السعودية وتركيا واليمن
الإثنين, 23 نوفمبر, 2020 - 02:56 مساءً

حدث زلزال في مدينة إزمير التركية، فسارعت السعودية في تقديم المساعدات الإنسانية الإغاثية لها، ثم تبعها اتصال هاتفي بين الملك سلمان والرئيس التركي أردوغان لتنسيق الجهود والرؤية ضمن أعمال قمة العشرين التي استضافتها السعودية، تلاه اتفاق على إبقاء قنوات الحوار مفتوحة بين البلدين من أجل تطوير العلاقات وإزالة المشكلات العالقة التي أدت للتباعد بين البلدين، ووصل حد التراشق الإعلامي والمواقف السياسية المتضادة.
 
يأتي هذا التقارب في هذه المرحلة  التاريخية المعقدة، وهو ضرورة ملحة تقتضيها المصلحة الوجودية للسعودية وكذلك لتركيا، وهي بمثابة جدار واق من تبعات الأحداث الإقليمية والدولية المتسارعة والمدمرة لبعض الدول ومنها الشقيقين السنيين، السعودية وتركيا، لبناء كيان استراتيجي موحد في مقابل تحالف شيعي صهيوني يتزايد يوماً بعد يوم.
 
لكن هل من الممكن أن يتحقق هذا التقارب السعودي التركي بالفعل؟ وهل ستكون له نتائج كبيرة تخدم مصلحة البلدين، وتحقق مطامح السنة في بناء كيان استراتيجي سني قوي؟ أستبعد ذلك!
 
أي تقارب سعودي تركي لابد وأن يقود إلى تقارب سعودي قطري بالضرورة، لأن محور تركيا قطر (الكويت مؤخرا) لا يمكن فصله عن أي تقارب سعودي تركي، ولا يمكن تجزئته وذلك لأن تركيا هي الحليف القوي والمؤتمن لدولة قطر، وقد أثبتت الأيام والتجارب أن تركيا لا تتخلى عن حلفائها الصادقين معها مهما كان الثمن.
 
طبعا بلا شك أن هذه شطحات أمنيات لن تتحقق في المنظور القريب وذلك بسبب التباعد الأيدولوجي العملي الذي يعتمد عليه البلدان في سياساتهما الداخلية والخارجية.
 
فالسعودية حاملة لواء الإسلام السلفي المدخلي الجامي المطبل للحاكم، المتفلت من عقاله الأخلاقي، وعدوة الإسلام الحركي المتمثل بالإخوان المسلمين، بينما نجد تركيا على عكس ذلك تماما، فهي المتهمة بالأخونة، ودعم الإخوان، إضافة إلى ذلك دعم المستضعفين في العالم الإسلامي، وكلاهما لا يريد التخلي عن سياساته مع الإسلاميين.
 
وهنا نقول أنه لا يمكن بحال التقاء التضاد، الزيت بالنار، والعقل بالغباء السياسي!
 
فمن غير المحتمل أن تنقلب السعودية على سياساتها الخرقاء ضد الإخوان، فهذا إن تم فهو سيعني التحول الجذري لكل ممارساتها اللاأخلاقية و المتغطرسة والفاشلة مع الدول، ومع المعارضين والإسلاميين الحركيين بالذات، وهو أمر مستبعد، وبل ومستحيل على الأقل في الوقت الراهن، في زمن عجلة وصل فيه التطبيع الكامل مع الكيان الصهيوني إلى أعلى مراتبه.
 
أي تقارب سعودي تركي سيعني بالضرورة انفراجة للوضع العربي في شبه الجزيرة العربية أولاً، وهذا سيكون له تأثير حتمي بالغ من شأنه أن يغير المعادلة على الساحة اليمنية والإقليمية، والحسابات الدولية في المنطقة، يكون الإخوان المسلمون طرفا رئيسا فيها.
 
بالطبع هذه ليست سوى أمنيات كما قلت سابقا، وتنبؤات وتحليلات تعتمد الواقع أساسا، والتحركات السعودية الحالية نحو تركيا منطلقا، لكنني في الحقيقة أشك في تحققه بالأصل لثلاثة أسباب:
 
أولها: أن القرار السعودي مرتهن وغير متحرر من بريطانيا وأمريكا كالقرار التركي، وفاقد الشيء لا يعطيه بالأصل.
 
وثانيها: أن تركيا تنطلق في تعاملاتها من مبدأ السيادة والمشاركة مع الآخر في معاملته كشريك لا يقبل الضيم ولا العبودية ولا التعالي، وهي سياسة مغايرة للنهج السعودي الذي يعتمد على المال في التأثير والسيطرة على الحلفاء.
 
وثالثها: أن تركيا أردوغان تدعم الإسلام الحركي، بينما السعودية تدعم الإسلام المنبطح.
 
أما بخصوص اليمن فإني أراه من منظور آخر تماما، فتركيا قادمة إلى اليمن رغم أنف التحالف وبقوة، وليس بوسع السعودية إلا أن تمد يدها إلى تركيا لاحتواء تدخلها القوي المحتمل من جانب، ولتجنب الخسارة الفادحة التي ستصيبها بسبب التدخل التركي من جانب آخر، خصوصا أن ما حدث في الصومال وليبيا وقبرص واذربيجان واليونان وحوض البحر المتوسط، وآثارها ماثلة للعيان. فتركيا اليوم غير تركيا الأمس، فلقد تحولت إلى اللاعب رقم واحد في القضايا الدولية والإقليمية، مما يعني أنه لا خيار آخر للسعودية إن أرادت النجاة بنفسها من طواحين الأزمات والضربات المتلاحقة التي تصيبها إقليميا إلا التقارب مع تركيا القوية، ولو من باب تخفيف الأضرار، وبالخصوص في حربها الغير مباشرة ضد إيران الشيعية في اليمن، ويحد من مطامعها في المنطقة.
 
ستوافق السعودية على التدخل التركي في اليمن مرغمة، وستدعمه، فهو لها كطوق نجاة وإنقاذ من المستنقع اليمني الذي ورطت نفسها فيه، وهو مطلبنا نحن كيمنيين للخروج من هذه الحرب المدمرة لكل ما هو يمني، ولعله يصيبنا من الخير ما أصاب من سبقونا من خير تركي جديد.
 

التعليقات