[ منذ الانقلاب العسكري صيف 2013 تضيق السلطة المصرية على حركة الإبداع (الجزيرة) ]
"من وسط غيوم الخريف.. أطلت الفرحة، ولاح الشقاء.. وعلى أوراقه المتساقطة خُطت حكايتهم وحكايتنا"، بهذا المقطع تفتتح نهى الزيني روايتها الأولى "بلا وطن" التي لم تمكث كثيرا في المكتبات لأسباب لا تتعلق بالأدب، لتلوح حكاية الشقاء مع مؤلفة العمل نفسها.
بهدوء ودون ضجة اختفت الرواية الصادرة عن دار الكرمة في ديسمبر/كانون الأول 2018 من المكتبات، وانسحبت من العرض خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب في يناير/كانون الثاني الماضي.
ويبدو أن دار النشر تدرك جيدا الأوضاع الأمنية والسياسية في مصر، لذا لم تقف لمجابهة منع الرواية بل إنها لم تُعلن أو تُفسر حتى أسباب اختفائها، ليكون محرك البحث غوغل وسيلة وحيدة للحصول عليها.
رواية "بلا وطن" التي تتحدث عن تاريخ الحركات الإسلامية في مصر بشكل يبدو أن السلطة ارتأته غير مناسب لتوجهاتها، ليست الكتاب الوحيد الذي تعرض للمصير نفسه.
فمنذ الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي في يوليو/تموز 2013 إثر انقلاب عسكري، تضيق السلطة المصرية على حركة الإبداع.
منع الكتب
"إحنا فقرا أوي" عبارة شهيرة صرح بها الرئيس عبد الفتاح السيسي ليبرر من خلالها تردي أوضاع الاقتصاد المصري بسبب فقر مصر والمصريين، وظل تصريحه مادة للتندر بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، غير أن الباحث الاقتصادي عبد الخالق فاروق حاول الرد بشكل عملي من خلال كتابه "هل مصر دولة فقيرة حقا؟".
وتناول الكتاب كيف أن مصر تمتلك ثروات كثيرة لكن الفساد والإدارة الفاشلة تسببا في التردي الاقتصادي.
ويبدو أن السلطات المصرية رأت في الكتاب ما يحرج السيسي ويلقي باللوم على القيادة نفسها، فألقت الجهات الأمنية القبض على مؤلف الكتاب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وحبس على ذمة التحقيقات بتهمة نشر أخبار كاذبة، قبل إطلاق سراحه بعد ذلك.
ولم يكتف النظام بذلك، بل حبس صاحب المطبعة وحظر وصادر الكتاب الذي وفق تأكيد مؤلفه حصل على جميع التراخيص اللازمة لإصداره من الجهات المعنية.
كذلك رواية "بلا وطن" عوقبت بالمنع ليس فقط لمحتواها، بل لكون مؤلفتها التي تعمل مستشارة بالقضاء المصري لها تاريخ من المعارضة سواء في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك أو رفضها للانقلاب العسكري في 2013.
وامتد الهجوم على الرواية بأن أمر النائب العام بالتحقيق في بلاغ يطالب بعزل الزيني من منصبها كنائب لرئيس هيئة النيابة الإدارية على خلفية إصدارها رواية اعتبرها البلاغ قوة ناعمة تروج لجماعة إرهابية.
المصير نفسه كان لكتاب "الأقوال المأثورة" لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا، حيث صادره المسؤولون عن معرض القاهرة الدولي للكتاب في يناير/كانون الثاني الماضي، بعد أن اكتشفوا عرضه في جناح دور النشر المغربية.
وكان وزير الأوقاف محمد مختار جمعة أصدر قرارا في يونيو/حزيران 2015 بإعادة فرز مكتبات المساجد وحرق جميع الكتب التي وصفها بالمحرضة، وهو ما حدث أيضا مع مكتبة مدرسة إسلامية بمحافظة الجيزة في العام نفسه.
هجرة المبدعين
حالة التضييق التي يمارسها النظام المصري على الكتّاب لم يصمد أمامها بعض المبدعين الذين لم يجدوا مفرا من ترك البلاد، إما لممارسة إبداعهم في حرية أو خوفا من الملاحقة الأمنية.
القاص والكاتب الصحفي بلال فضل لم يتحمل التضييق الذي مورس على قلمه، بعد أن مُنع مقاله "الماريشال السياسي" في فبراير/شباط 2014، من النشر في صحيفة الشروق، ورفضت باقي الصحف نشر المقال، كما منع مسلسل "أهل إسكندرية" الذي ألفه من العرض في مصر.
ترك فضل مصر لتكون وجهته إلى الولايات المتحدة الأميركية، ومنها بدأ يستأنف نشاطه، سواء الإعلامي أو الإبداعي، فأعلن مؤخرا قرب انتهائه من تأليف روايته الأولى.
ولحقه الروائي علاء الأسواني الذي غادر إلى أميركا بعد أن مُنع من الكتابة في الصحف المحلية.
لكن الأمور جرت مع الأسواني بشكل أسوأ، فهو يواجه المحاكمة العسكرية بتهمة إهانة عسكريين بعد نشره مقالا في صحيفة دويتشه فيله عن التعديلات الدستورية وتعيين ضباط جيش في مناصب مدنية.
أيضا حظرت السلطات روايته "جمهورية كأن"، التي نُشرت العام الماضي، وتتناول أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني.
مقابل هجرة الكتّاب، منعت السلطات المصرية الصحفي الأميركي ديفد كيركباتريك من دخول مصر، وهو مؤلف كتاب "في أيدي العسكر: الحرية والفوضى في مصر والشرق الأوسط".
وأُوقف كيركباتريك في فبراير/شباط الماضي في مطار القاهرة الدولي لمدة سبع ساعات قبل أن تسمح له بالمغادرة إلى لندن.
قبضة السلطة امتدت أيضا إلى الناشرين، ففي فبراير/شباط الماضي أيدت محكمة الاستئناف المصرية حكما بالسجن خمس سنوات على مؤسس دار نشر "تنمية" خالد لطفي بتهمة إفشاء أسرار عسكرية لتوزيعه النسخة العربية من كتاب "الملاك: أشرف مروان" للمؤلف الإسرائيلي يوري بار جوزيف.
ويتناول الكتاب قصة أشرف مروان صهر الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، ويقول إن الرجل كان عميلا لإسرائيل.
الاعتقال أيضا كان مصير مدير التوزيع في دار المرايا للنشر والتوزيع أيمن عبد المعطي، حيث اقتحمت قوة أمنية الدار للقبض عليه بتهمة الانضمام إلى جماعة إرهابية، والترويج لفعل إرهابي ونشر أخبار كاذبة عن طريق استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
كما أغلقت الأجهزة الأمنية في سبتمبر/أيلول الماضي مكتبة البلد بدعوى أن المكتبة غير مرخصة. وهي مكتبة مملوكة لرئيس الحزب المصري الديمقراطي المعارض فريد زهران.
وقبل عامين، تحفظت لجنة التحفظ على أموال الإخوان على مكتبات ألف -تضم 37 فرعا- وعينت اللجنة مراقبين لمتابعة الأداء الإداري والمالي للشركة.
والشهر الماضي ألقى الأمن القبض على رئيس مجلس إدارة مكتبات ألف عمر الشنيطي، بزعم تمويل مخطط وتحركات معارضة للنظام.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2016 أغلقت السلطات مكتبتين تابعتين لسلسلة مكتبات الكرامة، التي أسسها الناشط الحقوقي جمال عيد.
ورغم كل ما يواجهه المبدعون من تضييق في مصر، يرفض رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده اعتباره تراجعا لحرية الفكر والإبداع في بلاده.
وقال في تصريحات صحفية إن حرية الإبداع للناشرين والكُتاب في مصر مصونة دوما، ولا أحد يمسها من قريب أو بعيد.
وأضاف أن الناشرين ليسوا فوق القانون، موضحا أن الأزمات المتكررة يخلقها جهل الناشرين بميثاق الشرف الذي أقره الاتحاد، وأعراف المهنة المعمول بها عند كل ناشري العالم واتحادات الكُتاب.
الحصار والمنع لا يقتصران على الكتب والكتاب فقط، بل هناك العديد من الممثلين المغضوب عليهم من قبل السلطات بسبب مواقفهم السياسية، مما اضطر بعضهم للهجرة، مثل خالد أبو النجا وعمرو واكد وهشام عبد الحميد وهشام عبد الله ومحمد شومان، والمغني ياسر المناوهلي، فضلا عن منع بث أغاني حمزة نمرة في الإذاعة والتلفزيون.