تنكرت لهم السعودية وخذلهم قادتهم ووزارة الدفاع اليمنية
أسر قتلى وجرحى المقاتلين مع السعودية يعانون الألم والخذلان (تحقيق)
- أكرم ياسين الاربعاء, 10 مارس, 2021 - 08:40 مساءً
أسر قتلى وجرحى المقاتلين مع السعودية يعانون الألم والخذلان (تحقيق)

[ صورة للجريح خالد سنة في الهند وما زال كما هو ]

كشف "الموقع بوست" في تحقيق استقصائي عن أسوأ جريمة أخلاقية وإنسانية تركتها السعودية والحكومة اليمنية بحق الآلاف من أسر الجنود اليمنيين الذي استشهدوا في الحدود مع المملكة للدفاع عنها ضد جماعة الحوثي، طيلة سنوات الحرب التي تشهدها البلاد منذ مارس/ آذار 2015.

 

مئات الاتصالات والرسائل النصية وعبر تطبيقي "الواتساب" و"الماسنجر" انهالت علينا من جرحى وذوي شهداء جبهات الحدود اليمنية السعودية من مختلف محافظات الجمهورية منذ شروعنا بإعداد هذا التحقيق الاستقصائي في السابع والعشرين من فبراير/شباط الماضي.

 

اتصالات ورسائل كثيفة حكى أصحابها لـ"الموقع بوست" مرارة المأساة الإنسانية التي يعيشونها نتيجة توقيف اللجنة السعودية صرف رواتبهم منذ عام تقريباً، دون إبداء الأسباب، وكشفت أيضا الحجم المهول لأعداد شهداء وجرحى الحدود، والتي فشلت كل محاولاتنا مع الأسف للحصول على إحصائية دقيقة لأعدادهم سواء من الجانب السعودي أو قيادتي المنطقتين العسكريتين الخامسة والسادسة اليمنيتين اللتين يتبع لهما إدارياً هؤلاء الضحايا.

 

الملف الدامي

 

يقول (ع. ح) من محافظة إب والد الشهيد محمد إن ولده الذي استشهد أواخر 2015 في جبهة ميدي هو أحد شهداء المنطقة العسكرية الخامسة، وخلف زوجة وولدين كانوا يعتمدون على راتب الشهيد في مواجهة مرارة اليتم ومتطلبات العيش الضرورية، لكنهم كما قال "تفاجؤوا بوقف صرف ذلك الراتب منذ رمضان من العام الماضي"، وهو الآن يتكفل بنفقات أرملة ابنه الشهيد وولديها.

 

في حديثه لـ"الموقع بوست" كشف عن المعاناة التي تواجهها أسر الشهداء والجرحى في المناطق الخاضعة لسيطرة المليشيات الحوثية حتى قبل توقيف رواتبهم فهم يتعرضون للمضايقات وتعاملهم المليشيات الحوثية كمرتزقة ذهبوا للقتال مع من تصفه بالعدوان وزاد توقيف رواتبهم أوضاعهم المعيشية سوءًا، كما قال.

 

 

إبراهيم وكيل أسرة الشهيد (ش. م) من ريف محافظة الحديدة قال لمراسل "الموقع بوست" عبر تطبيق واتساب إن الشهيد (ش) (28 عاماً) التحق بجبهة الحدود بعد انطلاق عاصفة الحزم بشهرين ولخوف أسرته من بطش المليشيات الحوثية أخفوا الخبر وادعوا أنه سافر إلى جيبوتي للبحث عن عمل وظل يتواصل معهم في الشهر مرتين أو ثلاث ويرسل لأسرته المكونة من زوجته وثلاثة أطفال بالإضافة لوالده ووالدته الطاعنين في السن وشقيقاته الأربع جزءا من راتبه الذي كان يتقاضاه بالريال السعودي.

 

يضيف إبراهيم: "لم يعد لزيارة أسرته منذ التحاقه بالجبهة خوفاً من اعتقال مليشيات الحوثي له حتى وصلهم نبأ استشهاده في الخامس من يوليو/حزيران 2016 في جبهة ميدي بمحافظة حجة، لم تتمكن أسرته المكلومة من إذاعة الخبر أو إقامة مراسم عزاء حتى زوجته منعها الخوف من لبس ثوب الحداد، لكن الوشاة اكتشفوا الحقيقة واقتادت المليشيات والده الكهل إلى سجن القلعة بمحافظة الحديدة وأطلق سراحه بعد شهرين بواسطة سيخ موالٍ للمليشيات".

 

بقيت أسرته -بحسب إبراهيم- تعيش على راتبه المحول من اللجنة السعودية عبر شركات الصرافة، ومنذ سنة تقريباً توقف ذلك الراتب فجأة لتترك عائلة الشهيد (ش) بدون عائل سوى ما تجود به منظمات الإغاثة، هذا الوضع المأساوي مرغ الأسرة العفيفة في تراب الذل والهوان ولحقت بالشهيد والدته عائشة بعد أشهر من فرط الحزن والقهر.

 

 

ليس ذوي الشهداء والجرحى المنحدرون من محافظات تقع تحت سيطرة مليشيات الحوثي وحدهم من طلبوا منا عدم ذكر أسمائهم، بل وحتى القاطنين في مناطق سيطرة الحكومة الشرعية بسبب خوفهم من قطع رواتبهم الموقوفة منذ عام نهائياً.

 

أنين يمزق القلب

 

إضافة لآلاف الشهداء الذين سقطوا في معارك الدفاع عن الحد الجنوبي للمملكة، هناك أضعافهم من الجرحى خلفتهم تلك المعارك، ونسبة كبيرة منهم أصيبوا بإعاقات دائمة توزعت ما بين بتر الساقين أو الذراعين، أو أحدهما، وأجريت لهم إسعافات أولية في مستشفيات سعودية وسافر بعضهم إلى الهند لاستكمال العلاج، إلا أن أغلبهم عادوا كما ذهبوا بعد أن ظلوا قرابة عام كامل في الهند، والبعض منهم ما يزالون عالقين هناك لم يتمكنوا من استكمال العلاج وانتهت عقود وزارة الدفاع السعودية مع المستشفيات الهندية وقطعت رواتبهم منذ تسعة أشهر، ونفى وتنكر السفير اليمني كما قالوا لـ"الموقع بوست" علاقته بهم.

 

وصل الجريح عبد الله سعيد عبد الله (20 عاما) التابع للواء 102 قوات خاصة المنطقة العسكرية السادسة إلى مدينة "مومباي" الهندية بتاريخ 21 يناير/كانون أول العام الماضي والذي يعاني من بتر الذراع الأيسر وتفتت عظام ركبة الساق اليمنى لغرض استكمال العلاج بعد أن بقى قرابة عام كامل بعد إصابته في سكن الجرحى بمدينة "سامطة" السعودية، جنوبي المملكة.

 

 

اعتقد الجندي الجريح عبد الله كما قال لـ"الموقع بوست" أن معاناته مع الألم انتهت، بيد أنه بعد أكثر من عام قضاها في المستشفى الهندي وجد نفسه مطالباً بالمغادرة دون أن يستكمل الجزء الكبير من العلاج، لأن عقد وزارة الدفاع السعودية الموقّع مع المستشفى عبر مركز الملك سلمان للإغاثة انتهى ورفض الجانب السعودي تجديده.

 

وبحسب تقرير الطبيب المعالج في المستشفى الهندي الصادر بتاريخ 5 يناير/ كانون ثاني الماضي عن حالة الجندي عبد الله، فإنه بحاجة ماسة لإجراء عملية زرع مفصل صناعي لركبة الساق اليمنى، وبدلاً من أن تقوم وزارة الدفاع السعودية بتجديد العقد مع المستشفى إلا أن ممثلها العميد على الكناني المسؤول عن ملف الجرحى لم يعر التقرير أدنى اهتمام ورفض مناشدات الجرحى بتجديد العقد مع المستشفى بالرغم من تقارير الأطباء التي تبين حاجة الجرحى لعمليات زرع أعضاء صناعية.

 

كانت رسالة الجريح خالد محمد صالح، من اللواء 102 قوات خاصة، والذي بترت عبوة ناسفة قدمه اليمنى وشوهت ذراعه اليسرى كما تبين الصورة، أكثر رسائل الجرحى ألما ومرارة، وتكشف درجة الانحطاط الأخلاقي الفاضح الذي وصل إليه قادة هؤلاء الجرحى العسكريين والمسؤولين عن ملفهم في وزارتي الدفاع اليمنية والسعودية.

 

خالد الذي جرح قبل سنتين في جبهة "باقم" بمحافظة صعدة المتاخمة للحدود السعودية وبعد عام في مستشفى مدينة "مومباي" بلا علاج ولا راتب ولا رعاية ومطالب بالمغادرة بعد بضعة أيام.

 

لم يجد بعد أن خذلته مملكة الثروة التي تقود تحالفا عسكريا في اليمن وحكومة بلاده غير عبارات المناشدة المحزنة لكل فاعلي الخير والمنظمات الإنسانية بسرعة مد يد العون له ولزملائه وإنقاذ حياتهم.

 

وأبلغ جميع الجرحى في مدينة "مومباي" وعددهم عشرة جرحى بقرار تسفيرهم لليمن بتاريخ 15مارس/آذار الحالي.

 

تخاطبت وزارة الدفاع السعودية مع إدارة المستشفى مباشرة وتركت الجرحى دون رواتب منذ شهر يونيو/حزيران 2020 أي قبل تسعة أشهر تقريباً.

 

 

تقرير المستشفى الهندي

 

حاول الجرحى التواصل مع السفارة اليمنية في الهند لمخاطبة وزارة الدفاع اليمنية لمطالبة وزارة الدفاع السعودية بتمديد العقد مع المستشفى لكي يتمكنوا من استكمال رحلة علاجهم وصرف رواتبهم، إلا أن رد السفير كان صادماً ومخيبا لآمالهم حين أبلغهم عدم استطاعته فعل شيء لهم وأنهم يتبعون وزارة الدفاع السعودية.

 

محارق الحدود

 

لم يتمكن فريق "الموقع بوست" خلال أسبوعين من التواصل مع قيادة القوات المشتركة التابعة للتحالف الذي تقوده السعودية وقيادة المنطقتين العسكريتين الخامسة والسادسة التابعة لوزارة الدفاع اليمنية، من الحصول على رقم محدد لعدد الشهداء والجرحى في معارك الحدود منذ انطلاق ما يسمى "بعاصفة الحزم "أواخر مارس/آذار 2015 حتى الآن، عدا رد مبهم من أبو غازي عن اللجنة المالية السعودية حول رواتب الشهداء والجرحى أوردناه طي هذا التحقيق الاستقصائي.

 

لكن بجاش الزريقي الباحث اليمني والمهتم بملف شهداء وجرحى الحدود قال في تصريح لـ"الموقع بوست" إن أعداد الشهداء والجرحى في معارك جهات الحدود السعودية الجنوبية بالآلاف، فعددهم يتجاوز 70 بالمئة من إجمالي الشهداء والجرحى في صفوف الجيش الوطني من مختلف جبهات الجمهورية.

 

وبحسب الزريقي، فإن توقيف رواتب الشهداء والجرحى منذ عام من قبل اللجنة السعودية أعاد طرح تساؤلات مهمة حول أسباب سقوط ذلك العدد من خيرة شباب اليمن في معارك لم تحقق مكاسب إستراتيجية ذات قيمة عسكرية في المعركة مع مليشيات الحوثي.

 

وأبدى الباحث الزريقي استغرابه من إقدام السلطات السعودية على مكافأة آلاف الشهداء الذين سقطوا دفاعاً على حدها الجنوبي بقطع رواتبهم والذي يعد بمثابة قتلاً آخر لأسرهم التي تعتمد في معيشتها على تلك الرواتب، مستنكراً صمت الحكومة الشرعية الذي وصفه بـ"المخزي" تجاه ملف إنساني بهذا الحجم.

 

اللجنة المالية السعودية

 

إلى ما قبل عام تقريباً كانت اللجنة المالية السعودية تسلم رواتب الشهداء والجرحى إلى قيادتي المنطقتين العسكريتين الخامسة والسادسة بناء على الكشوفات المرفوعة من قبلهما، واللتان بدورهما تقومان بتحويل تلك الرواتب لمستحقيها عبر شركات الصرافة أو الوكلاء الشرعيين.

 

ومنذ مطلع العام الماضي، توقفت تلك اللجنة عن تحويل تلك الرواتب لقيادة المنطقتين العسكريتين الخامسة والسادسة دون إبداء الأسباب، سوى تكهنات سمعناها من ذوي الشهداء والجرحى يعزي السبب لرفض اللجنة السعودية إدراج شهداء انتفاضة قبائل "حجور" في محافظة حجة ضمن قوائم الصرف (اندلعت انتفاضة قبائل "حجور" التابعة لمديرية "كشر "محافظة "حجة" شمال غرب اليمن وهو مسرح عمليات المنطقة العسكرية الخامسة التي يقودها اللواء يحيى صلاح المنتمي لذات المحافظة في يناير/كانون ثاني 2019، وتمكنت المليشيات الحوثية من إخمادها بعد شهرين رغم المقاومة المستميتة التي أبداها أبناء "حجور" وسقط على إثرها عشرات الشهداء ولم تقدم لهم قيادة التحالف والمنطقة العسكرية أي دعم يذكر).

 

مكرمة سعودية

 

كان "أبو غازي" من اللجنة المالية السعودية، هو الوحيد الذي تمكن فريق "الموقع بوست" من أخذ تصريح منه حول أسباب توقف رواتب شهداء وجرحى الحدود منذ عام، ربما لأننا أخفينا هويتنا الصحفية بعد أن تم حظرنا من تطبيق "الواتساب" من جميع القادة العسكريين سعوديين ويمنيين، وبعد حيلة وتقمص صفة وكيل شهداء مكنتنا من الحصول على إجابات وتسجيلات مقتضبة من "أبوغازي" الذي سماها "مكرمة" وليست رواتب.

 

وضمن ما  قاله "أبو غازي" إن اللجنة السعودية صرفت راتبي شهري يناير وفبراير من العام الفائت وأن مكرمة أربعة أشهر موجودة لدى اللجنة الفرعية، وما على ذوي الشهداء أو وكلائهم سوى الذهاب لاستلامها من اللجنة الفرعية في المنطقة الخامسة.

 

صورة من خيمة لجنود يمنيين على الحدود السعودية

 

لم يأت "أبو غازي " بأي تفسير لتوقيف حكومته رواتب آلاف الشهداء والجرحى منذ شهر يونيو/حزيران 2020، إذ تحدث عن رواتب الأشهر التي صرفت قبل التوقيف المفاجئ.

 

البشارة غير السارة التي زفها "أبو غازي" لذوي شهداء جبهات الحدود والجرحى أن ما تصرفه حكومته لهم هي "مكرمة" وليست راتباً، وهي لفظة استعلائية تحمل الكثير من المن والأذى بمقدور السعودية التوقف عن صرفها متى شاءت دون ملامة.

 

كيف سقط هذا الكم الكبير من الشهداء؟

 

حالة التكتم الشديد التي واجهها فريق "الموقع بوست" من قبل القيادات العسكرية في الجانبين السعودي واليمني وهو يحاول معرفة العدد الحقيقي للشهداء والجرحى في جبهات الحدود، وأسباب توقف رواتبهم كل هذه المدة دون إبداء الأسباب، لم تكن بدافع الحرص على عدم إفشاء أسرار عسكرية وإنما محاولة بائسة لجعل ما حدث في تلك المعارك طي الكتمان، وبعيداً عن الرأي العام اليمني والدولي، كون ما حدث يعد جريمة حرب بكل المقاييس وفضيحة أخلاقية من العيار الثقيل تكشف كيف سيق آلاف الشباب الذين لا يملكون أبسط الخبرات القتالية إلى موت محقق.

 

هكذا حدثت الكارثة

 

تمكن فريق "الموقع بوست" بعد إعطائه كامل الضمانات بسرية مصادر المعلومات من إقناع العقيد (ع. ع) من اللواء السادس حرس حدود جبهة "حيران" على الحدود السعودية اليمنية والذي غادر الجبهة مطلع مارس/آذار 2019، بسبب رفضه لطريقة تعامل القيادات العسكرية السعودية مع الجيش اليمني وأسلوبها الخاطئ في إدارة المعركة.

 

يقول العقيد (ع. ع)، والرمز هنا لا علاقة له باسمه الحقيقي، لـ"الموقع بوست": "يعلم الجميع أن ما يزيد على 80% من الجيش اليمني بمختلف تشكيلاته وعتاده العسكري ظل تحت سيطرة الرئيس السابق على عبد الله صالح والذي شكل تحالفا عسكريا مع مليشيات الحوثي الانقلابية عقب انطلاق ما يسمى بعاصفة الحزم وتشكيل التحالف العربي المساند للشرعية في 23 مارس/آذار 2015".

 

تضم المنطقة العسكرية الخامسة والتي يمتد مسرح عملياتها من مدينة الخوخة على ساحل البحر الأحمر جنوب غربي محافظة الحديدة حتى منطقة الملاحيظ التابعة لمحافظة حجة على الحدود السعودية 11 لواءً عسكرياً التي بقي يقاتل منها ضد السعودية هي أربعة ألوية (اللواء82 مشاة، اللواء 105 مشاة برية، اللواء 25 مشاة ميكا، اللواء الثاني حرس حدود) قوات محترفة تمتلك تدريبا عاليا وخبرات قتالية وعتادا متطورا أضيف إليها وحدات من الحرس الجمهوري بقيادة "حسين الملصي" ومقاتلين من مليشيا الحوثي، وقد جمعت تلك القوات بين الخبرات والتدريب والجانب العقائدي، ولم يكن الجيش الوطني قد تشكل بعد، كانت المقاومة الشعبية المؤيدة للشرعية هي التي تقاتل في مختلف جبهات القتال في اليمن، ذات الوضع كان في المنطقة العسكرية السادسة التي تضم بالإضافة لمحافظة عمران محافظتي الجوف وصعدة الحدوديتين، تمكنت تلك القوات من التوغل عشرات الكيلومترات في عمق الأراضي السعودية وسيطرت على قرى ومدن مثل الربوعة وسامطة لدرجة أن جرحاهم كانوا يعالجون في مستشفى سامطة إجبارياً على نفقة السعودية.

 

أصبحت المعركة تخص السعودية وحدها كما يقول العقيد (ع. ع) في شهادته هذه. أجلت السعودية العشرات من القرى الحدودية من ساكنيها، وبدلا من أن يتدخل الجيش السعودي لحماية بلده كما يفترض اعتمدت السعودية سلاح المال في الدفاع عن أراضيها، فجندت الآلاف من الشباب اليمنيين تحت إغراء المال واستغلالا لفقرهم وظروفهم المعيشية، غالبية  أولئك الشباب لم يسبق لهم لمس قطعة سلاح.

 

 

يضيف العقيد (ع. ع): "توافد الآلاف من خيرة الشباب اليمنيين إلى معسكرات الاستقبال السعودية، وكانوا يساقون للجبهات دون إخضاعهم للتدريب الكافي، كل ما كان لديهم هو الحماس والراتب السعودي، وربما الرغبة في رد الجميل للسعودية التي شكلت تحالفا لنصرتهم، وجد هؤلاء الشباب أنفسهم مجبرين على خوض معركة غير متكافئة لا تخصهم، يقاتلون جيشا محترفا ومدربا ويعتمد أسلوب العصابات في القتال، كانت تزج بهم في الصفوف الأمامية بأسلحة شخصية ومتوسطة ودون فرق استطلاع أو أسلحة متطورة والتي ظل الجيش السعودي يحتفظ بها في الخطوط الخلفية".

 

وأردف: "بعد ذلك كانت ألوية الجيش الوطني تتشكل من شباب المقاومة الشعبية وبعض وحدات الجيش المؤيد للشرعية، في المنطقتين العسكريتين السادسة والخامسة تشكلت ألوية تحت إشراف وزارة الدفاع السعودية وتتلقي التعليمات منها واختارت قادتها من الموالين لها، لم يكن لوزارة الدفاع اليمنية أي سلطة أو قرار على تلك الألوية".

 

وتابع: "استمرت المعارك تدار بذات السياسة وسقط الآلاف من الشباب في معارك لا تعنيهم، ومع ذلك تمكنوا من تغيير مجريات المعركة، وتمكنوا بالإضافة لتحرير المناطق السعودية المحتلة من تأمين حدود المملكة الجنوبية وتحرير مناطق يمنية كانت تحت سيطرة مليشيا الحوثي".

 

بنبرة مليئة بالألم والحسرة اختتم العقيد (ع. ع) شهادته لـ"الموقع بوست" بالقول إن "السلطات السعودية لم تقابل تضحيات آلاف الشباب الذين ضحوا من أجل حماية حدودها بالعرفان والشكر ولكنها مع الأسف أمعنت في التنكر لهم حتى وصل بها الأمر مؤخرا لقطع رواتبهم".

 

ممارسات مهينة

 

لم تكتف وزارة الدفاع السعودية بانتهاج ممارسات غير إنسانية ضد أفراد الجيش الوطني اليمني الذين قاتلوا تحت قيادتها بمنحهم السلاح الذي تتطلبه طبيعة المعركة، وعدم اعتبار الذين سقطوا في الدفاع عنها شهداء ولكنها أمعنت في ممارساتها المهينة لدرجة مصادرة هوياتهم ومنحهم بدلا عنها "بطائق تعريفية" لا تثبت تبعيتهم لأي جيش والغرض منها التعرف عليهم بعد مقتلهم، وبل وذهبت أبعد من ذلك بمصادرة هواتفهم والتجسس على اتصالاتهم وقمع أي صوت يصدر عنهم للمطالبة بأبسط حقوقهم.

 

لقد كشفت مذبحة وادي كتاف بمحافظة صعدة أو ما عرف حينها بمذبحة لواء "الفتح" في أغسطس/آب 2019 الذي يقوده الشيخ السلفي الموالي للسعودية رداد الهاشمي، حيث زج الهاشمي الذي لا يملك أي خبرات عسكرية بآلاف الجنود إلى محرقة اهتز لبشاعتها كل بيت يمني، تلك المجزرة الفظيعة كشفت العقلية الإجرامية التي تتعامل بها السلطات السعودية مع جيش دفعته الحاجة لخوض معركة لا تعنيه وبدون ضمانات قانونية، وخذلته وزارة دفاعه وحكومته بصورة تجعلها شريكة في جريمة إنسانية وأخلاقية ما تزال تنتظر صحوة الضمير العالمي لإجراء تحقيق دولي شفاف والكشف عن العدد الحقيقي لشهداء لم تستفد حتى عائلاتهم من تضحياتهم، وجرحى يحملون إعاقات لا يجرؤون حتى الحديث عن ثمنها الوهمي، لكن الأرجح على ما يبدو أن السعودية وجدت في التوقيع على اتفاق معا لوقف الهجمات على حدودها خلاصاً يعفيها من تبعات حرب حقق لها فارق الصرف ما تعتبره أماناً.


التعليقات