عبدالوهاب العمراني

عبدالوهاب العمراني

كاتب يمني سفير في وزارة الخارجية اليمنية

كل الكتابات
تصنيف الحوثي حركة ارهابية جاء متأخراً
الثلاثاء, 12 يناير, 2021 - 10:04 صباحاً

 قبل أيام من نهاية ولاية ترامب تنوي واشنطن إضافة الحوثيين على قائمة الجماعات الارهابية.
 
في حين مضت ما يقارب الست سنوات ولم تحرك الإدارة الأمريكية ساكنا فهي تساند التحالف لوجستياً وبصفقات الأسلحة وفي الوقت الذي اعتبرت حزب الله وجماعات شيعية عراقية أخرى حركات إرهابية بينما كل هؤلاء الى جانب الحوثيين هم اذرع إيرانية ويعزى ذلك بالنسبة لأمريكا ان الأخيرة تريد ابتزاز دول الخليج لمزيداً من صفقات الأسلحة ولاسيما في عهد ترامب في الأربع سنوات الماضية .
 
يتسائل الكثيرون اين كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة إزاء جرائم الحوثي خلال أكثر من عقدين من الزمن وتحديدا سنوات الحرب الدائرة حالياً .
 
ارتكبت ميلشيا الحوثي جملة انتهاكات بجرائم متنوعة عانى منها اليمنيين بقصف المدنيين واستخدموا اغلب أنواع الأسلحة المتوفرة لديهم للتنكيل باليمنيين من ضمنها أكثر من مليون لغم.
 
اختطفت وقتلت المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين، والزجّ بهم في السجون، فضلا عن تجنيد آلاف الأطفال في جبهات القتال، كلها جرائم تؤكد أن سلوك الحوثي لا يختلف كثيرا عن سلوك القاعدة وداعش.
 
وقبل ان نلوم الموقف الغربي والأمريكي تحديدا نلوم فشل سياستنا الخارجية وإدارة الحرب لدى الحكومات اليمنية المتعاقبة وكذلك التحالف الذين يستجدون الحوثي للمفاوضات ويلوحون بأنهم لن يحسموا الحرب عسكريا ويتماهوا مع ضغوطات المجتمع الدولي كما حدث في معركة تحرير مينا الحديدة ونتج اتفاق استوكلهم الذي كان في صالح الحركة الحوثية وجمد فكرة الحسم العسكري .
 
إجمالاً القرار كان منتظرا منذ الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وكانت منظمات غير حكومية وهيئات دولية تخشى أن يعمد ترامب بعد هزيمته إلى تسديد ضربة دبلوماسية لإيران قبل انتقال السلطة إلى جو بايدن.
 
تصنيف الولايات المتحدة لجماعة الحوثيين منظمة إرهابية أجنبية سيحد من التواصل الدبلوماسي الغربي مع جماعة الحوثي، في مقابل ذلك سيكون لدى الحوثيين مجال أوسع للمماطلة وتجاهل المناشدات الدولية لتقديم تنازلات لإنهاء الحرب، وربما إيقاف المفاوضات مع الحكومة اليمنية التي ترعاها الأمم المتحدة
 
تصنيف الحوثيين جماعة إرهابية هو في الجملة قرار ملغوم وقد يعقد الأزمة اليمنية وفي افضل الاحوال تبقى تراوح في حالة اللاحرب واللاسلم
 
بداهة يشكل إعلان مليشيات الحوثي جماعة إرهابية تطوراً جديداً في الأزمة اليمنية، وهو ما قد يضع التعامل الدولي مع هذه الجماعة من جانب الأمم المتحدة ومبعوثها الرسمي لليمن في تحدٍّ جديد، في حال أعلن الحوثيون وقفهم أي تفاوضات مع الحكومة اليمنية.
 
لكن في المقابل فإن الجانب الإنساني هو أكبر المتأثرين من القرار، ويضع على عاتق المنظمات الدولية والدول الكبرى ثقلاً كبيراً، مع وصف الأمم المتحدة ما يحدث في اليمن بأنه أكبر أزمة إنسانية في العالم
 
وسبق أن حذَّرت منظمات دولية، وفي مقدمتها "هيومن رايتس ووتش" من تداعيات أي تصنيف أمريكي، وقالت، في تقرير صدر اواخر العام المنصرم
 
ملايين اليمنيين باتوا على شفا المجاعة بالفعل، والتحركات الأمريكية التي تتداخل مع عمل منظمات الإغاثة ستكون لها تداعياتٌ كارثية
 
الحوثيون ميليشيا نفذت تمردا داخليا وليسوا منظمة إرهابية عالمية، حسب الرؤية الأمريكية خلال السنوات الماضية ، لكن بعد ما يقرب من 6 سنوات من الحرب، أصبح الحوثيون وإيران أقرب من أي وقت مضى، حيث يتبادلون السفراء والتدريب في ساحة المعركة.
 
اليمن ليس بحاجة إلى تصنيف إرهابي آخر، ولكنه بحاجة إلى نوع من الدبلوماسية الإبداعية والاستباقية التي غابت في عهد إدارة "ترامب"
 
في هذا السياق فأن مراقبين سياسيين متابعين للشأن اليمني يرون ان السعودية التواقة لقرار كهذا منذ سنوات، يبدو أن إدارة ترامب تسعى من وراء تصنيف الحوثيين ضمن قوائم الإرهاب، إلى حشر إدارة بايدن العتيدة، وتسليمها تركة ثقيلة وتعقيد الحل السياسي. بالتالي سيكون صعباً عليها شطب الحوثيين من لائحة الإرهاب سريعاً، في حال أرادت وقف حرب اليمن.
 
من مسوغات واقع الحال يبدو انه لن يعود بالضرر الكبير على الحوثيين، كونهم عملياً تحت الحصار وعلاقاتهم الخارجية محدودة، ولا تعاملات مالية واضحة ورسمية لهم مع العالم الخارجي. بل ومعظم العمليات المالية للحوثيين تتم بشكل سري عبر قنوات خاصة توفرها إيران والأطراف الدائرة في فلكها
 
وفي رؤيتي المتواضعة أرى ان هذا القرار لن يغيّر من واقع العمليات العسكرية على الأرض ولن يُضعف الحوثيين كثيراً، غير أن معظم سكان اليمن ستزداد معاناتهم بسببه، وستزيد كلفة استيراد السلع الغذائية والتحويلات النقدية. كما أن اليمنيين في الخارج سيتعرضون لمزيد من التضييق حال رغبتهم في السفر وفتح حسابات مصرفية، فكل يمني سيصبح متهماً بأنه حوثي أو متعامل مع الحوثيين حتى يثبت العكس
 
ستصبح جميع الشركات والمصارف التي تقدم الضرائب والجمارك للسلطات الحوثية بأنها "داعمة للإرهاب". ويتوقع مراقبون تكيّف جماعة الحوثيين، في حال صدور القرار مع الأمر
 
خيار أمام المجتمع الدولي في هذه اللحظات، إذا ما رغب في إنهاء أزمة اليمن، فإما القبول بالعودة إلى طاولة الحل السياسي، أو يتبلور موقف دولي واسع بممارسة الضغط العسكري لإرغام الانقلابيين على تلك العودة.
إذا افترضنا جدلا بأن هناك جدية أميركية في تصنيف جماعة الحوثي منظمة إرهابية فهذا لن يؤثر كثيرا على وضع الحوثيين بل سيعطي لخطابهم الإعلامي بعض المصداقية كونهم سيقولون بأنهم مستهدفون من الولايات المتحدة والتي يتهمونها بمحاصرة الشعب اليمني ودعم التحالف واستهداف محور المقاومة.
 
تصنيف الحوثيين حركة ارهابية سلاح ذو حدين فأن احسن استخدامه بعيداً عن تدليس التحالف ومراوغته المعهوده وكذا في حال افترضنا حرص الادارة الامريكية الجديدة فأن ذلك قد يساهم في سرعة الحسم او الضغط العسكري والسياسي على الحوثيين
 
ولكن يضل هذا مجرد تمنيات مفترضة ففي عالم السياسة التمنيات شئ والواقع شئ آخر .
 
هذا التصنيف لن يؤثر على واقع الحوثيين ولن يحد من أنشطتهم خاصة أن الجماعة تستمد قوتها من الداخل اليمني من خلال سيطرتها على أرض الواقع في شمال اليمن واستخدام إمكانيات الدولة ومواردها، والدليل على ما نقول هو أن واشنطن صنفت حزب الله اللبناني منظمة إرهابية كما صنفته بعض الدول الأوروبية بصفته منظمة إرهابية ومع هذا فالحزب يواصل أنشطته وتحالفاته في لبنان وكأن شيئا لم يكن.
 
وتصنيف الحركة الحوثية كإرهابية لن يضيف إلى أدبياتها شيئا يذكر، فهي إرهابية المنشأ والجذور، وحركة التشيع بشكل عام هي انتقام من التاريخ ومن الإسلام الذي قضى على إمبراطورية الفرس، التي بدأت بستار مظلومية آل البيت والبيت منهم براء، وانتهت بمظلومية الشيعة في كل مكان
 
* كاتب وسفير في الخارجية اليمنية
 

التعليقات