عبدالوهاب العمراني

عبدالوهاب العمراني

كاتب يمني سفير في وزارة الخارجية اليمنية

كل الكتابات
سبتمبر ورمزيته بين انقلابين صنعاء وعدن
الثلاثاء, 01 سبتمبر, 2020 - 09:02 مساءً

في التاريخ اليمني الحديث والمعاصر للشهور رمزية ومفارقات سوى سبتمبر او مايو ، فهذا الأخير أعلنت فيه الوحدة وهو شهر حرب من اجل الوحدة ، كما روج إعلاميا لكن لم يستفيد من تلك الوحدة إلا نخب فاشلة وفاسدة في الشطرين #سبتمبر_المجد_وسبتمبر_السقوط
 
كما ان شهر يحمل معاني متناقضة في آن واحد فسبتمبر عنوان المجد وعنفوان الثورة ضد الكهنوت ، وسبتمبر نفسه يحمل معاني الانحطاط والردة وبداية مستنقع اليمن في غياهب الكهنوت .
 
في 21 سبتمبر القادم سيكون قد مضى  ستة سنوات من سقوط صنعاء المدوي ونحو خمس سنوات ونصف من بداء هذه الحرب العبثية التي بلا افق وتحول سياقها لحرب استنزاف لشرذمة اليمن وغدا دور الشرعية المرتهنة فقط لشرعنة حرب التحالف .
 
وعلى خلفية الذكرى الاولى لقصف طيران الامارات ثلاثمئة جندي بين قتيل وجريح وضمن يوميات الحرب لعاصفة العجز والتأمر يتلخص المشهد اليمني في التالي :
 
ترسْخ انقلاب صنعاء وعدد من المحافظات ، بل وتجذره بتواطئ العرب قبل العجم ، بينما تماهى التحالف في تهيئة سيطرة ما سمى بالمجلس الانتقالي على عدن وما حولها وكذلك جزيرة سقطره البعيدة من الصراع المفترض مع الحوثي وغدت ممنوعة لليمنين بينما تدخلها جيش اماراتية ويحط بها طيران الامارات عسكرية او مدنية دون اذن مسبق وقد حذر شيخ مشائخ سقطرة عيسى بن ياقوت من صمت وغياب الشرعية من ضياع أرخبيل سقطرى وإخراجها من السيادة اليمنية جراء صمت وضعف الشرعية وتغييبها كرهينة بارادتها في الرياض موضحا بأن   السعودية والإمارات أدخلتا إسرائيل إلى سقطرى ضمن عملية عبث تجري لفصل الجزيرة عن اليمن وقامت الدولتان طرفي التحالف  بإحداث تغييرات ديمغرافية في سقطرى وتدمير معالم البيئة.
 
في المقابل تم طرد قوات الشرعية من قبل الانتقالي وما يسمى بقوات الواجب السعودية لتسلم للامارات التي نظمت رحلات وتخطط لإنشاء قاعدة إسرائيلية وما ترحيب قيادة الانتقالي بتطبيع الإمارات مع الكيان الصهيوني إلا تأكيدا لتماهي خطط الإمارات وأدواتهم مع استراتجية اسرائيل في المحيط الهندي ومدخل باب المندب يتناغم ذلك لدور آخر للدولة العميقة بقيادة طارق نجل اخ الرئيس السابق الذي يسعى لفصل منطقة المخاء عن محافظة تعز.
 
وازاء كل هذا لا تحرك الشرعية ساكن وتلتزم الصمت وكأن التحالف والامارات قدرا مكتوبا على اليمنيين.
 
ويسعى الانتقالي المسنود من التحالف للسيطرة على شبوه المحافظة ، بينما يتغاضى التحالف عن طموحات ومحاولات الحوثي في السيطرة على مارب .
 
ووفق هذا السيناريو ليس مستبعد خلال اسابيع او اشهر قليلة تسقط كلا من شبوه بيد الانتقالي ومارب بيد الحوثي.
 
حينها سنقول: The game is over وذلك بعد تسليح الانتقالي واضعفت قوات الشرعية وشيطنته واتهمته بأنه جيش الاخوان المسلمين واصلاحي رغم ان قادة الاصلاح قابعين في الرياض رهينة كالشرعية واتهمته بالفساد او افسدته وهذا صحيح لكن التحالف نفسه فاسد ايضا وما تغيير قائد قوات التحالف مطلع سبتمبر الا في هذا السياق.
 
ولا ينقص الطرفين الانقلابيين سوى الشرعنة التي يسوغ لها اقليمياً ودوليا بحزمة من المشاريع التخريبية المفروضة على اليمنيين وكأن التحالف قدرا علينا.
 
في الذاكرة الجمعية اليمنية تستعاد اليوم بقوة حقبة سيطرة من دعم ثورة سبتمبر 1962 م وسجن اعضاء الحكومة اليمنية انذاك في القاهرة والتي تحملت السجن لعام كامل من اجل اليمن ، في حين الوضع اليوم اسواء فبينما كانت تلك الحقبة بعض من عناصر الحكومة وقيادات الجيش مسيطرة في الداخل بصنعاء بينما بعض رموزها خارج اليمن ، اليوم كل القيادة والاجهزة الحكومية مسيطرة عليها بين انقلاب صنعاء وانقلاب عدن.
 
والأمر اولا ونظريا وافتراضا بيد الرئيس وبداهة الى جانب قيادات الشرعية النائب ورئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة والاخيرين محسوبين الى جانب السعودية مع الامارات وكلهم في حالة ارتهان باقامتهم الطويلة الغير مبررة خارج الوطن لاكثر من خمس سنوات ، وفي مقارنة بالحالة الليبية التي تناضل من داخل الوطن وليست مرتهنة لدى اوردغان او حاكم قطر ولهذا فهي متحررة في قرارتها وبالتالي تتعدد خيارتها بعكس الحالة اليمنية التي وضعت البيض في سلة التحالف .
 
 والشرعية هي الحلقة الأضعف على الارض بعد ان كثر اعدائها وتكالبوا عليها كما يتكالب الأكلة على قصعتها.
 
 ثمة محاولة لتفخيخ اليمن بكل عناصر اللإستقرار، وجعل الأمل في عودة الحياة السياسية الطبيعية مستحيلاً. فقد انحرفت الحرب عن هدفها المعلن وكأن استمرارها فقط لتصبح نمط حياة يومية بمدى زمني مفتوح وبلا حدود وليس كأداة لحسم صراع يتعذر حسمة عسكرياً، وعلى هذا يبدو بأن ستشهد في الأيام القادمة تحالفات جديدة لكنها لن تكون على طريق الحل بل على طريق استدامة الحرب ، الأمر الآخر كأن التحالف يريد ان يثبت عملياً في تفاصيل يوميات الحرب بأنها حربا يمنية سعودية ويدحض ما أعلن بأن مسوغات التدخل لإعادة الشرعية وبهذا ليس فقط سيلتف اليمنيون مع طرفي الانقلاب بل وحتى مستقبلاً بعد ان تضع الحرب اوزارها بتسوية هشة يكون للميلشيات دورا أسياسيا حينها سيكون مجرد ترحيل للصرع لحرب تلد أخرى.
 
 فالذاكرة اليمنية وإيقاع الشارع اليمني سيتمحور في عقد من الزمن تدخلت السعودية وبعدها الامارات ليس فقط في التنكيل باليمن بالماضي والحاضر بل ولرسم مستقبلة ومن يحكم اليمن وهو يبقى موحدا او شطرين او تشرذم.
 
انذاك سيكون بركان حقد يغلي مثل المانيا بعد الحرب العالمية الاولى وغرس هتلر في العقلية الالمانية بأن الالمان عرق آري لا يقبل بالذل وهو الامر نفسه لميلشيا الحوثي التي سر قوتها ليس عنفوانها بل لضعف الطرف الاخر سوى الشرعية او التحالف واخطائهما.
 
وعلى الشرعية ان تستفيد من اخطاء النخب السياسية في حرب الستينيات وما حدث  لحكومتنا في ثورة سبتمبر في القاهرة من قبل جمال عبدالناصر والتي تكبدت عنا السجن لعام من اجل اليمن
  وعليه فأن أي تفريط من القيادة السياسية الى جانب السلطات الثلاث ولاسيما رئيس مجلس النواب " المحايد" في هذه الظروف الحرجة سيضعهم امام مسؤلية تاريخية وبداهة سيلعنهم التاريخ على خطى " ابو رغال" على مدى اجيال قادمة ولن يسامحهم في حال سلموا رقاب ثلاثين مليون لانقلاب الحوثي والانتقالي ببداية شرعنه الانتقالي.
 
  باختصار انتهت مرحلة المراوحة وسقطت الرهانات الخادعة ،  وبكل وضوح الشرعية اليوم امام اتهام الشعب اليمني حتى تثبت برأتها من تحالف الحصار والانفصال والتشظي .
 
*كاتب وسفير في الخارجية اليمنية
 

التعليقات