سلطان الصريمي كشاعر غنائي كبير وشخصية وطنية
الإثنين, 20 ديسمبر, 2021 - 08:53 مساءً

مع تباشير العام 1990 تعرفت على د سلطان الصريمي ،وجها لوجه، في منزل العزيز ابراهيم سعيد الشيباني في شارع هائل بصنعاء ، كان ذلك قبل الوحدة بقليل. لم أزل أتذكر حضوره للمقيل حاملا جزئيين من رواية "مدن الملح" للراحل الكبير عبد الرحمن منيف ،التي كانت حينها حديث المثقفين والأدباء، وكانت مناسبة لي لفتح حديث معه في أول لقاء، متسلحا بجملة أفكار "ساذجة" كونتها  من قراءتي العجولة للعمل الروائي في تلك الفترة الباكرة .
 
قبل ذلك كنت أعرفه جيداً كمبدع كبير وشخصية وطنية عالية القيمة والدرجة، وقصائده التي غناها كبار الفنانين اليمنيين لم أزل اعتبرها  ،حتى الأن، حصيلة مهمة في سنوات التكوين الأولى، فمع قصيدة "نشوان" التي لحنها وغناها الراحل الكبير محمد مرشد ناجي كنا نتماهى مع الحلم السياسي القادر على تغيير الواقع ، وغدت الأغنية أيقونة للفن المقاوم للاستبداد، ومع قصائده الكثيرة  التي غناها الفنان عبد الباسط عبسي ، والتي بدأت مع" عمتي " التي أعادت تلخيص موضوع الهجرة بوصفه موضوعا اجتماعيا واقتصاديا خالصا بحساسية شعرية رائدة، وتواصلت على مدى أربعة عقود مع عشرات النصوص الخلاقة  مثل  "عروق الورد"  و"باكر ذري" و " خضبان" و " ورود نيسان"  و"وراعية" وغيرها من القصائد المغناة الجميلة  ، صرنا نعي ماذا تعني المتلازمة الحية بين الانسان والأرض . ومع قصيدة " تَلِيم الحب في قلبي" التي لحنها وغناها الفنان ايوب طارش  صرنا نبصر العاطفة وهي تتقطر شجناً شاهقاً.
 
(تهنيتك وغنينك غُنى/ أنا المحروم من خمر الوجن/ ومن بعد التلاقي والهناء/ رمى بي الحب في بحر المحن/ تهدابي لأمواج الضنى/ أخذ قلبي وسيَّبلي الشجن/  يُقهِّدني ويُسقيني المنى / عطش يجري بروحي والبدن).
 
عن تجربته الرائدة في كتابة النص الغنائي التي التمت في وقت مبكر من سنوات الثمانينيات في مجموعة أولى أسماها  "هموم ايقاعية" كتبت بعد أكثر من عقد ونصف من لقائي الأول به ، أي عام 2006،  عن الشيء الكثير الذي أضافته هذه التجربة  لكتابة الشعر العامي في اليمن والتجديدات التي اقترحتها ، واعتبرت في القراءة التي حملت عنوان " الصورة انزياحات لغوية وفنية" إن الصورة الشعرية في هذه التجربة تلقائية عفوية تتولد من أحشاء النص ولا تُقسر عليه، وإن القصيدة بشكل عام  تجاوزت  في بعض مراحلها حضور النص المكتوب خصيصا  ليغنى ، الى تلك النصوص التي قدمها كخلاصة لتجربة ورؤية وموقف ،ومع ذلك لم تعدم  مثل هذه النصوص بصورها الباذخة من الوصول الى نوتات الملحنين وحناجر المغنيين ، وكنت أعني قصيدته الطويلة  " أبجدية البحر والثورة" التي صدرت هي الأخرى في كتاب ، والتي أدتها فرقة "الطريق العراقية" بعدن.
 
(2)
 
لا يذكر اسم سلطان الصريمي  كشاعر غنائي كبير الا ويذكر معه الفنان المختلف عبد الباسط العبسي، الذي شكل معه ثنائيا فريدا ابتدأ مع أغنية  "واعمتي منو شقول لمسعود" ، التي ظهرت مُغنَّاة أول مرة في مدينة الحديدة أوائل سبعينيات القرن الماضي" 1972"  ، فصارت وقتها  انجيلا  للنساء في القرى اللواتي عانين من قسوة فراق الأزواج بسبب الهجرة والاغتراب، التي كانت حينها واحدة من تعيينات المعضلة الاجتماعية مع  متلازمة الفقر، الذي يقود الى الهجرة القاسية، والتي قد تكون سببا في اختفاء الأزواج ، الذي يتحول مع الوقت الى شقاء مضاعف في حياة الزوجات الشابات ، فلا يمتلكن من جرائها سوى الشكوى المريرة التي تختصرها هذه الأغنية ، التي تتوجه بها الزوجة للعمَّة.
 
وطوال تاريخ التعاون الفني الطويل  بينهما أنتج الإثنان عشرات الأغاني  التي كتبت وغنت للطبيعة والإنسان بصوت عبد الباسط الدافئ والمعبِّر في آن ، ومن أكثرها انتشارا أغنية   "يا ورود  نيسان يا شذى حبي" وأغنية  "يا خضبان وردك جماله ثاني " وأغنية " باكر ذري " وأغنية  "يا نور أحلامي " وأغنية "عروق الورد مستني رعودك"  وأغنية  "متى وراعيه شمطر  وأغنية "حنين الأرض يا سلمى"  وأغنية " يا هاجسي " وغيرها و غيرها الكثير.
 
(يا ورود نيسان يا شَذى حُبي / ريم من ظمران قد سبى لُبي / واعتلى الفتان عرش في قلبي / ليتني جنبه انتشي والعب / من صفا حبه ارتوي واشرب/ اغتنم قربه ليتني يارب / من فراق الخِل اقتلي واذوب يانسيم عَجِّل شُل للمحبوب/  فُل من باجِل والجواب مطلوب / البُعاد يُبري أضلع العشاق /آه لو يدري كم أنا مشتاق/ دمعتي تجري ترسل الأشواق / منتظر للخير والبلاد ساقي / والمطر يُندي لحنِ أشواقي/  منيتي يا ريم يوم نتلاقي ).
 
وهي أغان "كما تدل عليها العناوين" تستلهم من الطبيعة والأرض والجمال موضوعاتها الفنية، وتعبِّر عنها بألحان عذبة بسيطة ، كما هي الطبيعة البسيطة والجميلة التي جاءا منها (الفنان والشاعر)، وقبل ذلك تعبِّر عن صدق انتماء الشاعر والفنان  للأرض والانسان ، حين يتجلى أحدهما كفلاح، أو عاشق ، أو حالم كبير.
 

التعليقات