المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن.. تحديات متجددة وفشل أممي مزمن (تحليل)
- عبد السلام قائد الجمعة, 27 أغسطس, 2021 - 07:23 مساءً
المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن.. تحديات متجددة وفشل أممي مزمن (تحليل)

[ جرندبرج المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن ]

سيبدأ هانس جروندبرج، المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، مهمته خلال الأيام المقبلة، وسط ترحيب رسمي يمني ودولي وشروط حوثية مسبقة للتجاوب معه في مهمته. وعلى غرار التجارب الفاشلة للمبعوثين الأمميين السابقين إلى اليمن، لا يبدو أن تعيين مبعوث جديد سيحمل حلا سحريا لأزمة البلاد أو سيتمكن على الأقل من إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية يفضي لإحلال السلام، حتى وإن كان تعيينه تزامن مع إجماع دولي على إنهاء الحرب في اليمن، لكنه إجماع يظل محصورا في التصريحات الإعلامية والمواقف الكلامية، دون اتخاذ خطوات عملية تجبر الطرف المعرقل للسلام على تقديم تنازلات تفضي إلى إنهاء الحرب.

 

وكان الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قد أعلن، في 6 أغسطس الجاري، تعيين السويدي هانس جروندبرج مبعوثا خاصا إلى اليمن، خلفا للبريطاني مارتن غريفيث، الذين عُيّن وكيلا للأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة لشؤون الطوارئ. ويعد جروندبرج خامس مبعوث أممي إلى اليمن، منذ اندلاع ثورة 11 فبراير 2011، ثم الانقلاب الحوثي على السلطة الشرعية، واندلاع عملية "عاصفة الحزم" بقيادة السعودية، وكان الفشل مصير أداء كل المبعوثين الأمميين خلال السنوات العشر الماضية.

 

- ترحيب يمني ودولي

 

فور الإعلان عن تعيين هانس جروندبرج مبعوثا أمميا إلى اليمن، تزامنا مع إجماع دولي لإنهاء الحرب وإحلال السلام في البلاد، توالت ردود أفعال مختلف أطراف الأزمة اليمنية المرحبة بالمبعوث الجديد، باستثناء جماعة الحوثي، التي وضعت شروطا مسبقة للتعاون مع المبعوث الجديد لإنجاز مهمته، وهي شروط بمثابة عراقيل دأب الحوثيون على انتهاجها لإفشال كل مساعي السلام منذ بداية الأزمة.

 

وبالنسبة للحكومة اليمنية الشرعية، فقد عبّرت، في بيان لها، عن أملها في نجاح المبعوث الأممي الجديد بما لديه من خبرة ودراية بالشأن اليمني، لاستئناف الجهود السياسية الرامية للتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار، في ظل الإجماع الدولي على ضرورة إنهاء الحرب، والتوصل إلى تسوية سياسية عبر الحوار والتفاوض.

 

وأكد رئيس الوزراء اليمني معين عبد الملك، خلال اتصال هاتفي بالمبعوث الجديد، أن "الحكومة الشرعية ستقدم كل العون والمساندة لإنجاح مهام المبعوث الأممي الجديد وفق مرجعيات الحل السياسي الثلاث المتوافق عليها محليا والمؤيدة دوليا والمتمثلة بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة ومنها القرار 2216".

 

إلى ذلك، أكدت السعودية دعمها الدائم لكل جهود الأمم المتحدة لإقرار السلام في اليمن، كما جاء في تهنئة نائب وزير الدفاع السعودي، الأمير خالد بن سلمان بن عبد العزيز، للمبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، عبر تويتر، الذي قال إن "السعودية ستستمر في تعاونها الوثيق مع الأمم المتحدة لإحلال السلام والازدهار في اليمن وإنهاء الصراع فيه".

 

كما رحبت الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بتعيين جروندبرج مبعوثا أمميا إلى اليمن، وأكد نايف الحجرف، الأمين العام للمجلس، أن المجلس سيعمل مع جروندبرج من أجل مواصلة جهود المجتمع الدولي نحو إيجاد حل شامل للأزمة اليمنية، وتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.

 

أيضا، أعلنت الخارجية الإماراتية دعمها للمبعوث الجديد ودوره في التنسيق مع ما وصفته بالدور المحوري الذي تقوم به السعودية في تحقيق الاستقرار والأمن لليمن.

 

ودوليا، رحب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في بيان له، بتعيين المبعوث الأممي الجديد الذي قال إن بلاده تتطلع للعمل معه من أجل تحقيق حل دائم للصراع في اليمن، مشددا على أن "الوقت قد حان من أجل السلام، وأن ثمة إجماعا دوليا وإقليميا غير مسبوق على ضرورة إنهاء هجوم الحوثيين على مأرب، وغير ذلك من المعارك".

 

بدورها، عبرت نبيلة مصرالي، المتحدثة باسم الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، في بيان لها، عن تقدير الاتحاد لتعيين المبعوث الجديد مع أهمية العمل على حل النزاع المدمر في اليمن الذي دخل عامه السابع مؤخرا، بينما الوضع الاقتصادي والإنساني مريع، على وحد وصفها.

 

جماعة الحوثي هي الأخرى رحبت في البداية بالمبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، كما جاء في بيان هشام شرف، وزير خارجية حكومة الانقلاب غير المعترف بها دوليا، الذي قال إنه "يتمنى له النجاح في مهمته".

 

لكن سرعان ما تراجعت الجماعة عن ذلك، عندما قال المتحدث باسمها، محمد عبد السلام فليتة، عبر تويتر، إن تعيين مبعوث جديد لا يعني شيئا ما لم يكن هناك إعلان صريح بوقف ما سماه بـ"العدوان ورفع الحصار"، في إشارة إلى العمليات القتالية التي يخوضها الجيش الوطني بإسناد من التحالف بقيادة السعودية وإلى القيود المفروضة على تهريب الأسلحة للجماعة عبر المنافذ التي تسيطر عليها.

 

- الخبرات وحدها لا تكفي

 

يراهن المتفائلون بالمبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، هانس جروندبرج، على مؤهلاته وخبراته، كونه حاصل على ماجستير العلوم في إدارة الأعمال والاقتصاد من كلية ستوكهولم للاقتصاد، وعمل دبلوماسيا في قسم الشؤون الخارجية بوزارة الشؤون الخارجية السويدية في ستوكهولم، خلال المدة التي استضافت فيها السويد المفاوضات اليمنية التي أفضت إلى التوقيع على اتفاقية ستوكهولم، في ديسمبر 2018، ثم شغله منصب سفير الاتحاد الأوروبي إلى اليمن منذ سبتمبر 2019، بالإضافة إلى خبرته لأكثر من 20 عاما في الشؤون الدولية، منها ما يزيد على 15 عاما في مجال حل النزاعات والتفاوض والوساطة، خصوصا في منطقة الشرق الأوسط.

 

وبالإضافة إلى تلك المؤهلات والخبرات، فإن تعيين جروندبرج مبعوثا أمميا جديدا إلى اليمن لقي ترحيبا واسعا، وتزامن مع إجماع دولي على إنهاء الأزمة اليمنية وإيقاف الحرب، لكن هل كل ذلك كفيل بأن ينجح جروندبرج في مهمته، أو على الأقل يتمكن من إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية يمكن البناء عليه ولو مرحليا لإنهاء الأزمة وما يترتب عليها من توترات إقليمية إضافية ومعاناة إنسانية في الداخل وصلت إلى مرحلة غاية في السوء؟

 

في الحقيقة، لقد فشل مختلف المبعوثين الأمميين السابقين إلى اليمن، رغم ما يتمتعون به من خبرات ومؤهلات لا تقل عن خبرات ومؤهلات جروندبرج، بل فقد كانت توجه لهم اتهامات بالتواطؤ مع جماعة الحوثي والانحياز لها، والإسهام في إطالة أمد الحرب وتعقد الأزمة بسبب أدائهم غير الموفق، وغلبة الأسلوب الدبلوماسي على أدائهم الذي شجع جماعة الحوثي على إفشال كل مساعي السلام والمضي قدما في مشروعها الانقلابي، والاعتقاد بأن طريقة المبعوثين الأمميين في إدارة ملف المفاوضات يحمل في طياته ضوءا أخضر من المجتمع الدولي للحوثيين بأن يمضوا في مشروعهم الانقلابي، وأنهم في مأمن من أي عقوبات دولية تعيقهم عن المضي في مشروعهم.

 

وبخصوص الترحيب الإقليمي والدولي من قبل الأطراف الفاعلة في الأزمة اليمنية بالمبعوث الأممي الجديد، وأيضا الإجماع الدولي على إنهاء الأزمة اليمنية، فكل ذلك لا يعدو كونه مجرد بروتوكولات دبلوماسية أو مناورات سياسية، ذلك أن كل الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة أو المؤثرة في اليمن تدرك تماما من الطرف المعرقل لعملية السلام، وتدرك أنها كانت جزءا أو سببا رئيسيا في إطالة أمد الحرب وبالتالي خلق عوائق معقدة أمام عملية السلام.

 

كما أن تلك الأطراف تدرك تمام الإدراك أن عقدة الأزمة اليمنية -التي أسهمت في صناعتها- لا يمكن حلها من خلال مجرد تغيير الوسيط الأممي، وإنما من خلال اتخاذ مقاربة جديدة مغايرة للنهج الذي اتبعه المبعوثون الأمميون السابقون إلى اليمن، وما عدا ذلك فلا يعدو كونه سوى إضاعة للوقت واستهلاك للجهد والمال، والمستفيد من ذلك الحوثيون، خصوصا أن سياسة استهلاك الوقت تعد من صميم نهجهم لترسيخ مشروعهم الانقلابي، وتجنيد المزيد من المقاتلين في صفوفهم، وتفخيخ عقول الناشئة والأجيال الجديدة بتعليم طائفي يغذي العنف والإرهاب ويطيل أمد الحرب عبر الأجيال والسنوات المقبلة، وبالتالي تلغيم اليمن والمنطقة بجيش كبير من المقاتلين المؤدلجين بثقافة القتل والعنف والكراهية.

 

- عراقيل متجددة

 

إذا افترضنا أن المبعوث الأممي الجديد إلى اليمن، هانس جروندبرج، سيحظى بدعم إقليمي ودولي لحل الأزمة اليمنية سلميا وإنهاء الحرب، خصوصا أن تعيينه يتزامن مع إجماع دولي لإحلال السلام في اليمن، لكن ثمة عراقيل وعقبات متجددة يفترض البدء في إزالتها أو اتخاذ نهج مغاير إزاءها، حتى تمضي عملية السلام قدما، ولعل أهم تلك العقبات، مراوغات الحوثيين وتعنتهم وتعمدهم إفشال كل دعوات السلام، كونهم أصحاب مشروع عقائدي سلطوي عنصري متصلب لن ينكسر أمام دعوات السلام الناعمة، وإنما أمام قوة ردع عسكرية وخسائر ميدانية كبيرة تجعلهم يذعنون للسلام والتحول إلى كيان سياسي مجرد من السلاح والمسميات العنصرية والطائفية.

 

يضاف إلى ذلك، طريقة أداء المبعوثين الأمميين أنفسهم، ويتجلى ذلك بوضوح في مساواتهم بين الحكومة اليمنية الشرعية وجماعة الحوثي أحيانا، وانحيازهم إلى جانب جماعة الحوثي أحيانا أخرى، أي شرعنة انقلاب الحوثيين بدلا من تسميتهم كطرف انقلابي معرقل للسلام، وعدم مواكبتهم للمتغيرات الميدانية في الداخل اليمني وتطورات الأزمة الإقليمية ذات التأثير المباشر في الأزمة اليمنية، مثل الملف النووي الإيراني والبعد الطائفي المتشابك للصراع في سوريا والعراق ولبنان وتأثيره على الأزمة اليمنية، أي أن أداء المبعوثين الأمميين يشجع الحوثيين على الاستمرار في المراوغات والتدليس والكذب والتصعيد العسكري لتوسيع سيطرتهم على الأرض.

 

الخلاصة، لا تبدو الأوضاع في اليمن مهيأة في الوقت الحالي لإنهاء الحرب وإحلال السلام في البلاد، بسبب تعنت جماعة الحوثي وسيطرتها على مناطق الكثافة السكانية في البلاد واستحالة تفريطها بما حققته من مكاسب عسكرية ميدانية نتيجة تخاذل الأطراف الأخرى، يقابل ذلك إضعاف متعمد من قبل التحالف السعودي الإماراتي للسلطة الشرعية وشيطنة أبرز شركائها، وتشكيل مليشيات عائلية ومناطقية وقروية مناهضة لها في المناطق التي يفترض أنها محررة.

 

ولذا، فإن إحلال السلام في اليمن يتطلب، أولا، عودة الحكومة الشرعية إلى البلاد، وتفعيل مؤسسات الدولة، ثم مصادرة سلاح المليشيات العائلية والقروية والمناطقية -التي شكلها التحالف- وتسليمه للدولة، وشن حملة عسكرية واسعة تشمل مختلف الجبهات وتفضي إلى تحرير أهم المحافظات التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، لإجبارها على الإذعان للسلام، وإنهاء التواجد العسكري الأجنبي في البلاد كونه مصدرا للتوتر والفوضى، وما عدا ذلك، فكل مساعي السلام مجرد عبث واستهلاك للوقت، ليس لصالح اليمن أو جوارها الإقليمي، والمستفيد من ذلك إيران والحوثيون.


التعليقات