عبدالوهاب العمراني

عبدالوهاب العمراني

كاتب يمني سفير في وزارة الخارجية اليمنية

كل الكتابات
اليمن .. وباء الحوثي وحرب التحالف
الأحد, 31 مايو, 2020 - 10:02 صباحاً

إذا كانت تداعيات وإفرازات انتشار وباء فيروس كرونا قد انعكس تأثيره في الاقتصاد وسياسة بلدان كبرى ، وقد يطيح برؤساء واقتصاديات ، وفي اليمن لن يطيح بالأطراف المتناحرة ومن خلفهم تحالف الغدر ، بل سيطيح باليمنيين أنفسهم الذين لم يعد يرعبهم انتشار الوباء لان ما جرى ويجري منذ ست سنوات غداة سقوط صنعاء مرورا بهذه الحرب التي فتحت أبواب جهنم ، تجعل من كرونا مجرد محطة من محطات عذاب اليمنيين في لعنة الزمان وعبقرية المكان .
 
كشف وباء كورونا المستجد عن انتهازية الجماعات المسلحة ذات الأجندات المعادية للدولة اليمنية ، وأظهرها غير مكترثة وغير آبهة بتداعيات الوباء الذي لا يحتاج اليمنيون اليوم إلى أي شيئ آخر سوى النجاة من تداعياته المميتة، لأن حياة الناس لا تعني العصابات فهي تمارس الموت مثلها مثل كورونا.
 
فقبل هذا الوباء كان متمردوا المجلس الانتقالي والحوثيون قد تحولوا خلال الخمس السنوات الماضية، إلى أشد الأدوات فتكاً بالمشروع الوطني. فالانتقالي أُوكلت إليه مهمة قطع خطوط الإمدادات عن المقاومة والجيش الوطنيين، ومضى ينخر في بنيان الكتلة الوطنية والمشروع المناهض للانقلاب في صنعاء ويتحول هو وقواته إلى مجاميع من المرتزقة التي تقاتل بالوكالة في معركة لا أهداف واضحة لها، سوى ما يضخه إعلام التحالف الذي يصف ما يجري في اليمن بأنه مواجهة مع المد الإيراني.حقيقة ما جرى ويجري ليس بالأمر الهين ، وقائع وأحداث يشيب لها الولدان ، لا يُعقل ان ينتهي بتفاوض وشراكة وسلام لحرب تلد اخرى .
 
تبعات انتشار الاوبئة وعلى رأسها فيروس كرونا هي مسؤولية أخلاقية على طرفي التحالف في حرب اليمن التي هي بمثابة المستعمر ، وكذا أطراف الصراع المحليين من شرعية وانقلاب صنعاء والمستنسخ في عدن.
 
لقد شبع اليمنيين قلق المجتمع الدولي والأمم المتحدة خلال مجريات الحرب واليوم "قلق" إنساني يضاف لهذه الديماغوجية المفضوحة التي آخرها تصريح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن العاصمة اليمنية المؤقتة عدن تسجل أعلى معدل وفيات في العالم بفيروس كورونا.
 
وتحذر منظمات أممية ودولية من انهيار الوضع الصحي والإنساني والغذائي في اليمن بسبب استمرار الصراع على السلطة، وافتقار البلد لبنية صحية واقتصاد حقيقي يساعدها على مواجهة الجائحة العالمية.
 
تتعاقب تحذيرات هيئات إغاثية ومنظمات طبية وإنسانية دولية من وقوع كارثة صحية هائلة في اليمن مع انتشار فيروس كورونا المستجد، مشيرة إلى أن ما يُعلن من أرقام إصابات أو وفيات هو أقل بكثير من الأعداد الفعلية، بالإضافة إلى أن بعض الأطراف تتعمد تخفيض الأحجام الفعلية للجائحة أو حتى تتستر عليها عن سابق قصد.
 
في العاصمة اليمنية صنعاء فإن «سلطة الأمر الواقع» التابعة للحوثيين حولت مكافحة الجائحة إلى ملف أمني فمنحت أجهزتها صلاحيات تتبّع الناس واعتقالهم والحجر عليهم بعيداً عن المؤسسات الصحية المختصة، حسب بيان أصدرته من جنيف منظمة «سام» للحقوق والحريات. وأضافت المنظمة أن العدد الفعلي للإصابات بالفيروس يُعدّ بالآلاف والوفيات تتجاوز المئات، حيث تحولت مشافي صنعاء وإب إلى مراكز تقتصر على علاج مرضى الجائحة وسط تكتم بالغ وإجراءات أمنية مشددة.
 
وفي الوقت ذاته تتنصل الحكومة اليمنية من أعباء مواجهة الجائحة وتلقي بالمسؤولية على عاتق خصومها من الحوثيين في الشمال والمنشقين في الجنوب، ولا تجروء عن مسألة التحالف بحكم انها قابعة في عقر داره .
 
 متغافلة عن حقيقة أنها تقف مكتوفة اليدين إزاء تفاقم الكارثة، ليس بسبب عجزها عن أداء الحدود الدنيا من الواجبات المناطة بها فقط، بل كذلك لأنها أصلاً حكومة تابعة لرعاتها في الرياض، وقراراتها أسيرة ما يُرسم لها خارج السيادة الوطنية. وما دامت تعلن أنها مالكة الشرعية، فمن الطبيعي أن ينظر المواطن اليمني إلى تقصيرها على نحو أكثر مرارة وإحساساً بالخذلان من نظرته إلى الحوثي أو الانتقالي.
 
تكمن صعوبة ومعوقات مواجهة انتشار فيروس كرونا في اليمن وفي مثل هذه الظروف من تداعيات هذه الحرب من فاقة وعوز وعدم وجود دولة فأن ابرز تحديات مواجهة الوباء تتلخص في جملة من المعوقات ذاتية وموضوعية ، منها غياب الوعى الصحي وظروف الفاقة والعوز وتكتم السلطات سوى في صنعاء او عدن.
 
ولعدم توفر اجهزة لاكتشاف هذا الوباء فأن المواطن اليمني يساوره القلق والحيرة وحالة احباط لان الفحوصات العادية الاولية واللازمة تكلف مئة دولار وهو مبلغ ليس متوفرا بالنظر للحالة المادية المعروفة من انقطاع مرتبات وفقدان فرص العمل.
 
تختلف اليمن عن بقية بلدان العالم بأن معظم إعلانات الجهات الصحية لمواجهة فيروس كرونا تأتي بعد حالات الوفاة وليس لفحوصات مبكرة ، ودليل هذا كثرة إعلان الوفيات مقابل إعلان المرضى فلا يكتشف بأن المريض كان مصاباً بهذا الفيروس الا عند وفاته.
معلوما بأن البنية التحتية للخدمات الصحية في اليمن كسائر المؤسسات لم تشهد تنمية وكان تركيز النظام السابق على الجانب العسكري في اعتماد الميزانية رغم هذا فقد سلم الدولة بعتادها العسكري لخصومهم خلال الستة حروب سبقت هذه الحرب .
 
لقد كان اليمن يعاني من عجز في الجانب الصحي قبل عشر سنوات وزاد في السنوات اللاحقة وخاصة بعد نحو ستة سنوات من سقوط صنعاء وغياب الدولة .
 
قلة الوعى لدى عامة الناس والتقاليد ونمط العيش الذي اعتاده اليمنيين وخاصة في رمضان والمناسبات الدينية يجعلهم يتعرضون للاختلاط.
 
كما ان حالة الفقر وبأن اعداد هائلة من اليمنيين يعتمدون على اجر العمل اليومي فأن بقائهم في المنازل من باب الحجر الصحي ينقطع رزقهم .
 
النظرة البوليسية الأمنية لسلطة الانقلاب الحوثي في صنعاء حيث تتعامل مع المصاب كمتهم وتلاحقهم بسيارات مدججة بالسلاح بدلا من ناصات الإسعاف وترعب أقارب المريض بحيث يلجأ البعض للتكتم عن المرض وكأنه عار ، كما يلاحق الأطباء ويهددون خشية اعلان تفشي المرض ، مع ان سلطة الحوثي تنهب المساعدات وكشف حالات سيعزز موقف اليمن من الاهتمام الدولي.
 
ويشهد النظام الصحي في هذه البلاد انهياراً؛ بفعل الحرب التي تعيشها منذ أكثر من خمس سنوات، وزد على ذلك أن اليمن سجل حضوراً، ما زال مستمراً بنسب متفاوتة، لأوبئةٍ أخرى أبرزها الكوليرا والضنك وإنفلونزا الخنازير والدفتيريا ، وغيرها من الأمراض الفتاكة.
 
لا توجد إحصائيات دقيقة وشاملة لضحايا الأوبئة في اليمن، لكن أبرز الأرقام المسجلة من خلال المنظمات الدولية والجهات المحلية، تفيد بأن عدن وحدها شهدت أكثر من الف وخمسمأة وفاة خلال شهر مايو المنصرم .
 
بينما توفى في صنعاء والمناطق التي يسيطر عليها الحوثي أعداد كبيرة خلال هذه الفترة وهى بضع مئات في اقل الأحوال على اليمنيين ان لا يعولوا على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المتخصصة في مجال الصحة تحديداً فكما وقفت موقف المتفرج خلال هذه الحرب والتي لها بعدا إنسانيا أسوا من تبعات تداعيات فيروس كرونا من المحتمل ان يتجاهل اليمن وتتفرغ كل دولة لنفسها.
 
فإذا كانت ايطاليا وهي بلد أوروبي راقي يشكو عدم اكتراث الاتحاد الأوربي وهو عضو أساسي في هذا التكتل ، وإذا كانت أمريكا بجبروتها وقوتها وإمكانياتها تأن تحت وطأة انتشار هذا الوبا فما بالك بدولة تعتبر الأفقر عربيا وربما عالمياً تتعرض للتنكيل والحرب على مدار الساعة من أغنى ممالك النفط في المنطقة .
 
ومثلما انحصر اهتمام الأمم المتحدة بالقلق على تدهور الوضع الأمني والسياسي في اليمن قد يكون موقف منظمة الصحة العالمية ومن ورائها المجتمع الدولي ازاء هذا الوباء في حالة انتشاره في اليمن لا سمح الله وفيما هذا اطلعت منظمة الصحة العالمية السلطات الصحة في اليمن باحتمال تأثر 16 مليون يمني أي ما يزيد عن نصف السكان من تداعيات خطورة هذا الوباء.
 
تداعيات وإفرازات هذه الحرب تتقاسم مدينة عدن الظروف السياسية والأمنية ذاتها، ففي مقابل مليشيا الحوثي المهيمنة في صنعاء، تهيمن مليشيا المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات على مدينة عدن، وقد ساهم غياب السلطة الشرعية عن العاصمة المؤقتة منذ أغسطس من العام الماضي، في تفاقم الوضع البيئي والصحي والاقتصادي والمعيشي للمدينة، خصوصاً أنها شهدت قبل اسابيع سيولاً جارفة أغرقت المدينة كما حدث في صنعاء وأن بصورة أقل.
 
 ما أدى إلى انتشار الأوبئة القاتلة التي تدخل في ضمن قائمة الحُميات، ولتضاف إلى جائحة كورونا التي بات تأثيرها كبيراً في هذه المدينة البحرية الواقعة جنوب البلاد.
 
قائمة الموتى الذين تودعهم عدن قاربت الألف ضحية منذ مطلع مايو الجاري  ، العشرات من هذه القائمة أطباء وأساتذة جامعة وإعلاميون وكوادر من مختلف التخصصات زيادة عدد الموتى الذين يحصدهم وباء كورونا وحمى الضنك وغيرها من الأوبئة الأخرى دفعت الأهالي إلى تخصيص مقابر جديدة يتم تداول صور عنها في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، وتظهر حجم الكارثة التي حلت بالمدينة.
 
والأسوأ من ذلك كله أن مدينتي عدن وصنعاء المنكوبتين بالانقلابات وبالمليشيات، ومعهما مدن أخرى ومحافظات كمحافظة تعز وحضرموت، تواجه مشكلة غياب الطرف المسؤول الذي يمكن أن يدير أزمة كورونا ويحشد الجهود لمواجهتها ويستدعي المساعدات الدولية اللازمة لمواجهة الوباء. اليمن للأسف شبه مغلق أمام الجهد الدولي المساند، بسبب الحصار ذي الطبيعة السياسية الذي يفرضه تحالف الرياض- أبوظبي ويحول دون وصول المساعدات الخارجية إلى اليمنيين.
 
لم تعد حالة الإنكار التي أصابت الحوثيين مجدية. لا تتستروا على انتشار المرض، فتحل الكارثة بالناس وبكم وبالبلاد كلها.
 
تتعامل سلطة الحوثي مع وباء " فيروس كرونا" بمنظور أمني وتتحفظ إعلامياً بمنع أي تصريح رسمي بصورة شفافة للرأي العام.
 
 وكأنه من اسرار الامن القومي ، تحول الوباء إلى عار على المستوى الاجتماعي، وخيانة على المستوى الرسمي ، وعقاب لمن يبحث عن حقيقة خطورة انتشار الوباء لتنال منه.
 
يظن الحوثيون أن الإعلان عن الوباء لن يصنع فارقاً، وبخلاف ذلك سيعقد عليهم مجموعة من الترتيبات، وفي مقدمتها ترتيباتهم العسكرية فهم في حالة حرب. سيهرب المجندون، وسيهب الآباء بحثاً عن أبنائهم الذين ذهبوا إلى الوباء. أمور كثيرة ليست في الحسبان ستفاجئهم، هكذا يعتقدون. فضلا عن أنها منظومة غير مسؤولة، بالغت في وصف وباء كوليرا لتكسب من خلاله سياسيا وماليا، إلا أن كورونا ليس كذلك.
 
الأطراف كلها المحلية والإقليمية تتشبث بذريعة الجانب الإنساني على خلفية احتمال انتشار فيروس كرونا في اليمن فتحاول ان تخرج بأقل الخسائر وبتحقيق ما ترنوا إليه بغض النظر عن الإبعاد الإنسانية من حلول مستغلة الضغوط الدولية والشعبية بهذا السياق ولسان حال المواطن كفو عن هذه الحرب : مجرد انتهاء الحرب مهما كانت النتائج لها يعتبر نصراً لأنها غدت بلا هدف وافق .. ولسان حال اليمنيين "يحكمنا من حكم" وتكون النتائج كما تكون فالإمراض الفتاكة وآفة المجاعة والعوز أمامنا وحرب مدمرة بدون هدف خلفنا نواجهها منذ اكثر من خمس سنوات والتي له وجهين عدو داخلي وعدو خارجي عرباً قبل ان يكونوا عجم تداعيات ما عُرف ب "جانحة كورونا" حسب الوصف الأممي لهذا الوباء الفتاك فأنه بالنسبة لتداعيات الحرب في اليمن سيكون سلاح ذو حدين ، بمعنى قد يسرع بأن تضع هذه الحرب أوزارها .. ولكن وفق أي أسس ومعايير ؟
 
فعلى سبيل المثال يستغلون جزئية الإعلان عن حظر ومنع تجول ليصب في مصلحة قمع المظاهرات ومنع التجمهر بذريعة احتمالات تفشي كرونا .
 
كما ان تعامل الحوثي مع المصابين تعامل امني وليس صحي أنساني ، وكأنه متهم بجريمة .
 
وهو الأمر نفسه في النسخة الأخرى من الانقلاب في عدن ،  وبدلا من تقديم التسهيلات للمنظمات الإنسانية الدولية العاملة في مجال الصحة يتلقون صفعات وتهديدات وابتزاز بل وصل الى حد قتل عناصر من الهلال والصليب الأحمر في حوادث سابقة ، وبالمثل يتم محاكاة ذلك من قبل ما يسمى بالمجلس الانتقالي إزاء هذه المنظمات وكلاهما يتحكمان في توزيع المساعدات الغذائية كانت او الطبية .
 
لعل أسواء ما في هذه الحرب أنها أظهرت اقبح شئ في اليمنيين كالاصطفاف والانقسام والاستقطاب بدون مسوغات منطقية ، وعمقت شرخ في البنية المجتمعية بصورة تخلق حالة من اليأس وتحبط التطلع للمستقبل
ولعل أقذر مسوغات السياسي هي المتاجرة بدموع وألام الجماهير ، واستغلالهِ واستغلاله القضايا الإنسانية لغايات سياسية وأهداف حزبية آنية "
 
والخلاصة التي لا مناص من تأكيدها، أن اليمن سيظل منكوباً في معيشته وصحته واقتصاده وتعليمه وأرواح أبنائه، طالما ظلت الجائحة الحوثية تُحكم القبضة على جزء عزيز منه ، وميلشيا الانتقالي تتسلط على بقية اليمن وشرعية فاسدة وتحالف غادر .
 
* كاتب يمني وسفير في الخارجية
 

التعليقات