فيصل علي

فيصل علي

إعلامي وأكاديمي يمني.

كل الكتابات
الشيخ حنتوس: الكرامة آخر البنادق
الخميس, 03 يوليو, 2025 - 06:01 مساءً

لم يكن الشيخ السبعيني ينتظر نصرًا خارجيًا أو معجزة. لقد أدرك، وهو يرى المسلحين يطوّقون منزله، أن لحظة الحقيقة قد حلّت. اختار أن يواجههم بسلاحه الشخصي، لا ليهزمهم، بل ليهزم الخضوع، وقال عبارته الأخيرة: "هذا البلد لا يتسع لكم وللحوثيين معًا"، ثم أطلق رصاصته، واستُشهد واقفًا، كواحد من جبال اليمن.

ذلك الجبل، حيث سقط شهيدًا، يستحق أن يُسمّى باسمه، ليظل علامة شاهدة على أن في هذا البلد رجالًا لا يركعون.

لم يطلب الشيخ من أحد أن يلحق به، ولم يُراهن على أحد، لكنه في موقفه الجريء والبسيط قدّم أنقى تعبير عن الكرامة والمقاومة.

البعض اعتبر فعله تهورًا، وآخرون حاولوا توظيفه سياسيًا، وهناك من قلل من رمزيته. لكن الحقيقة لا تحتاج تبريرًا ولا تأويلاً: رجل أعزل، في منطقة معزولة، واجه جماعة مسلحة حتى الشهادة. وهذا وحده كافٍ ليُخلَّد في سجل من قاوموا الاستبداد بإرادتهم الحرة.

مقاومته ليست استثناءً، بل امتداد لإرث يمني متجذر، يرفض التسلط والتدجين. والدرس الذي يقدّمه لا يُختزل في هوية دينية أو اتجاه سياسي، بل يجب أن يُروى للأجيال كموقف يعلّمهم أن الكرامة لا تُشترى، وأن الصمت أمام الظلم ليس هو الخيار الآمن ولا الصحيح دائمًا.

أما اتهامات الجماعة له بمحاولة عرقلة "دعمهم لغزة"، فليست أكثر من مهزلة مكشوفة. كيف يمكن لشيخ أعزل في قرية نائية أن يعيق مسار صواريخهم؟ إنها محاولة مفضوحة لاستخدام غزة كغطاء للتنكيل، وتجميل وجه جماعة لا تقاتل إلا في الداخل، بالوكالة عن طهران.

ومن يظن أن فعله لا يُعد مقاومة لأنه دينيّ الهوية، فهو غافل عن طبيعة المشهد اليمني. فتدريس القرآن في مناطق تخضع لوصاية فكر طائفي يحتكر تأويل النصوص، هو في حد ذاته فعل مقاومة. وقد اختار الشيخ أن يظل مخلصًا لضميره، فواصل تعليم القرآن كما هو، في بيته، بلا وصاية ولا تزييف
.
أما الذين وصفوا مقاومته بالعبث، فقد سقطوا في فخ الواقعية المهزومة. فالشيخ لم يخطط لثورة، بل واجه ما استطاع إليه سبيلاً، وكان استشهاده وثيقة تُسجّل أن اليمني، حتى في وحدته، قادر على الرفض.

الشيخ حنتوس ليس حالة حزبية، ولا حالة طائفية، ولا واجهة سياسية. هو نموذج حر، يجب ألا يُحتكر، ولا يُلحق بأي إيديولوجيا. لم ينتظر فتوى بعدية، ولا تصريحًا لاحقًا. لتكن تجربته ملكًا للأحرار في كل مناطق اليمن، ويجب أن تُدرّس كنموذج للمقاومة الذاتية، التي لا تحتاج إلى جيوش، بل إلى ضمير حي.
 

التعليقات