استخدمت شفرة بحرب أكتوبر 1973.. لغة النوبة وثقافتها في مواجهة "الغرق" والتغييب
- الجزيرة نت الأحد, 13 أكتوبر, 2019 - 11:54 مساءً
استخدمت شفرة بحرب أكتوبر 1973.. لغة النوبة وثقافتها في مواجهة

[ مشهد من مدينة أسوان المصرية ]

في الذكرى الـ46 لحرب أكتوبر 1973، تعود الأضواء إلى صفحة مفقودة أتت من جنوب مصر وشمال السودان، عندما استخدمت اللغة النوبية من قبل قادة القوات المصرية للتمويه وخداع العدو فيما عرف بـ"الشفرة النوبية".

 

وبحسب الرواية المتداولة، فإن شفرات الاتصال العسكرية كان يتم اعتراضها وفكها من جانب الجيش الإسرائيلي، ولجأ الرئيس المصري آنذاك أنور السادات لمقترح رجل نوبي اقترح اللسان النوبي كلغة تواصل سرية، باعتبار أنها لغة "محادثة" غير مكتوبة ولا أبجدية لها، ولا يعرفها إلا أبناء النوبة في مصر والسودان.

 

اللغة والثقافة

لكن "شفرة حرب أكتوبر" التي أسهمت في نصر أكتوبر تعاني الإهمال والاندثار والتغييب؛ وبعد مرور أكثر من نصف قرن على تهجير النوبيين المصريين من قراهم بجنوبي مصر عقب بناء السد العالي، لا يناضل النوبيون فقط من أجل المطالبة بعودتهم إلى قراهم التي هجروا منها، وإنما يكافحون أيضا للحفاظ على لغتهم الأم التي استخدمت في حرب أكتوبر وتراثهم الشعبي وثقافتهم الموروثة خاصة بين الأجيال الجديدة، ويعانون من تجاهل مطالبهم الثقافية والسياسية على حد سواء.

 

ويناضل النوبيون كذلك منذ عقود لحل قضية "ازدواج اللغة"، فبينما يتحدثون في أماكن التعليم والعمل بالعامية المصرية، فإنهم يتواصلون في بيوتهم باللغة النوبية التي تعد لغتهم الأم.

 

وتناقل النوبيون لغتهم شفاهة ونقشت على جدران المعابد في مدينة مروي النوبية القديمة، ودونت بها كذلك نصوص مسيحية قديمة قبل أن تختفي الأبجدية تدريجيا، بينما جرى إعادة اكتشافها بواسطة الأكاديمي مخمار خليل كبارة الذي دون في كتابه "اللغة النوبية كيف نكتبها" قواعد للغة النوبية ووضع أحرف أبجدية لتدوينها.

 

وألقى استخدام الجيش المصري للغة النوبية كشفرة عسكرية الضوء على الثقافة النوبية المهددة بالاندثار في مصر، إذ فاقم انتقال مجتمعات نوبية لقرى جديدة بنيت بعد التهجير الكبير للنوبيين من معاناتهم، وحرمت القرى النوبية من خدمات أساسية واشتهرت ببنائها الرديء وبعدها عن نهر النيل، وهي معاناة إضافية للمزارعين الذين اعتادوا على زراعة المحاصيل على ضفاف النهر الخصبة.

 

ومن الصعب الحصول على تعداد للسكان النوبيين اليوم، إذ ينتشرون في مناطق ريفية مصرية مهملة، والمناطق التي ينعدم فيها القانون في السودان ونادرا ما يزورها القائمون بالإحصاء، ومع ذلك يعتقد أن النوبيين يمثلون ما يقرب من 1% من سكان مصر بحسب تقرير لناشونال جيوغرافيك.

 

وازدهرت الموسيقى النوبية خلال نزوح النوبيين وتهجيرهم، إذ حملوا معهم أغانيهم الحزينة التي تعبر عن فقدانهم لوطنهم وحنينهم لقراهم التي غمرتها المياه، ويعرف النوبيون كذلك بمهاراتهم اللغوية العالية ويلعبون دورا ملحوظ في قطاع السياحة المصري.

 

تاريخ من التهجير

عاش النوبيون تجربة التهجير عدة مرات، بدأت مع بناء خزان أسوان 1902، إذ غرقت على إثره عشر قرى نوبية خلف السد، وبعد عشر سنوات عندما جرت تعلية الخزان غرقت ثماني قرى أخرى، وعندما تم تعلية السد مرة ثانية عام 1933 غرقت قرابة عشر قرى إضافية وهاجر سكانها لمناطق أخرى، بينما غرق بعض النوبيين في ماء النيل ونهشت التماسيح جثامينهم.

 

لكن أكبر موجة لتهجير أهالي النوبة جاءت مع بناء السد العالي جنوب مصر عام 1963، إذ تم ترحيل عشرات الآلاف من الأهالي إلى هضبة كوم أمبو ليعيشوا على امتداد خمسين كيلومترا فقط بعد أن كانوا على امتداد ستمئة كيلومتر، وقسمت الدولة وقتها النوبيين إلى فئة المقيمين بالنوبة القديمة وأعطتهم بيوتا بالقرية الجديدة، وفئة المغتربين ولم تبن لهم مساكن أو تصرف لهم تعويضات كافية.

 

وظلت مآسي الغرق والتهجير محفورة في أذهان النوبيين وتوارثوها جيلا بعد جيل، ولم يسلم من نجا من الغرق إذ استمرت المعاناة بعد التهجير واضطر بعضهم لصعود الجبال أو الرحيل إلى القاهرة والإسكندرية ومدن قناة السويس أو السودان، ليبدؤوا حياة جديدة وكأنهم لم يعيشوا بجوار النيل قرونا.

 

وفي موسوعة شخصية مصر، يقول مؤلفها الدكتور جمال حمدان "كان النوبي أول إنسان زرع ورعى الماشية منذ أقدم الحضارات، ساعده في ذلك ترسب التربة الطينية الصالحة للزراعة على جوانب النيل مع قدوم الفيضان، مما جعل الأراضي النوبية حول شريان النيل".

 

وإذ يؤدي بناء سد النهضة الأثيوبي إلى المساس بحصة مصر (دولة المصب) من مياه نهر النيل، فإن الذاكرة النوبية عرفت تاريخا طويلا من المعاناة مع السدود النهرية منذ أكثر من قرن من الزمان، وبالنسبة للنوبيين الذين يعيشون جنوب مصر وشمال السودان تبدوا المعاناة مع السدود النهرية متكررة ومألوفة نوعاً ما.


التعليقات