[ الألغام زرعت بكثرة في عدة مناطق باليمن خلال فترات الصراع ]
قال معهد واشنطن إن الألغام الأرضية التي تزرعها جماعة الحوثي في اليمن ستظل تشكل تحديا هائلا في عصر ما بعد الحرب.
وأضاف المعهد في تقرير أعدته إليانا ديلوزيي، وهي باحثة متخصصة في شؤون اليمن ومحللة سياسية، في مؤسسة معهد سيج للشؤون الخارجية إن نزع الألغام سيكون من القضايا الرئيسية في مفاوضات السلام.
وذكرت في تقريرها الذي ترجمه الموقع بوست أن جماعة الحوثي لم تكن أول طرف محارب يستخدم الألغام الأرضية في اليمن، لكنها تعمد إلى زرعها بمعدل مرتفع للغاية.
ولفت التقرير إلى أن اليمن أبتُليت بالألغام الأرضية منذ عقود، وقال "في ستينيات القرن الماضي، تمّ زرعها خلال نشوب الحرب الأهلية في شمال اليمن وخلال اندلاع الانتفاضة في جنوب البلاد، كما تمّ زرع المزيد خلال الصراعات التي نشبت في السبعينيات والثمانينيات، على الحدود بين شمال وجنوب اليمن قبل توحيد البلاد عام 1990، ومجدداً خلال الحرب الأهلية عام 1994. وزعمت هيئة إزالة الألغام في اليمن أن أنصار الحوثيين زرعوا الألغام خلال حروب صعدة عام 2010، وأن تنظيم "القاعدة في جزيرة العرب" استخدم الألغام في جنوب البلاد في عام 2011".
وأردف" وللإشارة إلى عمق المشكلة، اكتشف مسح للألغام الأرضية في عام 2000 أن هناك 1,078 موقعاً للألغام في 19 محافظة من محافظات اليمن العشرين".
وبالإضافة إلى العدد الهائل للألغام في اليمن، اوضح التقرير أن البلاد "تواجه التحدي المتمثل بحالة الفوضى، فعادةً ما تَزرع القوات النظامية الألغام بنمط معين بحيث يمكن جمعها في مرحلة ما بعد الصراع، لكن في اليمن، تمّ زرع الألغام يدوياً في معظم الأحيان من دون اعتماد نمط أو سجل يمكن تحديده، علاوةً على ذلك، يمكن للأعاصير والفيضانات وغيرها من الكوارث الطبيعية أن تبعثرها من مواقعها الأساسية، ونتيجةً لذلك، يمكن إيجادها على طول الطرق الرئيسية وساحات القتال، فضلاً عن المنازل والآبار وحتى المراحيض، وفي جميع أنحاء البلاد، أصبحت مساحات من الأراضي غير صالحة للسكن بسبب الألغام.
وأشار التقرير إلى أن الحوثيين يقومون بصناعة تلك الألغام، وقال "لا تختلف الألغام الأرضية بشكل كبير عن الأجهزة المتفجرة المرتجلة الأكثر شيوعاً، وخلافاً لهذه الأخيرة، التي تُعرف من خلال كيفية صنعها يتم تحديد الألغام من خلال طريقة تفعيلها، حيث "يتمّ تفعيلها من قبل الضحية"، مما يعني أنها تنفجر بسبب وجود أو احتكاك شخص أو مركبة معها".
وأضاف "قد لا يكون الحوثيون أول طرف محارب يستخدم الألغام الأرضية في اليمن، لكنهم يعمدون إلى زرعها بمعدل مرتفع للغاية، ولا تختلف الألغام الأرضية بشكل كبير عن الأجهزة المتفجرة المرتجلة الأكثر شيوعاً.
وخلال الحرب الحالية، أشار المعهد إلى أن الحوثيين زرعوا ألغاماً أرضية على طول الساحل الغربي، وعلى الحدود مع السعودية، وحول المدن الرئيسية، وعلى طول طرق النقل المرتبطة بصنعاء من أجل إنشاء أطر دفاعية أو تمهيد الطريق للتراجع في أغلب الجبهات بالمحافظات.
وقال التقرير، من الصعب التحقق من الأرقام في اليمن، لكن من أجل إعطاء فكرة عن ضخامة عدد الألغام زعم مسؤول يمني عن نزع الألغام أن الحوثيين زرعوا 500 ألف لغم منذ عام 2015؛ وأفادت بعض التقارير أن فرق نزع الألغام تمكنت من إزالة 300,000 لغم أرضي؛ كما أفاد تقرير "مرصد الألغام الأرضية والذخائر العنقودية"، وهو مبادرة تراقب الامتثال مع "معاهدة حظر الألغام"، أن عدد الضحايا ناهز ثلاثة آلاف شخص بين 2015-2016.
وبحسب التقرير، يثير الحجم الهائل لاستخدام الألغام الأرضية من قبل الحوثيين تساؤلات حول مصدرها وإمداداتها، وقال "فلا يُفترض أن تمتلك اليمن مخزونات محلية من الألغام الأرضية".
وقال "في النهاية خلال عام 2002، أعلنت حكومة صالح أنها دمرت مخزوناتها التي ضمت أربعة أنواع من الألغام المضادة للأفراد عملاً بالتزاماتها بموجب "معاهدة حظر الألغام".
وأشار المعهد إلى أنه لا توجد هذه الأنواع الأربعة في اليمن، ولكن هناك عدة أنواع أخرى شائعة، مما يشير إلى أن حكومة صالح حافظت على مخزونات سرية من الألغام، أو أنها حصلت على مخزونات جديدة بعد عام 2002، لافتا إلى أن التحالف لم يقم بزرع الألغام، لكنه استخدم الذخائر العنقودية.
وقال "من المرجح أن يكون مصدر إمدادات الألغام الأرضية الأولية التي يملكها الحوثيون من هذه المخزونات المحلية".
في تقرير من نيسان/أبريل 2017، أشارت منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى لغم "پي پي إم - 2" (PPM-2) أسود، مضاد للأفراد، ذو غلاف بلاستيكي، يبلغ قطره 5.2 بوصة صُنع في ألمانيا الشرقية السابقة، وقد كتبت على هذه الألغام التي وجدت في تعز في تشرين الأول/أكتوبر 2015 تواريخ صنعها في أوائل الثمانينيات، مما يشير إلى أن حكومة صالح لم تدمرها كجزء من التزاماتها بموجب المعاهدة، وحمل لغم آخر من المرجح أنه من المخزونات المحلية اسم "تي أم-57" (TM-57 )، وهو عبارة عن لغم باللون الزيتوني، بقطر 12 بوصة مضاد للمركبات صنع في الاتحاد السوفييتي السابق، ويستخدمه الحوثيون بشكل متكرر، وفقاً لـ "مركز أبحاث التسلح والصراعات" وهي منظمة مستقلة تعنى ببحوث الأسلحة.
وعلى الرغم من انتشار اللغمين من طراز "پي پي إم - 2" و"تي أم-57" والعديد من الألغام الأخرى، إلّا أن المعدلات الحالية لتجدد المخزونات، تشير إلى أن الحوثيين قد يصنعون أيضاً ألغاماً خاصة بهم بأعداد كبيرة.
ووفقاً لـ "مركز أبحاث التسلح والصراعات"يقوم الحوثيون في كثير من الأحيان بزرع ثلاثة ألغام غير متسلسلة، أو تُشير إلى أنها صُنعت في بلد آخر، فالأول هو لغم يشبه "تي أم-57"، رغم أن اللون ونوع المعدن يختلفان عن الأساسي، ويتضمن غلافه رقماً كبيراً ذي ثلاثة أعداد باللغة العربية على جانبه بدلاً من وجود رقم تسلسلي صحيح.
واعتبر المعهد، هذه النماذج شبه المطابقة للأصل موحدة، مما يشير إلى أنها تُنتَج بأعداد كبيرة في ورشة عمل.
ومن خلال إضفاء المزيد من المصداقية على هذه النظرية الخاصة بالإنتاج المحلي الضخم، نشرت صحيفة "يمن أوبزرفر" صوراً يُزعم أنها تُظهر أحد كبار قادة الحوثيين، صالح الصماد، يقوم بجولة في منشأة لتصنيع الأسلحة في نيسان/أبريل 2018. (وقد قُتل الصماد في ذلك الشهر نفسه). وقد أظهرت إحدى الصور عشرات أغلفة الألغام الأرضية التي تشبه النسخ شبه المطابقة التي وصفها "مركز أبحاث التسلح والصراعات".
ووفقاً لـ "المركز"، فإن اللغمين الآخرين غير المتسلسلين اللذين ينشرهما الحوثيون بشكل متكرر طويلان وأسطوانيا الشكل. كما أن اللغم الأصغر حجماً مصنوع من أنابيب "الكلوريد المتعدد الفاينيل"، والأكبر من المعدن. وعلى غرار النسخ شبه المطابقة للغم "تي أم-57"، فإن هذه الألغام موحدة ومماثلة، مما يشير إلى إنتاجها بأعداد كبيرة، وغالباً ما تكون ممهورة بالنوع نفسه المؤلف من ثلاثة أعداد. وبدأت صور هذه الألغام - التي يُزعم أن التحالف جمعها في الحديدة - بالانتشار على مواقع التواصل الاجتماعي.
وقال التقرير، ليس من الواضح كيف يحصل الحوثيون على المكونات اللازمة لصنع الآلاف من الألغام الأرضية المتطابقة" فربما يحصلون على المواد الأساسية، على غرار أنابيب "الكلوريد المتعدد الفاينيل" أو الأسطوانات المعدنية، من مصانع يمنية محلية، وقد يحصلون أيضاً على إمدادات خارجية من جهة مُتبرّعة كإيران.
ووفقاً لهيومن رايتس ووتش، فإن الألغام التي تنتشر بشكل متكرر من قبل الحوثيين تعتبر طويلة وشكلها أسطواني، أصغرها مصنوع من الأنابيب البلاستيكية وأكبرها من المعدن، مثل النسخ المتماثلة لنوع TM-57، هذه الألغام هي موحدة ومماثلة، مما يشير إلى الإنتاج الضخم وغالبا ما تحمل علامة من نفس النوع من ثلاثة أرقام، وبدأت صور هذه الألغام التي جمعها التحالف في الحديدة في الظهور على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف معهد واشنطن "يمكن أن يساعد تعقب منشأ المكونات، التحالف العربي على قطع العرض في نهاية المطاف".
وتابع "ستظل الألغام الأرضية تشكل تحديًا هائلًا في عصر ما بعد الحرب، ونتيجة لذلك، سيكون نزع الألغام من القضايا الرئيسية في مفاوضات السلام، تماماً مثلما كان في المحادثات السعودية - الحوثية في عام 2016.
وأردف "من المحتمل أن تركز محادثات نزع الألغام مع الحوثيين على المقاطعات الشمالية والحدود السعودية – اليمنية، وقد تكون هناك حاجة أيضاً إلى محادثات منفصلة لإزالة الألغام في الجنوب، خاصة وأن عمليات إزالة الألغام الأرضية غالباً ما تتشابك في السياسة المثيرة للجدل المتعلقة بملكية الأراضي هناك.
وقال "يجب على الولايات المتحدة تشجيع هذه المحادثات، على الرغم من كون الولايات المتحدة غير مؤهلة لمعاهدة حظر الألغام، فقد قادت واشنطن الجهود الدولية لنزع سلاح الألغام في مناطق النزاع منذ التسعينيات ويجب أن تستمر في ذلك.
واوضح أن تجاهل انتشار الألغام الأرضية يمكن أن يضعف بشكل خطير عقود من أعمال بناء القواعد ويشجع جهود التقليد في مناطق أخرى، حيث تنتشر القوات الأمريكية.
وذكر أنه في اليمن، يمكن لإزالة الألغام الأرضية أيضاً أن تساعد في جهود مكافحة الإرهاب من خلال ضمان عدم تمكن مجموعات مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية من جمعها لاستخدامها في المستقبل أو إعادة توظيفها لأنواع أخرى من المتفجرات.
وقال "يمكن أن يساعد الاستثمار في إزالة الألغام الأرضية الولايات المتحدة في تأكيد نفسها على أنها حليفة لليمن مع الاهتمام بسلامة وأمن المدنيين في فترة ما بعد الحرب.
وأضاف "في المستقبل، يجب على واشنطن الاستمرار في دعم عمليات إزالة الألغام مادياً، والدعوة إلى إجراء مسح جديد للأثر على الألغام الأرضية وكذلك المساعدة في ضمان الألغام الأرضية حتى مع ظهور تحديات عاجلة أخرى في أعقاب الحرب.