مثلما أن كل الشعوب العربية تحرص على وحدة دولها وبلدانها وتتمسك بها وهذا أمر طبيعي، فكذلك هم اليمنيون، وإلا فإنها الحروب والفوضى الأبدية.
ويبدو أن بعض العرب الأثرياء يستهينون باليمن واليمنيين، بسبب فقرهم، ويظنون أنهم قد يفرطون بسهولة بوحدة بلدهم! كلا والله!
ولا عبرة بدعاة التجزئة، والمتواطئين معهم والخانعين لهم، فهم يشبهون بعض الأمراض التي تهجم على الجسم وقت تعرض مناعته للضعف.ويعزز حماس دعاة التجزئة واندفاعهم، التمويل والتدخل والدعم الخارجي متعدد الأشكال، وضعف من يفترض أنه يمثل شرعية الدولة ووحدة كيانها.
ولولا حروب الحوثي، وطريقة تعاطي الحكومة والمعارضة، معه، وما أحدثه من فوضى وبلبلة وخراب، لما استطاع أو تجرأ الإنتهازيون والطامعون على تبني تجزئة اليمن من جديد.
وقبل فتنة الحوثي، لم يكن بإمكان أي إنتهازي أو طامع، تبني مشروع الإنفصال أو الحديث عنه.. وقد انفجرت الحرب الحوثية الأولى، في النصف الأول من العام 2004 .. وبدأ الحراك المطلبي، في 2007 .. ورأست لجنة تقصي الحقائق البرلمانية في 2007 ، بعد حادث منصة ردفان، ووجدت الناس هناك متمسكين بوحدة بلدهم، اليمن العزيز، لكن بطء معالجة المطالب المشروعة في الوقت المناسب من جهة، وأكثر منه التربص الخارجي من جهة أخرى، فاقم الأوضاع وأعطى فرصة للإستغلال، والأهم من ذلك تداعيات استمرار فتنة الحوثي وحروبه حتى اجتياح العاصمة صنعاء 2014، بتواطؤ واحتفاء إنفصالي كبير، ودعم خارجي هائل.
والحقيقة هناك تخادم بين المشروع الحوثي والمشروع الإنفصالي، وكانت إيران أول من تبنى المشروعين، معاً، وكانت قناة المسيرة وقناة عدن لايف، تبثان متجاورتين، من جنوب بيروت.. وبعد ذلك، تنوع الداعمون، والطامعون، وصار دور بعض الأشقاء العرب أخطر على اليمن من إيران، المسلمة الشقيقة، أيضا!
وفي حين نؤكد أنه لم يتم إدارة الدولة برشد مناسب، بعد حرب 1994، ولم تجر معالجة تداعيات الحرب، بأسرع ما يمكن، ولم تجر المصالحة الوطنية بعد الحرب كما يجب وفي الوقت الصحيح ،لكن الدعوات إلى تقسيم اليمن، تظل على الدوام، جريمة كبرى وخيانة عظمى، في كل الأحوال وكل الظروف، ولا يبررها شيئ، وكان وما يزال ممكناً معالجة أوضاع كل بلد عربي، بما في ذلك اليمن، داخلياً، ومع الزمن، دون أن تكون التجزئة خياراً، ويبقى دعم تجزئة اليمن من قبل أي دولة أخرى عدواناً مبيناً على الشعب اليمني؛ ويعد السكوت على ذلك عاراً وخزياً من قبل أي يمني، وخاصة الساسة والمثقفين.
وحين نقول إن إدارة الدولة لم تتم برشد، بعد 1994، فإن ذلك لا يقتصر على اليمن وحدها، وثورات الربيع العربي، أو زلزال الربيع، كما يصفه البعض، في أكثر من قطر عربي، والثورة المضادة وما تسببت فيه من دمار وخراب في عدد من أقطارنا وخاصة اليمن، لها دلالاتها، وهي خير شاهد على تدهور السياسة والقيادة والنزاهة والرشد وغياب الشعور بالمسؤولية، في كثير من بلدان الوطن العربي؛ لكن لا شيء يبرر تقسيم المقسم، في اليمن وغير اليمن.
وعندما انتهت حرب 1994 لصالح وحدة اليمن، وهي حرب مؤسفة في كل الأحوال- مثل سابقاتها ولاحقاتها ابتداء بحرب الشمال في الستينيات ومروراً بحرب يناير 1986 في الجنوب وانتهاء بحالة الحرب الراهنة منذ اجتياح صنعاء - فقد سلَّم الجميع بذلك في الداخل والخارج، ولا عبرة بحركة موج وشبيهاتها؛ وحكايتها وخلفيتها معروفة، وهي ليست بعيدة من حكاية الإنتقالي المدعوم ببجاحة وسخاء غير مسؤول من دوائر معروفة، لخراب اليمن؛ ولا بد أن يدرك الأشقاء، أنها قد تأتي على بلدانهم ظروف، يستغلها الطامعون والطائشون والانتهازيون، وقد ينال المجزئون من بلدانهم العزيزة كل منال!
ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها!
ويا حافر حفرة السوء لغيرك، لا تنس أن تحفر أخرى على مقاسك!