عصام القيسي

عصام القيسي

المفكر عصام القيسي

كل الكتابات
إيران.. اللعب في الهامش
الإثنين, 06 يناير, 2020 - 06:09 مساءً

لو كانت إيران تريد حقا الحد من هيمنة أمريكا على المنطقة لفعلت شيئا آخر عكس الذي تفعله. لسعت بكل ثقلها لتوحيد العالمين العربي والإسلامي كما حاول النظام التركي مثلا. إذ لا شيء يمكنه أن يحد من النفوذ الأمريكي والصهيوني في المنطقة سوى هذه الوحدة في القرار السياسي. لكن إيران فعلت عكس ذلك تماما. فإيران هي أكثر دولة مزقت ما تبقى من نسيج الوحدة العربية والتضامن العربي. إذ عملت على إنعاش فكرة الطائفية المذهبية والسياسية في أكثر من بلد عربي. وأسهمت بالتعاون مع أمريكا في إسقاط أقوى نظام سياسي عربي في المنطقة هو نظام صدام حسين. وسهلت لأمريكا ابتزاز دول الخليج والمجيء بأساطيلها إليه، عندما قامت بدور البعبع الذي يهدد هذه الدول، وهي تعلم يقينا أنها تخدم أمريكا بذلك. وقامت بتحقيق هدف أمريكي صهيوني آخر خطير هو المساعدة في إجهاض الربيع العربي، الذي أعلنت إسرائيل - على لسان عدد من مسئوليها - أنه شكل خطرا على الوجود الإسرائيلي. ولم يقر لها قرار إلا بعد أن ساعدت السيسي على الإطاحة بالمشروع الديمقراطي في مصر، هي وحلفاؤها العرب.
 
ولا يحتاج المرء إلى ذكاء لمعرفة أن إسرائيل مثلا تحرص على بقاء نظام الأسد في سوريا، وهو حليف إيران، لأن الإسرائيليين أنفسهم قد صرحوا بذلك. ولا نحتاج إلى ذكاء أيضا لمعرفة أن أمريكا راضية عن الحوثي، أداة إيران في اليمن، رغم شعاراته المعادية لها. ولولا هذا الرضا لخسفت به الأرض، وجعلته كالعهن المنفوش.
 
إذن فحكاية عداء إيران لأمريكا وإسرائيل هو مجرد عداء برجماتي وظيفي لا عداء مبدئي، هدفه تحقيق أطماع إيران الخاصة في المنطقة. فإيران تدرك أنها لن تتمدد سياسيا في المنطقة إلا إذا تمددت مذهبيا، ولكي تتمدد سياسيا ومذهبيا تحتاج إلى حصان طروادة الذي يدخلها إلى قلعة العرب. والقضية الفلسطينية هي أفضل حصان طروادة لإيران. والأمريكان مع الإسرائيليين يدركون هذه المطامع الإيرانية ويجدونها متقاطعة مع أطماعهم في المنطقة. ولهذا يتركون للملالي هامشا للحركة والمناورة.
 
والإيراني يعرف جيدا حجم الهامش الذي تسمح به أمريكا في اللعب معها. ويدرك عواقب الخروج عن هذا الهامش. وهي عواقب لا قبل له بها مطلقا. ويدرك بصورة عميقة أن عددا من القوى الدولية - مثل الصين والهند وروسيا وإسرائيل - ترغب في تفتيت الكتلة السنية التي تشكل خطرا أو قلقا لكل هذه القوى. لأن وجود كلتة سنية قوية يعني حماية الأقليات المسلمة في الهند والصين، والدول المحيطة بروسيا. فمن مصلحة هذه القوى أن تقوم إيران بدورها في تفتيت هذه الكتلة، مع حصولها على بعض المكاسب الطائفية. إيران تدرك ذلك كله وتسعى فيه بحركة واثقة. هذه هي إيران وما عدا ذلك مجرد رماد يلقى على العيون.
 

التعليقات