياً .!
 
وعلى كل حال تهانينا للانتقالي بالانزلاق والانحدار للأسواء.
 
وما تعيين سفير حوثي جارودي لدى طبرستان والديلم وكذا في الامم المتحدة الا من ثمار التفاهمات الاماراتية الايرانية .. لن يخسر اليمن كثيرا اكثر مما خسر فقط خسر الجنوبيين قضيتهم من أجل حقيبتين أو ثلاث في حكومة افتراضية مؤقتة لا تنتهي الا بالتوافق والانتخابات وقد فقدوا قاعدتهم الشعبية في الجنوب.
نكبة اليمن اليوم هي أن الشعب ضحية التنكيل به من قبل الغازي "الوطني" والخارجي، وتحالف متخاذل شن الحرب تحت لافتة تختلف كليا عن ما يجري اليوم على واقع المشهد السياسي والعسكري.
 
نُخب وسَاسةْ اليمن الفاشِلة لأربعة عقود وهي التي أفقرت وعاثت فساداً وخاضت نحو عشرة حروب في أقل من أربعة عقود وسلبت سيادته وسلمت اليمن لميلشيا كهنوتية .. وصورة اليمن للعالم بأنه بؤرة للإرهاب ولهذا فقد غدا اليمني منبوذا في أغلب بلدان العالم ناهيك عن عزلة اليمن وإغلاق منافذة .. ساسة اليمن هؤلاء هم من سلبوا قوته بجعل اليمن ترسانة اسلحة وقطعوا مرتباته التي هي في الأصل لا تسمن ولا تغني من جوع .. واحرموا من ابسط الخدمات وساهموا في نشر الأمراض..
 
وبعد كل هذا لا يخجلون بأن يسعون لاستعادة الدولة العميقة بل وتريد أيضاً رسم ملامح مستقبلنا وهو الأمر نفسه للإقليم الذي ساهم في تدمير اليمن وخاض هذه الحرب بمسوغات أثبتت زيفها يسعى هو الآخر لقولبة اليمن لمرحلة ما بعد الحرب ويفتح الباب على مصراعيه لحروب بينية قادمة من خلال حلول مشبوهة وآنية لترحيل الصراع وكأنه قدر له ان يصبح ازلياَ.
 
شعب مغيب وكأنه قدر محتوم أن ينكل به من كل الأطراف المحلية والإقليمية .. وعلى خلفية عبقرية المكان ولعنة الزمان فإن كل من في المشهد يسعى ليكون له حصة في وطن غدا ركام وأطلال فبئس الكرسي الذليل !
 
نخلص من دروس نحو خمس سنوات من سقوط صنعاء بأن الهزيمة المعنوية الكبرى الذي تلقاها اليمنيين كانت بسبب ركونهم على التحالف.
 
* كاتب وسفير في الخارجية
 

التعليقات