يقول بعض الأكاديميين، وعلى رأسهم أستاذي المرحوم الدكتور طه أبو زيد، المتخصص في أدب وتاريخ الدولة الرسولية، والمرحوم القيل مطهر الإرياني، والأكوعان، وغيرهم: إن هذا الكتاب كان من تأليف الملك الأشرف إسماعيل ملك الدولة الرسولية، صاحب المدرسة الأشرفية الكبرى، لكن من خلال قراءتي المتعددة له لا أظن أنه عائد إليه لعدة أسباب على رأسها أنه ذكر بعد الدولة الرسولية شذرات من بدايات الدولة الطاهرية، التي أتت بعده بحوالي ستين عاماً.
المهم، أن هذا الكتاب حيّر عقلي، وأتمنى إيجاده ولو بعشرة أضعاف سعره للقراءة المتفحصة مجدداً فيه ومعرفة مصادره، ويمكننا التعرف على مؤلفه، والاحتفاظ به كنسخة نادرة ومرجعية خاصة بنا نحن أبناء سامع وصبر والأشعوب تحديداً.
بعد ذلك الكتاب كانت المفاجأة الأكبر بالنسبة لي، ومن خلال دراستنا للغة اليمنية القديمة، عرفت حينها أن تسمية "سامع" بمعنى (شاهِد)، وأنه اسم إلهٍ من الآلهات اليمنية القديمة، وحديثاً تعرفنا على نقش يؤكد هذه التسمية والمعلومة أنه إله قديم، عبر مكيال حبوب مصنوع من البرونز من قراءة الباحث المتخصص في دراسة المسند اليمني علي ناصر صوال.
تقول قراءة النص للمسند في المكيال/الصواع:
و د د ت/ ذ ت/ ق ي ن ن/ أ ق ن ي ت/ س م ع م
ع د ي/ ر أ س ن/ذ..../ل و ف ي/ أ ث م ر ه م و/
(ودادة القينانية أهدت الإله سامع هذا المكيال لكي يمنحها الثمار الوافرة).
عدم معرفة مكان لقى هذا المكيال/ الصواع بالضبط يفتح المجال لتأويلات كثيرة ودراسات متعددة أيضاً.
كانت التسمية لمنطقة "سَرَّ بيت" بالنسبة لي ملفتة للانتباه، تخبئ في ثناياها الكثير من المعلومات، وكان أول سؤال تساءلته: نعرف أن الاسم مركب من كلمتين في اللغة اليمنية القديمة (سِرْ) وهو الوادي، والوادي معلوم وموجود، ولكن (البيت) مجهول؛ فأي بيت يقصد؟
كذلك نعلم أن (البيت) اسم معبد في اللغة اليمنية القديمة، ولكن أي بيت هو؟ أهو بيت الله الحرام بمكة؟ أم بيت آخر؟ فقد حُفِر في الذاكرة الشعبية المحلية وكرستها الصوفية أن الوادي وقفٌ على بيت الله الحرام بمكة، ولذلك ينسبون الوادي إليها!
بدأت البحث مجدداً حول الأمر، بالإضافة إلى المعلومات السابقة التي ربطنا بعضها ببعض، وعدنا إلى ترجمة النقش الخاص بنعيم/ة في منطقة "سربيت" أعلى، فوجدنا أنها تذكر البيت في أعلى قمة الجبل، والوادي الذي نعرفه تابع لها، فكانت معلومات بالنسبة لنا كباحثين لا تساويها أموال الدنيا.
وأخيراً عرفنا أن البيت المقصود هو ذلك الذي يسميه الناس في ذاكرتهم الشعبية ومصادرهم التاريخية بحصن عبادي، وأن الأساس الباقي فيه هو أساس البيت؛ ذلك البيت الذي يمثل معبد الرب/الإله في قمة الجبل.
هناك قراءة لنقش نعيم في "سربيت"، الذي صار من الصعب قراءته بدقة، للباحث في نقوش سامع وقدس الدكتور بشير القدسي يقول النقش، بحسب الدكتور بشير:
بعون وتوجيه [.....] [أنـ]عم بنت قشعة من "بني عرق" التي تنتمي إلى ذي معافر[ن] قصره يافع وأربيان حفرت وسوّت وبنت واستصلحت شق ورصف وإنجاز [....] النقيل المسمى "ونب" من أسفله وحتى أعلاه وذلك من باب [محفد] ذي العشة بوادي القصر [الأصل هنا البيت وليس القصر] وامتد النقيل حتى فناء [قصره] [بيته] [....] وذلك بعون سيدهم [إله] المطر الكائن في منطقة النعرة بجبل ونب [.أ.ب رم] جزءاً من بيته بني عرق و[ع.] حفر الآبار مع مداخلها (أبواب) لوقت الجفاف [م.بم/وهر.ت]. جنوب [....] كل أحرمم وهعجزم الذي بقرب (وأضاف) ونقب وحفر مقبرة [..نم] بجبل أيون (جبل العنب)، ستفزنت [...] بيته بني عرق، وبرعاية ومساعدة سيدهم كليب بن يشمر يهحمد ذو معافر، ونفذ كتابة هذه السطور إل شرح أشوع.
مع أن بعض الكلمات تحتاج إلى شيء من التدقيق والمراجعة لمعرفة أصولها واتساقها مع التسميات واللهجات المحلية، وعدم التدقيق فيها عائد إلى ضآلة وتلف النقش نفسه.
أكاد أجزم أن فاضل الربيعي لو تَعرَّف على هذه المعلومات لطار بها فرحاً ربما أكثر منا، ولوظفها ذلك التوظيف التوراتي لديه.
فاضل الربيعي ألمح في إحدى مقابلاته المتلفزة إلى منطقة حوراء في سامع أنها المعبر الذي عبر منه إبراهيم الخليل من منطقة الضالع إلى منطقة القدس (قدس)، وأنها هي (حوران) بحسب مخيلته، وما يذهب إليه من آراء لم تقنع أياً من الباحثين الآثاريين، وهو في كثيرٍ منها يخبط خبطَ عشواء كهذه الجزئية مثلاً، فكيف لو عرف بمعلومة جبل الرب هذا؟!