[ أمير قطر مع الملك سلمان - وكالات - أرشيف ]
منذ مؤشرات فوز الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، تسارعت وتيرة المصالحة الخليجية بين قطر والدول الأربع التي عُرفت بدول الحصار، وهي كلٌّ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
اندلعت تلك الأزمة بعد خمسة أشهر فقط من فوز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية التي أجريت في العام 2016م، فقد جرى تنصيبه رئيسا في الـ20 من يناير 2017م، وجاءت المقاطعة في الخامس من يونيو 2017م، وبعد ثلاثة أشهر من زيارة لترامب للرياض في العشرين من مايو 2017م.
كانت الأزمة الخليجية حدثا مفصليا في المنطقة، وتسببت بتداعيات كبيرة، وكانت الأطول في سلسلة الأزمات التي شهدتها دول الخليج، وأكثرها ضررا وتعقيدا، وأعلاها تأثيرا على الوضع في دول الخليج ذاتها، والمنطقة بشكل عام.
ولكن التأثير الأكبر لتلك الأزمة نال من اليمن التي تشهد منذ سنوات حربا مفتوحة تقودها السعودية والإمارات وكانت قطر مشاركة فيها، حتى اندلاع تلك الأزمة، وأخرجت من المشاركة فيها.
للمزيد عن تأثير الأزمة الخليجية عن اليمن يمكن قراءة: كيف أثرت الأزمة الخليجية على الحرب في اليمن؟
ومع إعلان المصالحة بين قطر والسعودية في الرابع من يونيو 2021م، بدا السؤال واضحا حول كيف سيتأثر اليمن بتلك المصالحة، مثلما تأثر بتلك الأزمة؟ وهل ستنعكس عليه إيجابا ليذهب نحو انفراجة سياسية، أم ستتضاعف حالة التمزق والفوضى والحرب التي يعيشها؟
من المبكر الإقرار أن هذه المصالحة ستصب في مصلحة اليمن، فهي من ملامحها الأولى تشير إلى أنها تمثل عملية تصالح بين الشعبين، لتجاوز تداعيات الأزمة، وما خلفته من جروح وأحقاد، وتتعلق بالجانب الإنساني، وتخفيف مستوى القطيعة التي وصلت إلى مستوى غير مسبوق.
وهذا الغموض حتى اللحظة يجعل من الصعب التكهن حول ما إذا كانت المصالحة بشكلها الأولي ستبقى كما هي، أم ستلحقها إجراءات أخرى تفضي إلى عودة الأوضاع كما كانت عليه من قبل، لكنها في كل الأحوال تشير إلى أن الخلاف مهما كانت حدته فهناك دوما حلول يمكن أن تزيل كل التوتر والشقاق، وأن المصالحة بشكلها الحالي يمكن أن تقود لتسوية كاملة لاحقا.
وقبل الخوض في تداعيات وتأثيرات المصالحة على الوضع في اليمن، يجب أن نشير إلى الموقف اليمني من الخلاف الخليجي منذ البداية، ويمكن هنا القول إن موقف الحكومة اليمنية اتسم بالتبعية للموقف السعودي، بفعل بقاء الحكومة اليمنية في العاصمة السعودية "الرياض"، وتمكن الرياض من السيطرة على القرار اليمني، وجعله مرهونا بمواقفها العامة.
أعلن اليمن قطع علاقته مع قطر في ذات اليوم الذي أعلنت فيه الرياض وبقية الدول موقفها من الدوحة، وتوقفت أوجه التعاون بين اليمن وقطر جراء تلك المقاطعة، بعد أن كانت الدوحة مشاركا فاعلا في الأحداث التي شهدتها اليمن لصالح دعم الشرعية اليمنية، وسافر الرئيس هادي للدوحة أكثر من مرة، والتقى مسؤولون قطريون بنظرائهم في الحكومة الشرعية أكثر من مرة منذ اندلاع حرب السعودية في اليمن في مارس 2015م.
ورغم انسجام الموقف اليمني الرسمي مع الموقف السعودي فيما يخص العلاقة مع قطر، إلا أن الموقف الحكومي ظل محافظا على نوع من الخصوصية تجاه قطر، ولم يصعد سياسيا أو إعلاميا على مستوى الرئاسة والحكومة ضد قطر، كما هو الحال بالنسبة للسعودية والإمارات ومصر والبحرين، باستثناء مواقف صدرت من وقت لآخر من مسؤولين في الحكومة اليمنية كوزير الإعلام معمر الإرياني، وشخصيات حكومية أخرى كان الخلاف الخليجي بالنسبة لها ربيعا زاهرا، وهي أقرب لتنفيذ التوجهات السعودية من الالتزام برؤية وموقف الحكومة اليمنية.
لذلك فإن تلك المصالحة بين الدول الخليجية إن تمت فسيكون لها تأثيرها الكبير على الوضع في اليمن، سواء سلبيا أو إيجابيا، وتقتضي الإشارة هنا إلى ثلاث قضايا تعد محور الاهتمام في انعكاس تلك المصالحة على اليمن، وهي كلٌّ من المهرة حيث تتواجد السعودية وقواتها منذ سنوات، والعلاقة مع الحوثيين، والنفوذ الإماراتي في اليمن.
هذه القضايا الثلاث تعد من أكثر الملفات الملتهبة التي طرأت عقب الأزمة الخليجية، وكانت محور صراع بين قطر من جهة، والسعودية والدول الملتحقة بها من جهة أخرى، فقد اتُهمت قطر بدعم الحوثيين، وتوسعت السعودية في المهرة تحت ذريعة مواجهة تهريب السلاح لجماعة الحوثي، وتغذت الإمارات كثيرا من الخلاف مع قطر، وتوسعت داخل المحافظات الموصوفة بالمحررة بمبرر مواجهة قطر، ومواجهة أجندة الدوحة.
وبناء على ذلك جرى تهويل وتضخيم الدور القطري في اليمن وشيطنته بشكل مبالغ منذ تلك الأزمة، وأسندت للدوحة كل التهم التي تقدمها كمتسبب رئيسي بكل ما يجري في اليمن، بينما تعمق وتعزز النفوذ السعودي الإماراتي داخل اليمن، وفي نفس الوقت تواصل إخفاق الدولتين في إثبات تورط قطر في اليمن، أو تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية.
وفي المقابل واصلت الدوحة تركيز اهتمامها بالوضع في اليمن، وحولتها لدليل إدانة وفشل للتدخل السعودي الإماراتي، وذلك من خلال تسليط الضوء على ممارسات الدولتين في المدن اليمنية بواسطة الإعلام القطري الذي يعد الأكثر تأثيرا وجماهيرية، وكان لذلك تأثيره الواضح في لفت أنظار العالم تجاه ما يجري في اليمن، على عكس ما كان سائدا قبيل اندلاع الأزمة الخليجية.
وبالتالي في حال جرت مصالحة خليجية شاملة فسيؤدي ذلك إلى تغييرات كبيرة ستنعكس على الوضع في اليمن جراء استعادة الدوحة لتأثيرها داخل البيت الخليجي، وسيخلق ذلك توازنا مهما، خاصة مع الموقف القطري المؤيد للشرعية اليمنية ووحدة اليمن، وهو موقف ظل ثابتا رغم اندلاع الأزمة، وانجرار الحكومة اليمنية مع الموقف السعودي الإماراتي.
تحتاج السعودية في الوقت الراهن للخروج من مستنقع اليمن، خصوصا مع طول أمد الحرب، وتزعم الإمارات للمشهد في اليمن، وحدوث تغيرات واضحة على مستوى الإقليم والمجتمع الدولي، وجميعها عوامل تفرض على الرياض اليوم مراجعة الكثير من الملفات، ولا يستبعد هنا أيضا وجود أحداث قادمة استدعت عملية المصالحة بين الطرفين.
ستؤدي المصالحة إلى تعزيز موقف الحكومة الشرعية، كما ستقطع الطريق أمام جماعة الحوثي التي كانت هي المستفيد الأكبر من تلك الأزمة، ومن الممكن أن يؤدي ذلك لإعادة ترتيب الصفوف وتوحيد الجهود للوصول إلى إحدى نتيجتين، إما إنهاء انقلاب الحوثيين في صنعاء، أو خلق مبادرة سياسية تنهي حالة الحرب القائمة، وتدخل جميع الأطراف اليمنية فيها بما يفضي لواقع جديد.
لكن المخاوف القائمة تتمثل بانحصار المصالحة الخليجية على استعادة العلاقة بين الجانبين، فيما يخص الأجواء والتنقل، أو بانهيارها مجددا، خاصة مع البرود الإماراتي تجاه المصالحة نفسها، أو بتحول المصالحة إلى واجهة جديدة تؤثر على الموقف في اليمن، وتمرر أجندة كل دولة في ظل تكامل يخدم كل دول الخليج، كما حصل في حرب الانفصال 1994م.