ناجي القرطحي

ناجي القرطحي

*مستشار محافظة إب لشؤون المغتربين

كل الكتابات
شيخ الكنافة.. بكيل غلاب وعامل المطعم
الثلاثاء, 13 مايو, 2025 - 09:38 صباحاً

في مطعمٍ بسيط، حيث لا يعلو صوتٌ على نداء الجوع، وقف أحدهم يبحث عن "كنافة"، لا ضير، فطلب الطعام لا يعيب أحداً. لكنّ العيب كل العيب أن يطلق لسانه فجوراً على عاملٍ بسيط، يخدمه ويصبر على نزق الزبائن ومزاجهم المتقلب. قال له: "أين الكنافة يا حمار؟" فكان الرد من العامل الذي لم يحتمل الإهانة: "ما حمار إلا أنت."
 
ردٌ في موضعه، لا يخلو من الكرامة، وإن كان غاضباً. لكن ما حدث بعد ذلك يفضح أزمةً أخلاقيةً أعمق من صحن كنافةٍ تأخّر عن الموعد.
 
فجأةً، يتحول المطعم إلى حلبة. يتقدّم ما يُسمّى "الشيخ بكيل صالح غلاب"، وينهال بالضرب على العامل وكأنه يضرب خصماً في معركة ثأر، لا إنساناً بسيطاً أفلتت منه كلمة دفاعاً عن كرامته.
ترى، من هو الحمار؟
 
أهو ذاك الذي تلفّظ بالشتيمة أولاً؟
أم من ردّها بالمثل؟
أم من تجنّى على المظلوم واعتدى عليه لأنه لا يحمل لقب "شيخ" ولا يتقن العيش في قطيع العنتريات؟
إلى شيوخ العقال الذين تمشيهم نعرة الجاهلية:
 
كفى.
كفاكم رقصاً على جماجم البسطاء.
كفاكم استخداماً للقب "شيخ" وكأنه تصريح بالضرب، والشتم، وإذلال خلق الله.
الشيخ الحقيقي هو من يحفظ كرامة الناس، لا من يدوسها بقدميه ويبررها بسُلالةٍ أو نسب.
إلى الناشطين الصامتين أمام الباطل:
تتحدثون عن الحرية والكرامة في منشوراتكم، تكتبون عن الحقوق في تعليقاتكم، لكن حين يُضرب عاملٌ فقير في وضح النهار، تصمتون.
 
أهذا هو النضال الانتقائي؟
أم أن لكم قائمةً بالظالمين المسموح بإدانتهم، وقائمةً أخرى لا يجرؤ أحدكم على ذكرها؟
الساكت عن الحق شيطان أخرس، فكونوا بشراً، لا شياطين بثياب النضال.
إلى الناس، إلى الرأي العام:
لا تسمحوا لهذه الحادثة أن تمرّ وكأن شيئاً لم يكن.
 
لا تضحكوا على مشهد الضرب وكأن العامل ممثل في فيلم رديء.
هو إنسان. له كرامة. له حقوق. له عائلة تنتظر عودته سالماً لا مدماة كرامته.
رسالة أخيرة إلى الشيخ "الحمار":
إن كنت ترى في نفسك مقاماً أعلى من الناس، فاعلم أن الحمار – وإن لم يتكلم – لا يضرب أحداً.
فما بالك بمن نطق، وشتم، وضرب، وأهان؟
 
إن كنت شيخاً، فتصرف كشيخ.
 
وإن كنت تحمل عقل الحمار، فاشكر الله أنه لم يمنحك قوته على الصبر.
 
العدالة تبدأ من أبسط المواقف. من وقفة أمام شيخٍ ظالم، من نصرة عاملٍ مكلوم، من قول "لا" حين يخاف الجميع أن ينطقوا بها.
 
لأجل الكرامة، لا تسكتوا.
لأجل العدالة، لا تساوموا.
ولأجل ذلك العامل، لا تتراجعوا حتى يأخذ حقه كاملاً، غير منقوص.
 

التعليقات