26 سبتمبر.. الوهج والدلالة
السبت, 26 سبتمبر, 2020 - 10:36 مساءً

"بسم الله وبسم الشعب تعلن قيادة الجيش سقوط الملكية وقيام حكم الجمهورية..". في هذا اليوم الخالد والعظيم أعلن أجدادنا سقوط الملكية الرجعية والسلالية الكهنوتية وإقامة النظام الجمهوري، وكأني بصاحب الصوت الجهوري يصدح به الآن، وكأن أرواحنا تعيشه اللحظة، كنا قبل هذا اليوم نعبد الأصنام ويحكمنا فرد يزعم أنه وحي من الله ونحن مجرد رعايا نمرض ليحيا هو ونشقى ليسعد ونموت ليحيا، حتى قال الرجال كلمتهم، وانتهى هذا العهد البائد إلى غير رجعة، ومن يومها وحتى اليوم والإمامة تدبر المكائد والدسائس وهي تحاول العودة من جديد.
 
كانت الليلة الماضية قاسية على المشعوذين والكهنة، كان يوما جحيميا على المتورد عبدالملك الحوثي ودجاليه، وكان الصوت النافذ والذي اخترق كل شيء وسمعه كل الناس هو صوت اليمنيين الهادر، الذي احتفل بذكرى ثورة 26 سبتمبر كما ينبغي ويجب حتى في مناطق سطوة عيال المقذيات وناهبي قوت وأرزاق الشعب.
 
‏ما يزيد من أوجاع الكهنوتيين ويصيبهم في مقتل هو أن  شعلة ثورة 26 سبتمبر المقدسة توقد في جبهات الكفاح المسلح ضد الإمامة، ولا أدل وأكثر يقينا من الانتصار لها وهزيمة أعدائها أكثر من هذا، يحتفلون بإشعال الضوء لدهس الظلام وبأيديهم الرصاص الخارق لإنفاذه ومكافحة الظلام وتجاوزه، ولا شيء له دلالة على القوة والثورة والجمهورية أكثر من هذا، ذلك أن ثورة 26 سبتمبر لم تكن مجرد ثورة واحتجاج وحسب، بل إنها أهم لحظة في تاريخ ⁧‫اليمن⁩ الحديث ومن خلالها تم إعلان سقوط الملكية الإمامية الفاشية وقيام حكم الجمهورية الواسع، إنها لحظة التخلص المقدسة من أسوأ الفاشيات والنظريات العصبوية في العالم وإعلان عهد الحرية والمساواة والكرامة وحكم الشعب.
 
بهجة سبتمبرية لم تحدث من قبل ولا من بعد، كانت ذكرى الثورة تمر مرورا عابرا واعتياديا، نشعر به عبر شاشات التلفزة ويمر اليوم التالي ونعود لنفس الروتين، لا فرق، عرفناه كمحفل رسمي تقوم به السلطة وحسب، غير أن هذه المرة رأينا وعشنا احتفاءا شعبيا وجماهيريا لم يحدث أن احتفل الشعب بهذا الشكل المؤثر، ‏حالة من الإنتشاء والفرحة العالية، إنه مهرجان رد اعتبار وجد فيه كل يمني نفسه وذاته فيها، بل إنه غضب عارم واحتجاج مزلزل عبر فيه كل يمني عن نفسه وعن قناعته ورفضه ولفظه لبقايا الإمامة العائدة بلباس الجمهورية وثوبها الجديد المتسخ.
 
هذا الإحتفاء الجماهيري والشعبي الواسع ليس له من معنى وتفسير سوى أنه بات كل يمني يدرك قيمة هذا اليوم العظيم، هذه المشاعر القوية لم تكن لتحدث، وهذا الزخم الجمهوري لم يكن ليصبح واقعا لولا أن الجميع رأى الإمامة بأم عينيه وعاشها لحظة لحظة، رأها تتجلى بقبحها وسوادها وكهنوتها كما هي وعلى حقيقتها، ثم أدرك الآن معنى الجمهورية، ومعنى التضحيات الجسام التي قدمها الرجال حتى وصلنا لهذا اليوم وهذا الفرق.
 
سبتمبر سبتمبر يا ثورة الأزل - يا من به تفجرت منابع الأزل.
 
يا من به تبعثرت عناصر الشلل - وتزاحمت جهودنا لموقع العمل.
 
ثورة 26 سبتمبر تعيد أرواحنا وأحلامنا وحياتنا التي لطالما شعرنا أنها ستنطفئ، ‏إنها ثورة تتجدد وتحيا عند كل شعورنا بالموت والفناء، قامت لتستمر، ولن تجد الإمامة إلى اليمن سبيلا ما دام المارد السبتمري يخفق في قلب كل يمني حر أصيل، ولذلك تحاول مخلفات الإمامة الحوثية طمس هوية هذا الإرث الثوري التاريخي، تارة باعتبار نكبة 21 سبتمبر ثورة تضاهي ثورة 26 سبتمبر وتارة أخرى بالتلبس بالجمهورية وجعلها ممرا لمخططاتهم الرجعية.
 
26 سبتمبر بدى هذه المرة وكأنه الضالة التي وجدها اليمنيين، الدلالة التي تدل على اليمن والجمهورية التي تعبر عنه، بعد خمس سنوات عجاف تجلت الكهانة بأبشع صورها وأبهى قبحها، وكما قال ماجد المذحجي: "أن 26 سبتمبر يتجذر عميقا في روح اليمنيين، وشرارة تشعل الصمود وليس ذكرى للاحتفال بيوم عظيم، وكأنه خزان للتحدي كلما أنهك الناس الخوف واليأس، أتى ليرويهم بالأمل، إنه‏ عيد الشعب وأمانه، وتحت ظله تكبر الأمنيات، وكما قهرنا الإمامة والمخافة والجهل فيما مضى، يشير سبتمبر إلى درب النصر مرة أخرى".
 
هذا الوهج السبتمبري يجب أن تنحني له الهامات إجلالًا وتعظيمًا، يجب أن يُستثمر ويُحترم، نتمنى أن يتحول هذا الإحتفال إلى تطبيق عملي على أرض الواقع، نستلهم من هذه الثورة العظيمة طريقة للنجاة من بطش السلالة العنصرية الرجعية التي عادت من جديد وأعادت ما كانت هذه الثورة قد تجاوزته بإقامة حكم جمهوري هدف إلى إزالة الفوارق بين الطبقات، يبحث اليمني اليوم عن قيادة وحسب، قيادة ليس أكثر، قيادة تجعل أهداف الجمهورية السامية مرجعية وغطاء وغاية ومبدأ، لتعود الدولة والجمهورية وتجرم الإمامة الهاشمية حتى الأبد.
 

التعليقات