[ انترسبت كشفت عن واقع مزري في الجوانب الإنسانية ]
لم تدمر مدينة صنعاء اليمنية الواقعة في الشمال، ولكن لا تزال الأنقاض شاهدة على الضربات الجوية للتحالف العربي في بعض الأحياء.
ملابس الناس في حالة يرثى لها، والرجال في هذه الأيام يفضلون رداءًا ملونًا بدلاً من الأبيض التقليدي، حتى لا يضطرون إلى غسلها كثيرًا.
جميع أنواع الخبز اليمني المختلفة من الروتي الطويل والرقيق إلى الرشوش المسطح أصبح أصغر، وبائعو الأغذية في السوق يوزعون بضائعهم في أكياس بلاستيكية، يسير مزيد من الناس في الشوارع بدلاً من إنفاق بضعة ريالات في حافلة أو على سيارة أجرة، وفي المنزل تصنع النساء الخبز في مواقد الحطب بدلاً من أفران الغاز الذي ارتفع سعره إلى 10 أضعاف عما كان عليه قبل الحرب.
معارك الخط الأمامي بعيدة عن صنعاء، لكن الشمال بكامله يعاني من عواقب الحصار الذي فرضه التحالف الذي تقوده السعودية والذي يقاتل قوات الحوثيين الذين سيطروا على المنطقة منذ عام 2014.
لا يسمح التحالف برحلات جوية مدنية من مطار صنعاء، وغالباً ما يتم إيقاف المعونة الدولية وتأخيرها، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار السلع، وانخفض الريال اليمني من 250 إلى 450 مقابل الدولار الواحد، وقد تركت الأزمة الاقتصادية الناجمة عن فقدان الوظائف والتجارة 80 في المائة من السكان في حاجة إلى المعونة الإنسانية، وغالباً ما كان ذلك في شكل دعم مالي وطعام.
الأسواق ممتلئة لكن لا أحد يشتري، والعديد من العائلات اليمنية يعانون من الجوع، ولا يتناولون سوى وجبة واحدة في اليوم، وفي حين لا توجد مجاعة قاطعة، فإن الوجوه المألوفة التي كانت مليئة بالحياة أصبحت الآن جوفاء ومليئة بالقلق.
منذ آذار / مارس 2015 دخل الحوثيين المتحالفين مع إيران والفصائل الأخرى في اليمن في حرب مع المملكة العربية السعودية وشركائها في الائتلاف الذين يقاتلون من أجل إعادة الحكومة التي أطاح بها الحوثيون.
لم تضرب غارات التحالف الجوية مدعومة بالوقود والذخيرة والاستخبارات من الجيش الأمريكي مواقع الحوثي العسكرية فقط، ولكن أيضا المنازل والمدارس والأعمال والبنية التحتية الضرورية في محاولة لإخضاع اليمن على ركبتيه، وغالبًا ما كانت الهجمات عشوائية، واتهمت هيومن رايتس ووتش المملكة العربية السعودية بارتكاب جرائم حرب، وفي الأسبوع الماضي تعرضت مدينة الحديدة للهجوم من قبل القوات الموالية للحكومة المدعومة من دولة الإمارات العربية المتحدة، مما يهدد بإغراق البلاد بشكل أعمق في الأزمة الإنسانية، لقد قُتل ما لا يقل عن 10،000 مدني خلال الحرب، رغم أن العديد من الوفيات لم يتم الإبلاغ عنها، ومن المحتمل أن يكون العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير.
لقد عانى اليمنيون العاديون بطرق أخرى أكثر هدوءًا، أولئك الذين يعانون من أمراض مزمنة يموتون بأعداد كبيرة، مع محدودية الوصول إلى غسيل الكلى، والعلاج الكيميائي، وأدوية السكري، والتغذية التكميلية للأطفال المصابين بسوء التغذية، وتقريباً لا توجد إمكانية للمغادرة من المرافق الصحية، والعائلات الأكثر فقراً تسلم نفسها إلى مصير مجهول.
معاناة أليمة للمرضى
مستشفى السبعين الواقع على الطريق الرئيسي بالقرب من مسجد في صنعاء هو المحطة الأخيرة للحالات الشديدة من سوء التغذية عند الأطفال.
معظم العائلات تأتي إلى هناك من المناطق الريفية حيث قد يكون أقرب مرفق صحي أساسي لهم على مسافة أكثر من ساعتين، أولئك الذين يستطيعون السفر إلى ساعتين يجلبون معهم القليل فقط من الملابس والأمل في أن يبقى طفلهم الرضيع أو الطفل الصغير على قيد الحياة.
كان علي قاسم العجيل يحمل ابنته كوثر، وهي فتاة شاحبة عمرها ستة أشهر، ترتدي طبقات من الملابس البراقة لإبقائها دافئة، والعائلة تقطن منطقة بني حشيش، على بعد ساعتين بالسيارة من صنعاء.
يقول العجيل: "لقد أصيبت بالكوليرا بعد ولادتها مباشرة، ومنذ ذلك الحين لم تكن قادرة على الرضاعة؛ لم يكن لدى أمها ما يكفي من الطعام، لذلك لم تعط أي لبن، نحن وجميع المزارعين في منطقتنا يمكننا بالكاد تحمل الطحين والغاز، ولا أحد لديه عمل منذ أن بدأت الحرب، والحياة مكلفة للغاية".
في الغرفة المجاورة تبكي بشرى البالغة من العمر تسعة أشهر على السرير بجوار والدتها، كانت أطرافها رقيقة واضلاعها بارزة ، لكن بطنها كان منتفخًا، كانت الأوردة الزرقاء الرقيقة مرئية تحت جلدها الشاحب، وحالتها مثل كوثر، لم تستطع أن ترضع، ودخلت المستشفى منذ شهر، لكنها لم تحرز سوى تقدم طفيف، حيث ارتفعت من 6.6 رطل إلى 8.1.
كان أحمد غالب البالغ من العمر ستة أعوام يقف إلى جوار أمه وفمه يتحرك، أحمد من قرية صغيرة في عمران، شمال العاصمة، وادعت والدته أن الأطباء قالوا إن إعاقته الذهنية تعود إلى سوء التغذية المزمن.
وقالت: "لم يأكل جيدا من اليوم الذي ولد فيه، وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، كان الوضع سيئا للغاية، ولا يمكننا تحمل إطعامه، بقينا هنا لمدة 20 يومًا، لكن لا فائدة من البقاء، نحن ذاهبون إلى المنزل غدا".
تشير تقديرات اليونيسف إلى أن ما يقرب من 400،000 طفل في اليمن يعانون من سوء التغذية الحاد، وما يقرب من 2 مليون شخص يعانون من سوء التغذية المزمن، ومن المرجح أن يشعر الأطفال الذين بقوا على قيد الحياة بالتأثيرات الصحية لتلك التأخيرات لبقية حياتهم.
في مركز معتمد من قبل منظمة الصحة العالمية في بني منصور، وهي قرية خارج صنعاء، فتاة يمنية تبلغ من العمر سنة واحدة مع عيون جميلة تجلس مع والدتها وأنبوب المحاليل الوريدية موصول بجسمها كنوع من التغذية.
قالت الأم: "عندما ولدت كنت أشعر بالتعب الشديد، هذا هو السبب في أنني أطلقت عليها اسم كفاية، لدي 12 طفلاً، ونحن جميعا منهكون من الصراع، لذلك أسميتها كفاية، كفاية أبناء، وكفاية حروب".
المستشفيات تكافح للبقاء
داخل مركز الإحالة في المستشفى الجمهوري بصنعاء هناك العديد من المرضى الذين يعانون من الفشل الكلوي، ويقوم الدكتور ماجد القاسي بالعمل على تلك الحالات، يقول : "كان من المفترض أن نغلق الأسبوع الماضي؛ لقد نفدت لدينا كامل الإمدادات " ويواصل حديثه "لقد ساعدتنا اللجنة الدولية للصليب الأحمر حتى نتمكن من البقاء والاستمرار، ومن المفترض أن نستقبل 70 حالة مرضية في الأسبوع، لكننا اليوم نستقبل أكثر من 100 حالة أسبوعيا، والمشكلة الكبرى أن موظفينا ليس لديهم رواتب".
وتابع قائلاً: "إننا نعمل على مضاعفة وقتنا في العمل، ولم يكن لدينا أي أجر حقيقي لسنوات حتى الآن، وأبوابنا مفتوحة دائمًا لأولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة، لكننا لا نعرف إلى أي مدى يمكننا الاستمرار في العمل."
في الطابق العلوي من جناح الشفاء تحدث القدسي مع أحمد محمد مرشد، وهو مزارع يبلغ من العمر 33 عام، ويعمل في مجال بيع القات، وجاء من قرية ريفية من مدينة ذمار قبل أشهر للحصول على غسيل الكلى بعد إصابته بالفشل الكلوي، لكنه ببساطة لا يستطيع تحمل كلفة العلاج، وعندما وصل للمستشفى كان هزيلا وبطنه منتفخة، وكان شبه ميت، وبعد فترة من العلاج أصبح بإمكانه أن يستطيع الجلوس في السرير.
يقول مرشد: "نحن فقراء، أنا مجرد مزارع وبالكاد أستطيع تحمل تكاليف إطعام أولادي الأربعة، فلماذا يجب أن أقلق بشأن نفسي؟ لقد استدانت عائلتي قرضا ماليا كي أتمكن من الحصول على العلاج هنا".
بعض اليمنيين الذين تمكنوا من الحفاظ على ثروتهم يدعمون المنظمات المحلية مثل دار الشفقة، أو "بيت الرحمة"، التي تعطي اليمنيين المصابين بأمراض مزمنة من المناطق الريفية مكاناً كريماً للعيش فيه خلال فترة العلاج، أحد هذه المباني المتواضعة يقع في شارع جانبي بصنعاء ويضم أكثر من 100 يمني مصاب بالسرطان والفشل الكلوي.
وقال الدكتور وليد محمد وهو رئيس لمنظمة غير حكومية إن معاناة الناس من الأزمة الإنسانية لا تكاد تكون معروفة لدى الكثير، ويتحملها الناس بصمت.
ويضيف: "لقد رأيت أزواج يطلقون زوجاتهم لأن الرجل يشعر بالخجل أنه لا يستطيع رعاية زوجته، حتى أنه لا يستطيع إطعام نفسه، أما أولئك الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف العلاج أو السفر فإنهم يستسلمون، ويعودون إلى ديارهم ليموتوا، بدلاً من تحميل عائلاتهم تكلفة العلاج".
في ساحة المبنى هناك أطفال يرتدن قبعات على رؤوسهم لتغطية نقص الشعر الذي سقط جراء استخدامهم للعلاج الكيميائي.
في الطابق العلوي المخصص للنساء كانت ثلاث غرف منفصلة مليئة بالنساء اللواتي يعانين من السرطان، بعضهن كن ملفوفات في بطانيات ثقيلة، بعضهن صامتات، وبعضها يئن، وبجوارهن أم أو ابنة أو عمة مهمتها البقاء بجوارها حتى تعود إلى البيت وتسترد عافيتها أو تموت.
في حجة كثافة مرضية
على طول الطرق الجبلية المتعرجة ثلاث ساعات شمال غرب صنعاء، يدير سلطان مسعود، وهو ممرض يبلغ من العمر 28 عاما مركز غسيل الكلى في المستشفى الجمهوري في مدينة حجة، قبل الحرب يقول إن المستشفى عالج 250 مريضًا عاديًا، وفي العام الماضي بسبب تدمير مراكز أخرى في المنطقة استقبلوا 900 شخص.
يواجه المسؤولين والعاملين في المجال الإنساني خسارة في كيفية الحفاظ على تشغيل مستشفياتهم، الجميع في النظام الصحي يخاف موسم الكوليرا، الذي يصاحب وصول أمطار الربيع، وبحسب مسعود عالج المستشفى الجمهوري 8000 حالة العام الماضي خلال ستة أشهر، وذلك باستخدام مدرسة لتلقي الحالات الإضافية عندما زاد تدفق المصابين على المستشفى.
تقول سالي توماس منسقة مشروع أطباء بلا حدود التي لديها فريق في المستشفى الجمهوري: "يعمل هذا المستشفى بسعة 130 في المائة" وكما ترون هناك أسرَّة للمرضى حتى في الردهة، ونحن ندعم المستشفى في حالات الطوارئ والصدمات النفسية، ونحاول تحسين نوعية الرعاية، لكن الأمور صعبة للغاية، ويكاد يكون من المستحيل رعاية ومتابعة المرضى لأن العديد من العائلات الفقيرة لا تملك وسيلة للتواصل أو المال للوصول إلى هنا".
الإجبار على الهروب
تلقى الشمال وطأة الضربات الجوية للتحالف والحصار، ولكن الوضع الإنساني في جميع أنحاء البلاد مدهور، وقد فر الآلاف من اليمنيين إلى الجنوب من مناطق المواجهة في الحديدة وتعز، حيث يتقاتل الحوثيون مع مختلف الفصائل المحلية التي يدعمها التحالف العربي، وقد انتهى الأمر بالعديد منهم خارج القرى الصحراوية في لحج شمال عدن، وبينما تمكنت بعض العائلات من الانتقال إلى أقاربها فقد لجأت عائلات فقيرة وأفراد من طبقة المهمشين ذوي البشرة الداكنة، والذين غالباً ما يتعرضون للتمييز إلى مستوطنات مؤقتة، وبدعم قليل من المنظمات غير الحكومية الدولية.
في أحد المخيمات قال شيخ محلي مسؤول عن المنطقة أن 265 شخصًا يعيشون في ظروف مريعة، لا توجد مياه جارية أو كهرباء، أو مدرسة أو مرفق رعاية صحية، ويتم رمي الخيام بشكل عشوائي مع الأقمشة، والحبال، والفرشاة، والأغصان مع مواقد الطين التي تم صنعها باليد، وادعى الشيخ أن المخيم مدعوم بأموال من اليونيسف، والوكالة الإنسانية للأمم المتحدة، وبرنامج الأغذية العالمي، ولكن إذا كانت هذه المجموعات الدولية للمعونات موجودة، فإن دعمها غير مرئي.
تجمعت العشرات من النساء اللواتي هربن من قرية ورزان، وهي قرية قريبة من تعز إلى خيمة لتبادل قصصهن، وكان معظمهم في معسكر مهجور لمدة عامين، بعد أن فروا بالحافلة في منتصف الليل للهروب من القتال.
تحدثت امرأة مسنة في غطاء رأس أزرق "هربنا من قذائف الهاون بعد تدمير منازلنا، ولم يكن لدينا شيء، بعد تدمير آبارنا واسواقنا، ولازلنا نسمع أن القتال يدور في منطقتنا، ولن نعود في ظل هذه الظروف حتى لو عشنا في الصحراء".
يحاول الرجال في المخيمات المؤقتة الحصول على عمل في القرى المجاورة، ويذهب العديد منهم كل أسبوع للحصول على الغذاء الذي يوزعه برنامج الأغذية العالمي كالطحين والبقول والنفط والغاز والأرز لعائلاتهم، كانت غالبية الأسر الفقيرة من العمال والصيادين ومنظفي الشوارع، ولا أحد منهم يرى العودة الآن إلى الوطن كخيار مع استمرار القتال في قراهم.
ضربة في صنعاء
في 28 أبريل نيسان تجمع آلاف من أنصار الحوثي في صنعاء خلال تشييع جنازة صالح الصماد رئيس مجلسهم السياسي، الذي قُتل مؤخراً في غارة جوية.
اجتمع الرجال للصلاة والاحتجاج وملئوا عرض الشارع، وقبل أن تنتهي الخطبة وتبدأ الصلاة حلقت الطائرات التابعة للتحالف فوق المنطقة، وضربت غارة جوية في مكان قريب، تبعتها ضربة أخرى.
لم يسفر عن تلك القنابل أي نتيجة، وكانت عبارة عن تحذير بأن التحالف العربي يراقب المدينة، لم يتأثر المتظاهرون بالضرب الجوي، وبدلاً من ذلك وقفوا وهم يرددون شعارهم "الموت لأمريكا".
اليمنيون يتمتعون بالمرونة مع بنية اجتماعية قوية حيث يدعم الجار الجيران، ويدعم الصديق الأصدقاء، وسنوات من الغارات الجوية، والقتال على الخطوط الأمامية، والنزوح، ولم تنتهي الحرب كما افترض التحالف الذي تقوده السعودية، لكن على الرغم من تحديهم فقد جلب الصراع اليمن إلى نقطة لا يستطيع فيها المواطنين حتى الحصول على الاحتياجات الأساسية، وبات الشعب متعبا.
--------------------------------
*كتبت المادة (Alex Potter) وهي مصور وثائقي تعيش في الشرق الأوسط منذ عام 2012م.
*نشرت المادة في موقع ذا انترسبت، ودعمت من قبل مركز بوليتزر لإعداد التقارير عن الأزمات.
*يمكن العودة للمادة الأصل على الرابط هنا
*ترجمة خاصة بالموقع بوست.