[ تقرير فريق الخبراء يعد أحد الوثائق الأممية ]
فجر تقرير فريق الخبراء الأممي الذي غطى أحداث وتطورات الوضع في اليمن خلال العام 2017م دويا واسعا في اليمن بما تضمنه من معلومات، وما كشفه من حقائق تتصل بالملف اليمني، ودول الإقليم المتصلة.
وتكتسب المعلومات الواردة في التقرير أهميتها من كونها جاءت من فريق أممي جرى تشكيله لمراقبة ومتابعة الوضع في اليمن، فالفريق تابع لجنة مجلس الأمن المنشأة عملاً بالقرار 2140 (2014) بشأن اليمن، وتتلقى اللجنة الدعم من فريق الخبراء الـمُنشأ عملا بالقرار 2140 (2014)، وقد كان الفريق مؤلفا من أربعة خبراء ومن ثم توسعت عضويته إلى خمسة خبراء عملا بالقرار 2216 (2015)، ويضطلع أعضاء الفريق بالعمل من مقار إقامتهم. وتمتد ولاية الفريق الحالية حتى 25 آذار/مارس 2016.
ويكلف فريق الخبراء بما يلي:
مساعدة اللجنة في تنفيذ ولايتها على النحو المحدد في القرار 2140 (2014) والقرار 2216 (2015)، بوسائل منها تزويد اللجنة في أي وقت بالمعلومات المهمة لتحديدٍ محتمل للأفراد والكيانات الذين قد يكونون بصدد القيام بالأنشطة المبينة في الفقرتين 17 و 18 من قرار 2140 (2014) و الفقرة 19 من قرار 2216 (2015).
جمع المعلومات التي ترد من الدول، وهيئات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية، والأطراف المهتمة ذات الصلة، بشأن تنفيذ التدابير المنصوص عليها في القرار 2140 (2014) و القرار 2216 (2015).
تزويد المجلس بتقرير مؤقت وتقرير ختامي.
التعاون مع أفرقة الخبراء الأخرى ذات الصلة التي أنشأها مجلس الأمن، ولا سيما فريق الدعم التحليلي ورصد الجزاءات المنشأ عملاً بقرار مجلس الأمن 1526 (2004).
مساعدة اللجنة على تنقيح واستكمال المعلومات المتعلقة بقائمة الأفراد الخاضعين لتجميد الأصول، وحظر السفر، والحظر المستهدف على توريد الأسلحة، بوسائل منها توفير المعلومات اللازمة لتحديد الهوية ومعلومات إضافية من أجل الموجزات السردية لأسباب الإدراج في القائمة التي تتاح للجمهور.
ويعد تقرير الفريق للعام 2017م الرابع بعد صدور تقرير مماثل عن الأعوام 2014م و 2015م و 2016م.
فما الذي اختلف؟
تقرير الفريق للعام 2016م
كان تقرير فريق الخبراء للعام 2016م مهما، بسبب المعلومات التي استعرضها الفريق، والتشخيص الذي قدمه للوضع في اليمن، ولكنه لم يحظَ بالنقاش والتداول أكثر لعدة أسباب، أبرزها أن الصورة الكاملة للمشهد في اليمن لم تتضح بعد، وأن النزاع في اليمن كان محددا بجهتين واضحتين.
وكان أبرز ما فيه تركيزه على انقسام اليمن إلى قسمين لا أكثر، الأول الشرعية اليمنية ومن خلفها التحالف العربي، والثاني الجانب الانقلابي ممثلا بحزب المؤتمر الشعبي العام ومليشيا الحوثي، إضافة إلى استعراضه للأعمال العسكرية التي يقوم بها الطرفان كلٍ حسب موقعه الجغرافي.
غير أن أبرز ما كشفه الفريق هو شبكة الرئيس السابق علي عبدالله صالح المالية والسياسية، والأدوار التي يقوم بها نجليه "أحمد و خالد" والشركات المالية المرتبطة بهما، وتحركاتهما الخارجية لإدارة الأموال المرتبطة بوالدهم المدرج ضمن العقوبات الأممية.
تطرق التقرير في مجمله إلى مختلف الأوضاع المتصلة باليمن، كحالة الحرب المتبادلة، ووسائل الحوثيين العسكرية، وغارات التحالف العربي، ومصادر التمويل للطرف الانقلابي، وتابع أيضا نشاط الأشخاص المدرجين في قائمة العقوبات الأممية.
ورغم تشخيصه للمشهد اليمني بشكل عام، فلم يقدم فريق الخبراء أي توصيات في نهاية تقريرهم، واكتفوا بما ورد في التقرير النهائي للعام 2015م، وفي إحاطة منتصف المدة المقدمة إلى اللجنة.
التقرير الجديد
بدا واضحا في التقرير الجديد أنه ركز على الشق العسكري أكثر من أي جوانب أخرى، والشق العسكري هو المتمثل بالحرب الدائرة بين الحوثيين والتحالف العربي، وداخل هذا الشق يبدو التركيز أكثر على الصواريخ البالستية التي أطلقها الحوثيون نحو المملكة العربية السعودية، وتحديدا تلك التي أطلقت نحو مدينة الرياض.
غاص التقرير في المعلومات العسكرية بشكل كبير، وكان أعضاء الفريق طالبوا في سنوات سابقة بإدراج أشخاص متخصصين في جوانب السلاح لمساعدتهم في فهم وتفسير المعلومات المتعلقة بهذا الشكل من المعلومات، ولهذا امتلأت صفحات التقرير هذا العام بحيز كبير من الكلام حول إطلاق الصواريخ البالستية من جانب الحوثيين نحو المدن السعودية.
ويبدو أن السعودية كانت مستعدة لهذا الجانب بشكل أكبر، فقد حصل الفريق على معلومات عديدة عن تلك الصواريخ، وجرى مقارنتها بالصواريخ التي تملكها إيران، وكان هذا الحرص السعودي يأتي من إدراك أن التقرير سيناقش أمميا، وسيمثل ذلك مدخلا لإدانة إيران في هذا الجانب، وجر العالم نحو فرض عقوبات عليها، ولذلك ركز التقرير بشكل كبير على هذا الجانب، رغم أن السعودية لم تتعاون بشكل كبير مع الفريق في نقاط أخرى، واشتكى الفريق من هذه النقطة سنويا.
تلك المعلومات التي أوردها التقرير تم تضخيمها مؤخرا، وعبر بريطانيا جرى تقديم مشروع قرار أممي لإدانة إيران انطلاقا مما ورد في التقرير، لكن ذلك اصطدم بالموقف الروسي المتصلب، والذي رأى في معلومات التقرير مجرد بيانات تحتاج لمزيد من الدقة والتحقيق والمتابعة، ولذلك اقترح المندوب الروسي في مجلس الأمن اعتماد فريق فني جديد لمراجعة ما يصل إليه فريق الخبراء من معلومات.
حقائق أخرى
كانت أبرز التأكيدات التي كشف عنها فريق الخبراء الأممي في تقريره للعام 2017م هي الحالة للشرعية اليمنية بمؤسستها الرئاسية والحكومية، حينما وصف تلك الشرعية بأنها تتآكل كل يوم، وسرد العديد من الأمثلة والحقائق المتعلقة في هذا الجانب.
والنقطة الثانية هي حديثه عن الكيانات والمجموعات المسلحة التي تعمل بالوكالة وتتبع دولة الإمارات العربية المتحدة التي تعد العضو الثاني بعد السعودية في اليمن.
هذه الحقائق والتقييم الذي ساقه التقرير تشير بوضوح إلى انحراف التحالف العربي عن مساره المفترض في اليمن، وهي حقائق يذكرها بقلق لأول مرة خلافا عن تقاير في الأعوام السابقة، ويشير الأمر هنا إلى أن ملفات جديدة بدأت تضع نفسها في اليمن، كالمجلس الانتقالي الجنوبي، وكل المجموعات المسلحة التي ارتبطت به، كالحزام الأمني، وما يسمى بقوات النخبة في كل من حضرموت وشبوة والمهرة.
كل هذه الكيانات التي تسعى لفرض نفسها على الواقع هي تأكيد على تشتت الرؤية وانعدامها لدى السعودية كقائدة لهذا التحالف في اليمن، فبدلا من العمل في اتجاه نصرة الشرعية وإعادتها، وهي الشعارات التي رفعتها السعودية في البداية، يجري الدخول في تفاصيل وتشعبات جديدة، من شأنها التأثير على الهدف الرئيسي الذي تم بموجبه التدخل في اليمن.
كل هذه المستجدات التي ذكرها تقرير فريق الخبراء للعام المنصرم هي انعكاس لأحداث العام كاملا، وتحليل لاتجاهات تلك الأحداث، وإعادة قراءتها من جديد وفق المهمة الأممية التي جاءت بأهداف واضحة لتقصي ومراقبة الوضع في اليمن، وبالتالي فالتباين الذي حصل في التقريرين يشير بوضوح إلى وجود مستجدات دخلت في الملف اليمني، وبإمكانها خلق جذور لتعقيدات داخلة في هذا الملف للسنوات القادمة.