أشد الأمور حُزنا على الجنوب والجنوبي،من بين بؤسه الضاري الواقع فيه اليوم ،هو: التجرد من قيمه الأخلاقية والثورية،التي كانت أساس بُنيَته الفكرية والوطنية والإنسانية في الماضِ القريب..حيث كان حراً ينبض قلبه بالحرية على الدوام.لايقايض نهضته العمرانية بحريته واستقلاله.لايقبل الازدهار في وطنه مقابل ذل وخنوع شعبه.الحرية والكرامة فوق كل اعتبار.
اليوم تموت حريته وتذوب ثوريته ، ويقبل واقع الاحتلال والاستبداد والقمع والانهيار العمراني وازدهار الظلام وتطغيان البؤس على كل شيء، فنراه يتّكيف بِعَيشه في ظل نقيضه كل النقيض،مع ذاته الذي كان عليه قبل استقلاله من المحتل البريطاني.إين ذاك الجنوني ، جبوبي الثورة والنصال ، الذي لايقبل الدنيئة لنفسه ووطنه؟! أين الجنوبي الأكتوبري والنوفمبري؟
أين ذهب لبوزة والشعيبي وعنتر والأصنج؟
أين أحفادهم؟! هذا سؤال مدوي وصادم.
هولاء النّزقون خفيفي الأدمغة لايقِفون أمام أسئلة كهذه. ولذا يتقافزون داخل واقع اليوم بخفة من مكان إلى آخر..
أطفال قدِموا من سواحل وشواطئ عدن ومن سهول وأودية جبال ردفان والضالع الشاهقة. قَرَويون نّطوا من أسطح الأيام لا من أزقة عدن العريقة ولا من قمم جبال ردفان والضالع.. ولذا لا يشعر "مهاتيع" اليوم بأخطر ما فقدوا وما فقد الجنوب.!
وما يدل على موت ذلك الشعور في نفوس هولاء ، مظاهر احتفاءهم بذكرى الاستقلال التي تعنيهم هم في درجة أولى "خافته وباهتة."
على عكس إحتفاء اليمنيون من دونهم.
فقدوا الشخصية التي أجبرت امبراطوريه لاتغيب عنها الشمس، على الإنحناء والرحيل المخزي والمُذل.!فقدوا الجنوبي الصعب!
ويا عزّ ما فقدوا.
يعتبر هذا الضياع من أخطر الأشياء التي فتكت بالجنوب فتك بلا هوادة ، والأشد خطورة أن المسيطرين على المشهد اليوم لايُدركون حجم هذا الضياع الثقيل ،الثقيل جداً.!!
وبذلك يمكننا القول بأن عدن والجنوب عموما، قد أعلانا ،بطريقة ما: موت روح ثورة الرابع عشر من أكتوبر 1963م..ووهج عيد الاستقلال، الـ 30 من نوفمبر1967م.