يمر الإنسان عادة بظروف استثنائية تكون سببا لاستحضاره أفكارا مميزة في مجتمعه، وهو ما فعلته الأردنية إسراء الصافي، عندما قررت إحياء "حكاية الدمى" لإدخال السرور إلى قلب ابنها الذي رُزقت به بعد عدة عمليات أطفال أنابيب.
وعززت البيئة التراثية التي تعيش فيها إسراء (40 عاما) من دوافع استلهامها لتلك الفكرة، حيث تقيم في مدينة السلط الأردنية غرب العاصمة عمّان، والتي تشتهر بتنوعها الحضاري، وخصوصا العثماني.
وفي زمن الدولة العثمانية (1299-1923)، كان المسرح وسيلة لتسلية المواطنين والتعبير عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية للدولة، وهو ما تفعله إسراء حاليا ولكن بأسلوب عصري.
تحمل إسراء درجة الماجستير في علم النفس التربوي، وتحديدا في الذكاء الانفعالي، وهو ما ساعدها على ترويج فكرتها التي تركز على فئة الأطفال، بهدف إبعادهم عن الشاشات وتعزيز أسلوب التواصل لديهم من الآخرين.
"حكاية الدمى" أو "دمى العرائس" أو "عروسة الكاراكوز"، جميعها مسميات للعرائس المتحركة التي باتت نادرة الوجود في الأردن، لكن إسراء أعادت حضورها رغم التطور التكنولوجي، لتلقى إقبالاً واسعاً في المجتمع.
ويطلق سكان مدينة السلط على تلك الدمى ذات الأحجام المختلفة اسم "كاراكوز"، الذي تعود أصوله للعهد العثماني وتعني اصطلاحا "مسرح خيال الظل".
** العمل مع الأطفال
تقول إسراء للأناضول إنها رُزقت بطفلها "عون" بعد طول انتظار، حيث أجري لها عدة عمليات زراعة أنابيب حتى نجحت واحدة منها لتصبح أمّا، وتخصص هي وزوجها مهند (54 عاما) كل حياتهما لرعاية ابنهما.
وأضافت: "في يوم من الأيام، اصطحبنا عون إلى عرض دمى بسيط، ولكننا شعرنا بأن الأداء ليس بالمستوى المتوقع، ويمكن أن يكون أفضل، وعندها جاءتني فكرة تطوير هذا الفن".
وفي تلك الفترة، كانت إسراء تعمل في منظمة دولية تهتم بالطفولة، إلى جانب عملها في تقييم المجموعات القصصية المقدمة للأطفال في المنظمة.
وتابعت إسراء: "قديما، كان الأتراك يسمون فقرة من فقرات العرض بالكاراكوز، ومع عودة الحس الإسلامي في مجتمعاتنا، كان من الضرورة إحياء ذلك التراث العثماني بأسلوب عصري".
وبينت أنه "في العصر العثماني، كان الكاراكوز والدمى المتحركة تستخدم لمخاطبة الشعب لإيصال العديد من الأفكار في مختلف جوانب الحياة".
** تصنيع الدمى
عمليا، تقول إسراء إن عملها في صناعة الدمى "بدأ فعليا قبل عام واحد"، لافتة إلى أنها استوردت من الولايات المتحدة دمى لعائلتها جرى صناعتها بناء على أفكارها الخاصة.
وأضافت: "سجلنا الدمى لدى دائرة المكتبة الوطنية (حكومية)، ولدينا ملكية فكرية لعدد 4 دمى كبيرة و20 متوسطة و40 صغيرة، إضافة إلى دمى الماريونيت".
ودمى "الماريونيت" المعروفة باسم "العرائس المتحركة"، عبارة عن مجسمات اصطناعية يتم التحكم في حركاتها من قبل أحد الأشخاص إما يدويا أو عبر خيوط أو أسلاك أو عصي.
** مسرح للجميع بإلهام تركي
وأوضحت إسراء أن فكرتها تهدف إلى جعل مسرح العرائس "شاملا ومحببا للكبار والصغار من خلال أفكار لعروض مميزة توصل رسائل معينة بشأن أي قضية تهم المجتمع".
وأردفت: "لدينا 15 سيناريو مختلفا، وجميعها تعرض باللغة العربية الفصحى، باستثناء واحد منها باللهجة العامية لأنه يحاكي عادات وتقاليد خاصة بالأردن".
وزادت: "رغم بساطة العرض لدينا حضور وإقبال لافت، خاصة بعدما قرأت أنا وزوجي تاريخ الكاراكوز العثماني، وقمنا بتطويره ليكون أكثر حداثة ومنسجما مع العصر ومتطلبات الأطفال".
وأكدت أن الهدف من فكرتها هو "إعادة إحياء التراث بطريقة عصرية وبأداة تقليدية تفيد الأطفال وتبعدهم عن الشاشات وتعزز مهارات التواصل لديهم".
كما يهدف المشروع إلى "تعزيز بعض القيم التي تراجعت في المجتمع، بإلهام تركي عبر تجربة الكاراكوز".