[ الضعف الذي يبديه حاليًا صالح أمام الحوثيين سيؤثر على القوات العسكرية الموالية له نفسيًا ]
مع استمرار الخلافات بين شريكي الانقلاب، المخلوع علي صالح وجماعة الحوثي، والتي تنذر بمواجهات عسكرية بينهما، تبرز عدة تساؤلات في أوساط المتابعين والمحللين السياسيين، لعل أهمها: من هو الطرف الأقوى عسكريًا؟ وهل بإمكانه حسم المعركة لصالحه؟ وكيف سيؤثر ذلك على طبيعة الصراع في البلاد بشكل عام؟ وما مدى تأثيره على مواقف الدول الأجنبية من الصراع في اليمن؟
تؤكد المؤشرات المختلفة، منذ عدة أشهر، أن المواجهات المؤجلة بين الطرفين اقترب موعدها، وأن كل طرف ينتظر الفرصة المناسبة للإجهاز على الطرف الآخر، وأن التهدئة الأخيرة بينهما ليست سوى مهلة ليستعد كل طرف لمواجهة الطرف الآخر في حرب قد تكون مصيرية، كل ذلك نتيجة العلاقة المفخخة بين الطرفين وعدم الثقة بينهما، بسبب الإرث المؤلم لحروب صعدة الست في عهد حكم المخلوع علي صالح، إلى جانب الصراع على المكاسب والنفوذ في المحافظات التي يسيطرون عليها، بالإضافة إلى حرص كل طرف على عدم مشاركة الطرف الآخر في مكاسب ما بعد الحرب، بصرف النظر عن الطريقة التي ستنتهي بها.
وفي خضم هذا الوضع المشحون بالتوتر، يبدو السباق واضحًا بين الطرفين على استقطاب الجزء الأكبر من القوة العسكرية المزدوجة الولاء للطرفين، سواء كانت جيوشًا نظامية أو مليشيات قبلية، في ظل خشية كل طرف من التقلبات السريعة لميزان القوة التي يتسابقان عليها، وهي التقلبات التي حيّرت العديد من المراقبين والباحثين في محاولة تقديرهم للطرف الأقوى عسكريًا، وتبرز هذه التقلبات في الحشود المناسباتية لكل طرف، ومحاولة توظيفها كرسائل موجهة للطرف الآخر، وفيما يلي أسباب هذه التقلبات:
- الولاء المزدوج لطرفي الانقلاب
يشكل الولاء المزدوج لطرفي الانقلاب من قبل هذه القوات، بشقيها العسكري والمليشيات القبلية، أبرز أسباب تقلب ولاءاتها في لحظات التوتر بين الطرفين، ذلك أن الجزء الأكبر من هذه القوات هم من منتسبي ما يعرف بـ"قوات الحرس الجمهوري"، واستطاعت جماعة الحوثي استقطابهم بسبب تماهي المخلوع علي صالح مع المشروع الحوثي، وعززت الجماعة هذا الاستقطاب بدورات عقائدية كانت وما زالت تقام في عدة أماكن، بينها معسكرات تتبع قوات الحرس الجمهوري ذاتها.
وشكّل الطابع الإحيائي المذهبي المتطرف لجماعة الحوثي السبب الرئيسي في إشعال حماس منتسبيها الجدد، وتصوير المعركة على أنها وجودية تستهدف المذهب الزيدي بذاته، وأيضًا التمجيد المبالغ فيه لزعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، والزعم بأنه من أحفاد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نصرته واجبة، وتعد نصرة لله ولرسوله وللدين الإسلامي، وهذا أمر له أثر كبير في بيئة قبلية وبدائية تتسم بالجهل، وزاد الطين بلة طبيعة الصراع المذهبي الإقليمي الذي ترعاه إيران وأذرعها القوية في المنطقة العربية.
ومع ذلك، فهذه العوامل تتراجع أهميتها نوعًا ما في أوقات التوتر بين الطرفين، بسبب سوء إدارة جماعة الحوثي للمحافظات التي تسيطر عليها، وتردي سمعتها الأخلاقية، فضلًا عن حرمان الكثير من هؤلاء الجنود من مرتباتهم، في وقت يرون فيه قيادات جماعة الحوثي يتطاولون في البنيان ويعيشون حياة البذخ والإسراف، وهو ما يشكل دافعًا رئيسيًا لبعض هؤلاء للعودة إلى ولائهم للمخلوع صالح ضد جماعة الحوثي.
- الطابع النفعي والمصلحي
القوات الموالية لطرفي الانقلاب، أو المزدوجة الولاء لهما، بشقيها العسكري والمليشيات القبلية، يتم التلاعب بولاءاتها وتنقلها بين هذا الطرف أو ذاك في الغالب من قبل كبار الضباط ومشائخ القبائل، بسبب نفوذهم العسكري والاجتماعي.
وهؤلاء الضباط والمشائخ، بالإضافة إلى المقاتلين من عسكريين وقبليين، تتحول وتتقلب ولاءاتهم غالبًا لعاملين رئيسيين: الأول، المصلحة الشخصية والآنية، مثل الحصول على أموال كثيرة، أو الحصول على امتيازات في التوظيف وتسهيلات في التجارة والجباية وغيرها. والثاني، الشعور بأن هذا الطرف هو الأقوى في الميدان من الطرف الآخر، تحت تأثير دعاية إعلامية تتخللها الحشود الجماهيرية الكبيرة.
ومن هنا، تتحول الولاءات بسرعة إلى جانب الطرف الذي يبدو أقوى في الميدان، طمعًا في غنائم ومكاسب ما بعد الحرب، وخوفًا من المنتصر الذي قد يفتك بأعدائه أو يتعمد تهميشهم وحرمانهم من أبسط الحقوق.
- الولاءات الفرعية على حساب الولاء الوطني
تتسم معظم قبائل شمال الشمال في اليمن بالولاءات الفرعية الضيقة من قبلية ومناطقية ومذهبية وعائلية، ويغيب تمامًا المشروع الوطني الجامع، وذلك بفعل تراكم تاريخي كرّس هذه الولاءات منذ عهد الأئمة الزيديين، الذين حولوا هذه القبائل من قبائل تمتهن الفلاحة والزراعة إلى قبائل محاربة، وشجعوا نشر مذهبهم في أوساطها من خلال منح الملتحقين به وظائف عسكرية وغيرها، فضلًا عن وظائف كانت حينها مغرية، مثل جباية الزكاة والإتاوات الأخرى.
وتعمد المخلوع علي صالح تغذية هذا الإرث العصبوي الضيق وتكريسه لصالحه، من خلال حرمان هذه المحافظات من التنمية والتعليم والوظائف المختلفة، وتشجيع أبنائها على الالتحاق بالسلك العسكري، من أجل استغلال ولاءاتها الضيقة، بعد نفخ روح التعصب فيها، من أجل المشاريع الضيقة، كالتوريث والدفاع عن السلطة لصاحبها حتى آخر رمق.
وبما أن أسباب الولاء في هذه المحافظات تعود لعوامل مذهبية وقبلية ومناطقية، وبما أن عوامل استمرار المخلوع صالح وعبدالملك الحوثي كفاعليْن رئيسييْن في الأزمة اليمنية تستند إلى الولاءات المذكورة، فإن ميزان القوة المتذبذب بينهما يأتي كنتيجة لتلك العوامل، مع تباين نوعي، فالولاء لعبدالملك الحوثي يزداد عندما يحضر البعد الطائفي والمذهبي في الصراع، والولاء للمخلوع صالح يزداد عندما يتراجع البعد المذهبي ويحضر البعد المناطقي والمصلحي والنفعي في الصراع.
- اضطراب فارق التسليح والتدريب
من الواضح أن أغلب القوة العسكرية للحوثيين تتكون من مليشيات قبلية بلا خبرات عسكرية أو تدريب جيد، إلى جانب أعداد محدودة من منتسبي قوات "الحرس الجمهوري"، بالإضافة إلى كتائب خاصة وعقائدية تلقت تدريبًا جيدًا، لكنها قليلة العدد، وليس لديها أسلحة نوعية، فضلًا عن القدرة على استخدامها، بينما القوات العسكرية الموالية للمخلوع علي صالح، فأغلبها من منتسبي الجيش النظامي، وتشمل العدد الأكبر من منتسبي قوات الحرس الجمهوري، وبعض منتسبي وحدات الجيش الأخرى، وهي قوات تلقت تدريبًا جيدًا بخصوص التخطيط للمعارك واستخدام مختلف أنواع الأسلحة، بالإضافة إلى مليشيات قبلية قليلة العدد، يتم استدعاؤها وقت الحاجة.
يتضح مما سبق أن الفارق النوعي يرجح كفة القوات الموالية للمخلوع صالح، وهو الفارق الذي يتلاشى أمامه الفارق الكمي الغير معروف لصالح من يميل تمامًا، لكن هناك عوامل أخرى تفرغ هذا الفارق من محتواه، لعل أهمها، أن أغلب القوات العسكرية الموالية للحوثيين، سواء منتسبي قوات الحرس الجمهوري أو المليشيات القبلية، هي الأكثر شجاعة وإقدامًا وتهورًا في القتال، فضلًا عن اكتسابها خبرات في حرب الشوارع، وتأثير الدورات العقائدية عليها.
أما القوات العسكرية الموالية للمخلوع صالح، وخاصة قوات الحرس الجمهوري، فهي قوات مكسورة الجناح، بسبب فشلها في مواجهة التحالف العربي في بداية عملية "عاصفة الحزم"، كما أنها أصبحت مجردة من أسلحتها النوعية التي تدربت عليها، والتي نجح التحالف العربي في تدميرها، وما تبقى منها نهبتها مليشيات الحوثي، فضلًا عن عدم اكتساب هذه القوات لخبرات قتالية ميدانية، لأنه لم يسبق لها أن خاضت مواجهات عسكرية، وتدريبها تركز في أغلبه على خوض المواجهات مع جيوش نظامية، وتفتقد تمامًا للخبرة في حرب الشوارع، وهي الحرب التي ستشهدها شوارع العاصمة صنعاء في حال اندلعت المواجهات بين الطرفين.
كما أن الضعف الذي يبديه حاليًا المخلوع صالح أمام الحوثيين سيؤثر على القوات العسكرية الموالية له نفسيًا، وسيكسبها الذل، لكن بإمكان هذه القوات النهوض والمواجهة المصيرية مع الحوثيين، في حال تم إسنادها بمليشيات قبلية متهورة تتقدم الصفوف، واستقطاب مقاتلين انخرطوا مع جماعة الحوثي ممن اكتسبوا خبرات قتالية في حرب الشوارع.
- من سينتصر؟
في ظل تذبذب ميزان القوة العسكرية المتنقلة بين طرفي الانقلاب، بسبب التجانس المذهبي والاجتماعي، وتعدد الولاءات الفرعية من قبلية ومذهبية ومناطقية، فضلًا عن عوامل المصلحة الذاتية والآنية وتأثير الحرب النفسية والإعلامية، كل ذلك يجعل من الصعب التكهن في من سينتصر على الطرف الآخر في حال نشوب مواجهات عسكرية مصيرية بينهما.
ومن خلال كل ما سبق ذكره، يبدو أن الكفة تميل لصالح جماعة الحوثي، فالجماعة اكتسبت خبرات قتالية عملية، تحركها عوامل عقائدية وثورية وشجاعة متهورة، ونشأتها أساسًا كانت عسكرية وقتالية من بدايتها، وزعيمها مختفٍ في كهوف صعدة، وبإمكانه إعلان الحرب على المخلوع صالح من كهفه الآمن.
أما المخلوع علي صالح فلا يمكنه إعلان الحرب على الحوثيين إلا في حال تمكن من مغادرة العاصمة صنعاء إلى مكان سري وآمن، فبقاؤه في صنعاء نقطة ضعف له، وعامل قوة للحوثيين، ولهذا السبب فهم يحاصرونه في مخبئه من مسافات متفاوتة من جميع الجهات، وهو يخشى إعلان الحرب ضدهم وهو في هذه الحالة، خشية أن يكون مصيره مشابهًا لمصير العميد حميد القشيبي رحمه الله، لأن الحوثيين سيستميتون في القتال من أجل الوصول إليه وقتله في مخبئه، مهما كلفهم ذلك من تضحيات في حال اندلعت المعركة بين الطرفين.
ويستطيع المخلوع علي صالح الانتصار على الحوثيين في حال خروجه من صنعاء إلى مكان سري وآمن، ليتكمن من الإشراف والتوجيه لمقاتليه، وبث روح الحماس فيهم من خلال خطابات حماسية وثورية، وإنفاق أموال كبيرة لاستقطاب القبائل ومنتسبي الحرس الجمهوري الذين حولوا ولاءهم لجماعة الحوثي، والتواصل مع التحالف العربي لقصف مواقع الحوثيين، مقابل وعود بتقديمه تنازلات تسهم في الحل السياسي للأزمة وإنهاء الحرب، بعد القضاء على الحوثيين.