مثلما تفخر الشعوب بأسماء كتابها العظام، امثال: دوستويفسكي، وتولستوي من روسيا، فرانز كافاكافا من ألمانيا، جورج أورويل من بريطانيا، غابرييل جارسيا ماركيز من كولومبيا، نجيب محفوظ من مصر، الطيب صالح من السودان، المقالح والبردوني من اليمن.... إلخ، تفخر أيضاً هذه الشعوب بأسماء أعظم وأشهر لاعبيها لكُرة القدم عبر التاريخ: الارجنتينيان دييغو ماردونا، وليونيل ميسي، البرتغالي كريستيانيو رونالدو، البرازيلي بيليه، الفرنسي من أصل جزائري زيد الدين زيدان.
حقاً إنها المستديرة الساحرة، التي تُشعل حماس الملايين حول العالم خصوصاً في نهائيات مونديال كأس العالم كل أربع سنوات..
أعرف أصدقاء يعتكفون ولا يغادرون المكان، فقط تظل اعينهم متسمرة أمام الشاشات يشاهدون كُرة القدم، وهذا لا يكفي، بل يحرصون على متابعة تحليلات المباريات التي انتهت، والتوقعات المستقبلية للمباريات القادمة..
اليوم وأنا في الشارع صادفت أحد الأشخاص في الخمسينات من عمره، وكان يتحدث مع عدد من الشباب صغار السن، حديث عتاب، وهم في -حلقة- يشاهدون من هواتفهم ما اعتبروه (تمريرة ميسي الساحرة) التي صنعت هدفاً في مباراة الأمس، الأرجنتين امام هولندا.. كان الرجل يضحك، معتبراً أن لا فائدة من مشاهدة أو متابعة او ممارسة كرة القدم، فبحسب الرجل: ما الذي ستجنوه أنتم في النهاية؟!
استوقفني الكلام فيما كان الشباب صامتون تماماً لا يعرفون كيف يبررون تساؤلات هذا الشخص الذي لم تجد منهم أي مرافعة أو نقطة دفاع..
قلت له: حسناً، مئات الآلاف التي جاءت من كل أصقاع الأرض وحطت رحالها في قطر، وتحملت تكاليف ومعاناة السفر، وخلال ايام هذا المونديال، ألا ترى أن هذه الآلاف تدفع الكثير من جيوبها مقابل أن تستمتع بحضور ومشاهدة مونديال كأس العالم..
إذا لم يكن هنالك فائدة، فلماذا كل هدا التبذير والتعب؟
واصلت حديثي:
إذا لم يهتم هؤلاء الشباب بالرياضة كهواية وإمتاع، أو حتى ممارسة؟.. فما الذي تقترحه انت؟
صمت الرجل ولم يرد.. أضفت: هل مثلاً نرسلهم إلى جبهات القتال؟ قال لا، لا يزالون صغاراً.. قلت: هل مثلاً تقترح برنامج قراءة للفائدة؟ قل صحيح، هذا مهم..
قلت له لا فرق بين أن تمنح هؤلاء الشباب كتاباً للقراءة ، أو أن توفر لهم شاشة لمشاهدة ومتابعة مثلاً كأس العالم..
بدا الرجل من كلامي مستغرباً. تابعت حديثي معه: لا فرق بين ثقافة الأقلام التي تزيد من صحة وسلامة العقل، أو ثقافة الأقدام التي تساهم في زيادة صحة وسلامة الجسم.. ثم إنها امتاع ونشوة، أعطي طفلاً عمره ثلاثة أعوام -لا يعرف لعبة كرة القدم- كُرة، ثُم راقب ما الذي سيقوم به هذا الطفل؟ بالتأكيد سيلعب بالكُرة ويدور ويجري في المكان مستشعراً البهجة والفرح..
اقتنع الرجل بكلامي، وبدا سعيداً، ومثل ذلك بدا الشباب، ليستمروا في مشاهدة ما اعتبروه تمريرة ليونيو ميسي السحرية..
مونديال كأس العالم الذي يُقام كل أربع سنوات ليس مجرد متعة أو بهجة، بل موسم للترفيه والتعرف على سياحة وثقافة البلد المستضيف. كما أن له فوائد ومردودات اقتصادية ضخمة على البلد المُستضيف.
هذه هي كرة القدم الساحرة، ثقافة الأقدام، التي لا تختلف في المباهاه عن ثقافة الأقلام، اللعبة الأكثر إثارة؛ من تُبهج الملايين حول العالم، في وقت يستشعر فيه الجميع بهجة الأجواء المليئة بالتآلف والتلاقي والروح الرياضية..