نتحمل جميعا مسؤولية تفشي الفساد وتجذر الظاهرة الحوثية مثلما رضخ اغلب اليمنيين الخطاب الديماغوجي البرجماتي للرئيس الاسبق فالفرق بين السئ والاسواء ان فساد الامامة المستحدثة بأسلوب فظ جلف وبنظام شمولي في حين فساد الزعيم ناعم تماهى مع سيكولوجية الجماهير وهنا تكمن خطورة تلك المرحلة التي اسست لما نحن فيه بداء بالايدي الامينية وحتى سقوط صنعاء على اسنة الرماح الحوثية وعودة الامامة بسلاح الحرس الجمهوري نفسه !
فمثلما تكونوا يولى عليكم وقد قال مالك بن نبي المفكر الجزائري : "التاريخ قد عودنا ان اي شعب يستسلم للنوم فأن الله يسلط عليه سوطاً يوقضه "!
فالاستبداد السياسي هو الانفراد بالسلطة، ومعنى استبد به: أي انفرد به ويكتسب الاستبداد معناه السيئ في النفس من كونه انفراداً في أمر مشترك، فإدارة الأمة وولايتها تعود إليها برضاها، فإذا قام أحد وغلب الأمة وقهرها في أمر يهمها جميعا، وانفرد بإدارتها دون رضاها، فقد وقع في العدوان والطغيان.
سيقول قائل بمقولة ما اسهل الحرب على المتفرجين وهو مثل يمني كناية عن من ينظر للثورة من برجه العالي وهذا صيح فمن يجرؤ على الكلام لكن على الاقل لا تصفق للفساد ومغتصب السلطة من اجل مصلحة آنية.
الشعب الذي يرضى بمغتصب السلطة تحت مسمى سلطة الامر الواقع هو شعب يستحق كل ماعاناه ولكن ماذنب الاغلبية، فالأمر مقصود به النخب والذي يصفق للمنتصر، اما من لاحول ولا قوة فهو على الاقل اكثر نضالا من وطني اخر خارج الحدود لانه في مؤمن من جبروت الظالم.
وقد اكد ابن خلدون هنا على حتمية العدل وتجنب الظلم الذي يؤدي بالمجتمعات ويخرب العمران.. فالشريعة أو القانون عنده هي ضمان للعدالة بين الناس إذا ما تحققت تحقق بها عز الملك، وعز الملك لا يتحقق إلا بالعمارة، ولا سبيل للعمارة إلا بالعدل، وأن العدل عند ابن خلدون مفروض بحكم إلهي.. وهكذا صمم ابن خلدون نظرية العمران للمجتمع على أنه مجتمع الحكومة والرعية؛ الدولة والمجتمع لبناء الحضارة وتعبيرها المدينة.
لولب الصراع في اليمن هو بين اقلية سلالية عنصرية خرجت من كهوف التاريخ الاسود وبين الكرامة الوطنية لا يمكن ان تنفصل عن الكرامة الشخصية ، ذلك ان احساس المواطن بالغبن او والفساد او بغياب العدالة والمساواة.
لقد بلغ منا اليأس مبلغا تشرذمت على جنباته أحلامنا وانكسرت أمانينا، وبسط ذلك ليس بالتشاؤم المفرط لدرجة اقتناع البعض بالواقعيه المفطرة بأبشع صورها والتفكير بسبل غير منطقية للخروج من هذه المحنة.
فتقزمت احلامنا وانحصرت في ايقاف هذه الحرب العبثية وبأي ثمن حتى الحلول الانسانية وليس الحل الشامل اصبحت بعيدة المنال
في رصدنا للمشهد اليمني اليوم بعد كل ماجرى ويجري ينبغي ان تأتي الحلول بقدر الاوجاع ومعرفة مكامن الخل والخطاء من اسلوب قيادة المرحلة منذ نحو عقد من الزمن وتحرير القرار اليمني وبالتالي نتحدث عن السيادة.
وما سمى بالمجتمع الدولي وكذا الامم المتحدة التي فرضت البند السابع وسنت وسلبت قرار السيادة اليمنية الذي تماهت معه شرعية الرئيس هادي وحاليا الرئيس الذي نصب عبر الرياض ليسوا مع هموم والآم اليمنيين وبأموال ممالك النفط استحوذت على النخب السياسية الحاكمة في اليمن وغير الحاكمة وهو الامر نفسه احتوت ضمائر المنظمات وقادة دول ومن هنا فالعالم لم يعد يحترم الشرعية وبالتالي اليمني البسيط المتسكع في مطارات العالم بحثا من ملجاء آمن ولقمة عيش وذرة من الكرامة.
وبداهة قد تكون الحالة التي تعيشها الأمة والشعب اليمني تحديدا بل الواقع الذي نعيشه من بؤس وفقر وحالة مستشرية من الذل والهوان والعبودية هي نتاج أزمات حكم وانظمة حكم مستبدة تعاقبت على التنكيل باليمن على مدى عصور.
وأصبحت جزءا من ثقافتها وتعدت دورها فأصبحت تقليدا وعادات من الصعب الإنفكاك منها،فمثلا تقديس الحاكم والهالة والتبجيل المصاحب له شعبيا وأن لا أريكم إلا ما أرى ولا أهديكم الا سبل الرشاد أصبحت عنوانا متوارثا للسياسة القائمة في الأوطان، وكذلك نصوصا دينية وأحيانا دنيوية من يخرج عنها أو يبدي رأيا فيها يعتبر زنديقا خارجا من الملة.لقد مر على الأمة حركات تنويرية متعددة كان يقودها المتنورين والمفكرين من ابناء الأمة لكنهم لم يستطيعوا تجاوز ما كان مألوفا عند الشعوب ومما كان يرسخه الكهنة من طقوس دينية وما تكرسه السلطات المستبدة وتبثه خدمة لأغراضها السياسية، لذلك كانت هذه الحركات توئد في مهدها في كثير من الأحيان أو تتسبب في إنشغال الدولة في انتكاسة حضارية كبيرة.
لا يدرك الكثيرون بما فيهم الحاكم المستبد بأن الظلم يسلب كلاً من الظالم والمظلوم حريته. إن المرء قد يصل في لحظة معينة إلى الإيمان بأنّ مصدر الظلم لم يعد في الخارج بل في داخله هو نفسه.
كثيرًا ما نتكلم عن الفاسدين والطغاة والمستبدين ولا نتكلم عن هؤلاء المتفرجين الساكتين رغم أن الظالم لم يكن ليتمادى في ظلمه وطغيانه إلا بسبب هؤلاء المتفرجين الساكتين، لقد درج الأمر على أن يتجه الغضب واللوم إلى الظالم والمستبد دون أن نتعرض لهؤلاء الذين تقوى الظالم والمستبد بسكوتهم وتشرذمهم.
إن استمرار الاستبداد مرهون باستمرار الوهن وفقدان المجتمع لعافيته في المقاومة والبقاء في مواقع المتفرجين، لذلك تسعى نظم الاستبداد والطغيان إلى تفريغ وتصفية طاقات المقاومة لدى المجتمعات، والاستقواء عليها وقهرها عبر أساليب القمع المختلفة التي جعلت مقاومة الظلم والاستبداد أمرًا مكلفًا للغاية ويفوق قدرة احتمال الكثيرين.
فالعدوان، الذي يردده اعلام سلطة الامر الواقع الحوثية يفترض بداهة ان تفهم في مفهوم اشمل وهي عدوان وتنكيل مزدوج عدوان الداخل والخارج.
وان يفهم اليمني الغيور بأن احتلال الأرض، والعبث بالعرض، والتهجير، والتصفية العرقية، واستمرار استنزاف الثروات، والاستئثار بها وسرقة الخبرات، ومساندة أنظمة الاستبداد السياسي والدكتاتوريات، تحت شتى المعاذير، والعبث بالمناهج التعليمية وتطويعها واستخدامها لزرع حواس الخنوع والذل، وحذف الكثير من نصوص الوحي النبوي، التي تدعو للمجاهدة، باسم تجفيف المنابع، وتحويل عالم المسلمين إلى مخافر أمنية، واحتلال إعلامه، وإقصاء شعوبه عن مراكز القرار، وتحدي عقيدته، واستلاب ثقافته.
المتاهات الأيديولوجية واقحام الدين في تفاصيل حياتنا هي رغبه كهنوتية ديماغوجية صرفه وبرجماتية فجه.
وكانت أحد أهم عوامل إنحراف البوصلة للوصول للأهداف الاستراتيجية المرجوة للأمة. إن الخيار المطلوب والذي أصبح مطلبا ملحا خارج الابعاد والمتاهات التي ذكرناها أعلاه يتمثل في الوصول للخيار الديموقراطي ولن يكون ذلك الا بأن يصلح النظام السياسي نفسه ويغير التهج السياسي في ادارة الدولة بحيث تستبعد الوصفة المستبدة في اتخاذ القرار اولا وبالتشريع القانوني والدستوري الذي يؤسس لدولة المؤسسات والقانون ثانيا.
.ولو نظرنا لتطبيق القيم الاسلامية في الدول والمجتمعات لوجدنا ان تطبيقها يتناسب طرديا مع الديموقراطية فقيم العدالة والحرية نجدها في المجتمعات الكافرة لا بين الامم المؤمنة وهذا مؤشر خطير يدعو للتشكيك بهذه القيم لدى ضعاف النفوس.
لا وَطن بدون كرامة، ولا كرامة لوطن بدون كرامة أبنائه، وما لم يكن للمواطن كرامة لا تتوقع أن يحترم الآخرون بلدنا وإنساننا. عشت في عدة دول ورأيت بعيني كيف أن السلطات مؤخرا لا تحترم اليمني ، لسبب بسيط هو أن الحكومة آنذاك لا تحترم اليمني داخل وطنه بل تسرق حقوقهم وتغرقهم بالجبايات وتصادر املاكم لابتزازهم
والوطن هو كرامة يشعر بها من يعيش فيه وبالتالي فانه يتمسك بسيادة بلده حرصاً على كرامته. والكرامة لا تأتي فقط باحترام الانسان ومعاملته باحترام في الدوائر الحكومية، انما في توفير سبل العيش الكريم والآمن.
نحتاج الى وعي بأن الانسان هو الأساس، وكرامته هي أساس المواطنة، والوطن هو كرامة في الداخل تؤسس لكرامة في الخارج فلا قيمة ولا كرامة لوطن لا يُكَرّمُ مواطنيه.
ومعلوما ومن خلاصة تاريخ الامم بأن الانسان اذا استمر في العيش بذل سيمرر مهانته للاجيال اللاحقة وسيصير الذل وكأنه طبع موروث ملازم له.
ومن هنا سيدرك عقلاء الانقلاب سواء في صنعاء او الانقلاب المستنسخ في عدن بتواطئ التحالف بأن الاستهتار بمقدرات الشعوب لن يدوم .
ولعل الغدر بزعيم الفساد الذي جثم على صدورنا لثلث قرن من الزمن سيكون عبر فحال مريديه ومناصرية من الغوغاء اليوم كالأيتام على موائد اللئام.
ولعل الاعلام اليمني حتى المحسوب على الشرعية يروج لمفاهيم خاطئة منها على سبيل المثال:
لا يفرقون بين الحركة الحوثية والهاشمية والاخيرة هي مجرد وعاء للحوثية وهي الداء الاساسي عبر العصور.
شعب يقدس جلاده وبتجذر الحركة الحوثية كأننا نتفرج على صناعة تاريخ مزور يصنعه المنتصر وتصدق هنا مقولة امة تلعن اختها.
فمن أخطاء الحكومة الشرعية والتحالف هو إيهام الحوثيين بنصيب في كعكة السلطة مهما فعلوا وعليه فأنهم لا يلامون فأن انتصروا بالغلبة استمرار لطبيعتهم الحربية والفتوحات فليكن وإلا فمكانهم محجوز بثلث السلطة مستقبلاً فمكافئة طرفي الانقلاب الاصلي في صنعاء والمستنسخ في عدن والذين سببوا بتشريد ثلاثة مليون يمني وقتل ألآف وعشرات الآلاف في ستة حروب وجعلوا أكثر من ثلثي الشعب اليمني تحت خط الفقر ، سيكون بعد المحاصصة والتقاسم تحت عنوان (التوافق) ليس شريكين كما كان بعد خروج الرئيس السابق الشكلي من الحكم بل وهذه المرة طرف ثالث مؤدلج سيكون خطرا على اليمن والمنطقة برمتها ، ومؤخرا يجرى التفاوض برعاية من يفترض انه اتى لاستعادة الشرعية يتفاوضون لادخال مكون انقلابي آخر مستحدث في عدن , هو الاخر يسعى لشرعنته على حسابك تأكل الشرعية الضعية اصلا وفي حال تم لن تقم للشرعية قائمة لانها قبل توقيع الاتفاق المفترض في جده الطرف الثالث الاضعف وفي حال تم الاتفاق على النحو المسرب فلن تكون الشرعية الطرف الثالث الاضعف بل ربما تتوارى فلم يعد لها حاجة لا في الداخل ولا الاقليم .
وبداهة فالاتفاق أو الاختلاف حول ” تشكيل حكومة مفترضة ” مسألة سياسية تحدث حتى في الحالات الاعتيادية التي لا تشهد فيها الدولة حربا داخلية ، وتحدث حتى في الديمقراطيات المستقرة وتحت سقف الدولة التي يقر بسلطتها الجميع أما حالة الصراع في اليمن فالمشكلة هي سيادية داخلية وليست كما يصورها طرفي الانقلاب بعلاقتها بالآخر حيث ينبغي بداهة أن تحضر الدولة أولا وتعود كمؤسسة سيادية يقر بسلطتها كل الأطراف.
اما الميلشيا الانقلابية سوا في صنعاء او الانقلاب المستحدث في عدن فكلاهما فقط يسعيان لشرعنة انقلابهم وهذا من المؤكد لن يتم ، وان تم فهو ترحيل للصراع من اجل حرب تلد اخرى
سيتوارى حتماً مهما حصد فوائد إخفاق الشرعية ومن ورائها التحالف فهو نصر آني مرحلي والعبرة بنتائج الأمور ، لا نهاية مرضية للشعب اليمني إلا بإزالة مسببات الحرب وبداهة فأن اغتصاب السلطة ينبغي ان ينتهي ويتوارى طرفي الانقلاب ، فعرقلة الحلول الحقيقية ليست صمودا ، الصمود لماذا ؟ ومن أجل ماذا ؟
اي بديل للشرعية اما الاعتراف بالانقلاب كأمر واقع وهذا محال ، او الاطاحة بالمرجعيات والتي هي سقف لاي امل لطي صفحة الانقلاب فاذا كان لدينا اليوم مرجعيات نحتكم لها ، فغدا سنبداء من الصفر والبقى للاقوى ، والحوثي هو المسيطر واقوى حتى من التحالف.
الشعب اليمني الذي تكبد شظف العيش لاربعة عقود مضت وتحديدا ثمان سنوات عجاف التي تفرغ فيها الزعيم للتنكيل بالفترة الانتقالية من اجل التوريث .
وضياع وخسارة كل شئ تقريبا لهذا الشعب المنكوب بحكامه فلم يعد لديه ما يخسره الأن بعد خراب مالطة فهل يعقل ان يكافئ من سبب له كل هذه المعاناة بتشريع حما قاتهم !؟
نحو سبع سنوات بدون مرتبات ، وتضاعفت قيمة العملة الاجنبية ثلاثة اضعاف. وتشريد اكثر من ثلاثة ملايين داخل اليمن ونصف مليون خارجه ومقتل وجرح واسرى نحو مئة الف الى جانب خسارة ثلاثة ملايين يمني اعمالهم ومصدر رزقهم كل هذا من اجل ان يصمد الحوثي.
العدوان الاساسي هو عدوان الداخل والمحتل "الوطني" هو اخطر وسبب مجئ العدوان الخارجي
* كاتب يمني وسفير في الخارجية