عبدالوهاب العمراني

عبدالوهاب العمراني

كاتب يمني سفير في وزارة الخارجية اليمنية

كل الكتابات
دور التحالف في اليمن.. ميلشيا تتجذر وشرعية تتأكل
الاربعاء, 01 يوليو, 2020 - 11:19 مساءً

بسقوط سقطرة غدت سياسة السعودية وموقفها أكثر وضوحا عما كان وكأنها تلعب بالمفتوح كما يقال وتحاكي الامارات في التدخل الفج بخلاف ما كانت عليه في الفترة السابقة لسقوط سقطرة بعد ان جردت الشرعية في الجزيرة من تموضع عسكري للتولى ما سمى بقوات الواجب دوراً رئيساً في تسهيل عملية سيطرة المجلس الانتقالي على الجزيرة، متجاهلةً المواثيق الدولية والأعراف الدبلوماسية التي تنظم وجودها في الجزيرة قوة إقليمية، تستمد مشروعيتها من السلطة الشرعية المعترف بها دولياً التي خولتها للدفاع على الجزيرة، حيث تحولت القوات السعودية إلى طرفٍ في الصراع في جزيرة سقطرى، إلى جانب منع تقدم قوات الشرعية في ابين وصولا لعدن .
 
يسير تشظي اليمن جغرافياً وسياسياً بخطىً متسارعة ، وعلى مرأى العالم، نتيجةً بديهيةً لتأبيد الحرب لصالح المحتربين المحليين والإقليميين، إذ يبدو أن "تعويم" احتلال اليمن هو الهدف الأخير للتدخل السعودي، بدءاً بحرف سياقات الصراع المحلي إلى صراعاتٍ جانبية وثانوية في إطار الحرب الكبرى، مقابل تعزيز حضورها العسكري والسياسي في اليمن، وقولبته بحسب السياقات السياسية المتغيرة، بما في ذلك عدم الحرج من دعم قوى محلية منافسة للسلطة الشرعية التي تدّعي الدفاع عنها، وإدارة صراعات القوى المحلية لصالح بقائها قوةً عليا تنفرّد بتقرير مصير اليمن وتقسيمه.
 
فعلاوة على جرائم الرياض بحق اليمنيين، تفرض اليوم إرادتها القسرية على حلفائها المحليين، إذ تحولت من دولةٍ متدخلةٍ مشروط تدخلها بإعادة حليفها الرئيس عبد ربه منصور هادي، رأس السلطة الشرعية، إلى السلطة، إلى دولة تسعى إلى تأبيد الحرب، وبالتالي "تعويم" احتلالها اليمن، من خلال استغلال صراعات القوى المتنافسة في معسكر الشرعية لصالحها، في مقابل استدامة سلطة جماعة الحوثي في المناطق الخاضعة لها، مبررا لاستمرار تدخلها العسكري في اليمن.
 
تتخذ السعودية في ادارة الصراع المفتعل في جنوب اليمن على تسويق نفسها طرفا محايدا في الصراع، إذ يمنحها ذلك دور الوسيط لفرض رؤيتها للحل السياسي على المتصارعين، وبالتالي تمرير أجندتها، بينما يكشف أداؤها السياسي والعسكري أنها طرف رئيس في الصراع، وفي نفس الوقت تجرد حكومة الشرعية من الاسلحة وتفرض تموضعها في اماكن تحدده لها تتضح تباعا السياسة السعودية بتمكين الانتقالي منذ نحو عامين من تمكين ما يسمى بالانتقالي والمدعوم اماراتيا واليوم تتسابق دولتي التحالف في اسناده وتدار المؤامرات من الرياض نفسها بدلا من ابوظبي وهيئت لرئيس الانتقالي فرصة التحرك الدبلوماسي والسياسي في حين غيبت الرئيس هادي الذي اختفى لنحو شهرين ولم يظهر الا مؤخرا في خطاب ركيك يعكس مدى وهن الشرعية وتأكلها دولتي التحالف اللتان تنكلان باليمن يسعيان بطي صفحة الشرعية واستنساخ شرعيات اخرى أبرزها للان الانتقالي وقبله الحوثي وربما مستقبلا تتفاوض مع ما يسمى بحراس الجمهورية المسنودين اماراتياً ايضا.
 
واللوم ليس فقط لدولتي التحالف بل حتى الشرعية نفسها كأنها تهرول للتسريع بأنها دورها . باصرارها على ان تكون مرتهنة بالاقامة في عاصمة الدولة التي تنكل باليمن .
 
فاتفاقية الرياض كانت في الجملة ترمي لشرعنة الانتقالي بدليل إلحاح الانتقالي ومن خلفه دولتي التحالف بتقديم الشق السياسي على الامني والعسكري .
 
ويفترض بداهة من السلطة الشرعية ألا تخضع لمنطق القوة والابتزاز؛ لأنه سيُطلب منها أن تقبل بما يطالب به الحوثيون  قرار مجلس الأمن 2216 يطالب الحوثيين، كسلطة غير شرعية، بالانسحاب من المدن، وتسليم السلاح لصالح السلطة الشرعية، التي تشترط تنفيذ تلك المطالب للدخول في تسوية".
 
طالما الانتقالي فرض ما يريد في الاتفاق المزمع بجدة، وهو يسيطر على محافظتين، فكيف بالحوثي وهو يسيطر على محافظات عديدة، وكم سيبقى نصيب الشرعية في أية حكومة أو سلطة قادمة؟!".
 
لشرعية تتفتت تدريجيًا لصالح القوى التي تفرض نفسها بالقوة.. والسعودية تسعى لتغطية الفضيحة بشرعنتها قانونيًا حتى تغطي على الإمارات وتخرجها من هذه الورطة القانونية".
 
"قد يحدث أن يهيمن الانتقالي على أغلب المحافظات الجنوبية، ولأن المجلس يمتلك مشروًعا واضحًا هو الانفصال، فسيستمر في المزيد من السيطرة والسلطة، ويحدث الانفصال الواقعي العملي تحت غطاء الشرعية، وليس القانوني، وهذا ما تسعى إليه الدولتان.
 
لكن عمليًا لم تعد هناك معركة حقيقية من جانب التحالف ضد الحوثيين، فمعظم جبهات القتال متوقفة، والسعودية لا تحرك إلا جبهات (محافظة) صعدة (شمال)، حيث تسعى من خلالها إلى رسم منطقة عازلة على حدودها مع اليمن، وهي فاشلة حتى الآن في هذا المسعى، بدليل ما حصل في كتاف (هجوم للحوثيين) مؤخرًا، وفشل مشروع توغلها في اليمن 30 كم".
 
واجزم بأن "مواجهة الحوثي لم تعد أولوية لدى الإمارات، بل الانسحاب التدريجي، ثم إيصال حلفائها المجلس الانتقالي إلى الحكومة، ليكونوا جزءًا من كيان شرعي بأية مفاوضات قادمة".
 
ومما يؤكد وضوح الضغوط السعودية لشرعنة الانتقالي واحتمالات انزلاق الوضع للاسواء فقد رفع "المجلس الانتقالي الجنوبي" في اليمن، المدعوم إماراتياً، من سقف تصعيده، ،فبعد اسقاط سقطرة لا تخفي ميلشيا الانتقالي عن طموحها وخططها المستقبلية وبأنها بصدد اسقاط محافظات اخرى وقد تكون هدف قادم.
 
وقد كانت كلمة الرئيس هادي بعد ايام من سقوط سقطرة مخيبة للامال فكأنه صمت دهرا ونطق كفرا وتعكس رضوخه للضغوط السعودية بتنفيذ الشق السياسي من اتفاق الرياض مع الانفصاليين المدعومين إماراتياً، إذ دعا إلى إيقاف نزيف الدم والتصعيد والعودة الجادة لتنفيذ الاتفاق. ووصف الانفصاليين بـ"الأبناء". كما تجنب الإشارة بشكل تام إلى الانقلاب على السلطة، أو الإشارة لداعميه الإماراتيين، كما دأبت خطابات الحكومة في التنفيس عن غضبها خلال الأيام الماضية
 
وخلت كلمة هادي من الشروط السابقة التي كانت تطرحها الشرعية مراراً عند الحديث عن اتفاق الرياض، وهي ضرورة تنفيذه كـ"مصفوفة مزمنة دون انتقاء"، بحيث تبدأ بالملف العسكري وانسحاب القوات الانفصالية من عدن وأبين قبيل الانتقال للشق السياسي المتعلق بتعيين محافظ لعدن، وتشكيل حكومة مناصفة وبانتزاع "المجلس الانتقالي" للشق السياسي من اتفاق الرياض ، ستكون السعودية قد رعت الانقلاب الذي قاده "المجلس الانتقالي"، وشرعنة تواجد قواته، سواء في عدن أو سقطرى أو أبين، حيث من المؤكد أنهم سيرفضون عملية الانسحاب التي ينص عليها اتفاق الرياض تالياً باعتبارهم شركاء في حكومة معترف بها دولياً.
 
على الرغم من نجاح الإمارات في جمع فئات عديدة إلى جانبها، إلا أنها لم تكن لتستطيع تحقيق مخططاتها لولا الغطاء السعودي لانقلاباتها وبسط سيطرتها على عدن وعلى سقطرى أخيراً، كما تقول مصادر في الشرعية اليمنية، لتصبح الرياض غطاء لتمرير كل مشاريع أبوظبي، من تشكيل مليشيات مسلحة وكيانات سياسية، إلى إفشال اتفاق الرياض الذي تكفلت السعودية لمجلس الأمن الدولي بتطبيقه. كما تُتهم أبوظبي بدفع الرياض لوقف القتال في جبهات مع الحوثيين، ووقف عمليات تحرير تعز وإب والبيضاء وصنعاء، على الرغم من قدرة الجيش اليمني على حسم معركة صنعاء وما تبقّى من مناطق خلال فترة لا تتجاوز الشهرين، وفق تصريحات لقادة في الجيش.
 
لم تعد العاصمة الإماراتية أبوظبي الداعم الوحيد لتمرّد الانفصاليين على الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، فالموجة الجديدة من التمرّد المسلح الذي بدأ من شبوة وانتهى بالسطو على 80 مليار ريال يمني (نحو 320 مليون دولار) من أموال المصرف المركزي في العاصمة المؤقتة عدن، تُدار هذه المرة من الرياض، عاصمة التحالف العسكري الداعم للشرعية التي تستضيف زعماء الانفصال منذ 20 مايو الماضي، ومنهم رئيس "المجلس الانتقالي الجنوبي"، عيدروس الزبيدي، وأربعة من قادة الصف الأول. مع العلم أن الهدف من الاستدعاء السعودي للزعماء الانفصاليين كان احتواء تمرّد عدن وما يسمى بـ"الإدارة الذاتية" للجنوب، إلا أنه بدا واضحاً أن التمرّد يتمدد برعاية ملكية هذه المرة.
 
ووفّرت الاستضافة السعودية، مزايا جديدة لـ"المجلس الانتقالي" لم تكن في المتناول عندما كانت قياداته مقيمة في أبوظبي، فعقد الزبيدي، سلسلة لقاءات مع سفراء الدول الكبرى لدى اليمن ووفود أممية، أوصل خلالها جملة من مطالب الانفصاليين، وعلى رأسها التشكيل الفوري لحكومة مناصفة بينهم وبين الشرعية. وخلال وجود الزعماء الانفصاليين في الرياض، واصل "المجلس الانتقالي" خطوات ترسيخ دعائم تمرّده المسلح والإجهاز على ما تبقى من مؤسسات الدولة، فشكّل سبع لجان اقتصادية للإشراف على المرافق السيادية في مختلف القطاعات،. وفي محاكاة للتجربة التي دشنها الحوثيون بصنعاء في الأسابيع الأولى للانقلاب عام 2015 بتشكيل ما سمّيت حينها "اللجان الثورية"، بدأ "المجلس الانتقالي" بالانقضاض على مؤسسات الدولة بذات الأسلوب. بالتالي ستكون لجانه الإشرافية بمثابة عمل وزاري، فيما يقتصر دور مسؤولي الشرعية على توقيع ما يتم إقراره من "المجلس الانتقالي" وتخصيص التمويل لهم،
 
وكما امتلك الشجاعة لتنفيذ عملية بهذا الحجم في حين توجد قياداته داخل السعودية، لم يتورع "الانتقالي" عن الإفصاح عن الأسباب الحقيقية التي دفعته للسطو، إذ كشف في بيان رسمي أن الهدف هو "تجفيف منابع الفساد وتفادي استخدام المال العام في دعم الإرهاب والإضرار بمصالح شعب الجنوب، من قبل بعض قيادات الحكومة اليمنية المتمرد على اتفاق الرياض .
 
وفي حين حاول "المجلس الانتقالي" التسويق بأن الهدف اقتصادي بحت ويتمثل بـ"الحفاظ على العملة المحلية من التدهور ومنع عملية إغراق السوق بعملة من دون غطاء"، أكدت مصادر حكومية لـ"العربي الجديد"، أن "المجلس الانتقالي يتجه لقطع رواتب الجيش اليمني الذي يخوض معارك معه في أبين وشبوة". ووصف "الانتقالي" القوات الحكومية المرابطة في أبين بأنها "إرهابية"، مؤكداً في بيانه أنه سطا على الأموال، بهدف "منع استخدامها في دعم الإرهاب والإضرار بمصالحهم"
 
 *كاتب يمني وسفير في الخارجية
 

التعليقات