تمرّ اليمن بمرحلة فارقة يتقاطع فيها الإحباط الشعبي مع بقايا أمل لا تزال حاضرة في الوعي العام.
الانهيارات المتواصلة في السياسة والاقتصاد والأمن إلى جانب انسداد الأفق الوطني، دفعت كثيرين إلى طرح سؤال جوهري: ما العمل؟
هذا السؤال أصبح ضرورة تفرضها الحاجة الملحّة لإنقاذ ما تبقى من فكرة الدولة ومشروع الوطن.
والإجابة لا تأتي من صمت النخب المهاجرة، ولا من حسابات دول الإقليم، ولا من تكرار تجارب فقدت نجاعتها.
ما نحتاجه الآن إيجاد مسار جديد تنطلق فيه قاطرة الإرادة الشعبية الواعية القادرة على تجاوز الاصطفافات الضيقة وتبني قرار وطني مستقل يتعامل مع الواقع بجدية ومسؤولية.
نعم!
الإحباط واسع.. واليأس يتنامى في ظل غياب الدولة.. والانقسامات تزداد.. والمشهد العام مسدود أمام أي تحول قريب.
ورغم هذا الواقع لا تزال التطلعات قائمة تنتظر قيادة تتحلى بالكفاءة والمصداقية والنزاهة وتعيد للناس ثقتهم في المستقبل.
إن التطلع ببناء دولة عادلة وقوية ومزدهرة ومستقرة وذات سيادة لم يختف أو يتلاشَ.
هذا التطلع واجه عوائق متكررة منها ضعف الأدوات وسوء الإدارة وهيمنة قوى أعاقت تحققه، حتى المبادرات التي وُلدت من نوايا مخلصة اصطدمت بقوة التخريب التي تمارسها أطراف متغلغلة في مفاصل القرار هنا وهناك.
ورغم تتابع تلك الانتكاسات لم يخمد الوعي الشعبي؛ فهناك إدراك متزايد بأن اليمن لا يمكن أن يُبنى على أسس الانقسام كالمحاصصة بين الميليشيات أو توزيع النفوذ الجهوي والمذهبي والقبلي والحزبي، أو القبول بشرعيات متوازية؛ بمعنى التعامل مع سلطات متنازعة كممثلين متساوين رغم التناقض الجذري في مشروعها السياسي ومصدر شرعيتها، وهو ما يُكرّس واقع الانقسام ويحوّل الصراع من معركة لاستعادة الدولة إلى تفاهم بين أطراف أمر واقع تتقاسم النفوذ بعيدا عن الإرادة الشعبية؛ فالدولة لن تستقيم إلا بمشروع وطني جامع يستند إلى سيادة واحدة وإرادة شعبية لا تخضع للقوة أو الإكراه أو الصفقات المرحلية.
ما كشفته السنوات الماضية من اختلالات بنيوية ساعد أيضا في بلورة فهم أعمق لطبيعة الأزمة. وهذا الفهم يحتاج إلى أن يتحول إلى برنامج وطني متماسك يستند إلى رؤية استراتيجية واضحة ويتجاوز منطق الانفعال وردود الأفعال.
إن إنهاء الانقلاب الكهنوتي السُلالي لا يتحقق كشعار معزول، وإنما يتم ضمن مجرى برنامج عمل وطني يعيد تعريف مفاهيم الدولة والشرعية والحرية والتعددية من منظور جمهوري مستقل.
هذا البرنامج لا يفرضه الخارج ولا ينبثق من حسابات القوى المتنازعة، إنما يُصاغ ويُنجز من الداخل، وينطلق من إرادة اليمنيين، ويضع مصلحتهم العامة في مقدمة الأولويات. و هو السبيل إلى بناء الدولة المنشودة على أسس واضحة:
- وطن سيد..
- وأرض موحدة..
- وقرار مستقل..
- ونظام وطني جمهوري يتجاوز منطق الصراع، وينهي حالة الارتهان والتبعية.
هذه هي الإجابة الممكنة على سؤال اللحظة: ما العمل؟.
*من صفحة الكاتب على فيسبوك