جرت، في الأيام الأخيرة الماضية، أحداث لافتة تقاطعت فيها ثلاث دوائر، يمنية، وإقليمية، وعالمية.
كان المفجّر لهذا التداخل ضمن الجغرافيا اليمنية، على ما تشير الوقائع، هو بدء حالة تراجع في قوة الحوثيين، وتقدّم، في المقابل لقوات الجيش اليمني، المدعوم سعوديا، وميليشيات «لواء العمالقة» المدعومة إماراتيا.
دفع التقدّم، النسبيّ، للقوات المناهضة للحوثيين، إلى ترتيب الأخيرين هجوما كبيرا بالصواريخ والمسيّرات استهدف مواقع مهمّة في أبو ظبي ودبيّ، وبدلا من الامتثال للتهديد، تابع الحوثيون هجماتهم، وهددوا بقصف معرض أكسبو دبي «ما لم توقف الإمارات العدوان» على حد قول متحدثهم العسكري يحيى سريع.
في مواجهة الهجمات التي تتابعت، بدأت آلة الإمارات السياسية بالتحرّك على أكثر من صعيد سياسيّ وعسكري ودبلوماسيّ، وكانت زيارة الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هيرتسوغ، مناسبة لإعلان تل أبيب تقديم دعمها العسكريّ والتقنيّ لمواجهة هجمات الحوثيّ، ومشاركتها في مناورات بحرية شاركت فيها دول عربية لا ترتبط بعلاقات تطبيع معها، بينها سلطنة عُمان والسعودية والسودان واليمن.
بطريقة لإثبات وجودها، أدانت واشنطن الهجمات وأقرت بضع عقوبات على الحوثيين، وتبع ذلك إعلان تصدّي قواتها البحرية في الخليج لإحدى الهجمات وتحريكها مدمّرة بحرية مسلحة بصواريخ موجهة وطائرات مقاتلة إلى الخليج، وانضمت فرنسا إلى قائمة الداعمين، وقالت إنها ستساعد حليفتها الإمارات على ضمان أمنها الجوي.
هنا حصلت نقلة عسكرية غير متوقعة، وذلك بإعلان ميليشيا عراقية تسمي نفسها «ألوية الوعد الحق» التي يُعتقد أنها مرتبطة بإيران، تبنيها هجوما جديدا على العاصمة الإماراتية، الأربعاء الماضي، بأربع طائرات مسيرة.
سارعت أبو ظبي، بعد الحدث الأخير، إلى الاتصال بطهران، وحسب نسخة وكالة الأنباء الإماراتية عن الواقعة فإن وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، ندّد بهجمات الحوثي على بلاده وطالب نظيره الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بـ«وقف التصعيد الخطير في المنطقة» أما «وكالة أنباء فارس» الإيرانية فقالت إن عبد اللهيان أكد لنظيره الإماراتي أن «استمرار حرب اليمن واتساع دائرة المعارك لا يصب في مصلحة أي طرف» وترجمة بحث الوزيرين لـ«القضايا ذات الاهتمام المشترك» على حد تعبير وكالات الأنباء، بالتالي هي أن الهجمات على الإمارات ستستمرّ ما لم يتوقف الضغط العسكري على الحوثيين في اليمن!
الحدث المفاجئ التالي جاء أيضا من العراق وذلك في تصريحات لمقتدى الصدر، زعيم التيار السياسي الشيعي، الذي وصف تنظيم «ألوية الوعد الحق» (من دون أن يسميه) بـ«جهات مسلحة إرهابية» وبـ»خارجين عن القانون» معتبرا ما قامت به زجا للعراق بحرب إقليمية خطيرة «من خلال استهداف دولة خليجية بحجة التطبيع أو بحجة حرب اليمن».
يمكن اعتبار حديث الصدر موجّها، عمليا، نحو طهران، ولقائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني إسماعيل قاآني، والمقصود الواضح منه هو رفض تحجيم العراق ليصبح أحد أدوات إيران في حرب اليمن، وحلّ المشاكل بين الدول العربية (وعلى رأسها السعودية والإمارات) وإيران من دون استخدام الجغرافيا العراقية كبيادق يمكن استخدامها من دون اعتبار لمصالح العراقيين أنفسهم، ومن دون استشارتهم حتى.
من غير المعروف إن كان توقّف هجمات الحوثيين على الإمارات في اليومين الأخيرين هو استراحة مؤقتة، أم أنه قرار إيرانيّ بالتهدئة، أو هو إقرار بأن تكبير اللعبة الإقليمية لتشمل العراق، بعد الإمارات، سيؤدي لردود أفعال معاكسة يصعب احتواؤها، سواء من المنظومة الغربية (إضافة لإسرائيل التي عقدت اتفاقا أمنيا مع البحرين أيضا) او من قبل القوى العراقية الوازنة، وعلى رأسها التيار الصدري.
حصر النزاع داخل اليمن، حسب ما توحيه تصرّفات طهران، قد يضعضع المشروع الحوثي بعد صعوده الكبير، أما رهان توسيعه نحو الإمارات والعراق، فأدّى إلى إعادة نظر أمريكية في الموقف من الحوثيين، وإلى تكثّيف الوجود العسكري الغربيّ، والأمنيّ الإسرائيلي، في الخليج، وكلا الخيارين صعبان، ما يذكر بالبيت الشعري العربيّ الشهير: وسوى الروم خلف ظهرك روم، فعلى أي جانبيك تميل؟