[ الأديب اليمني الشاب جمال الشعري ]
تزدان مكتبة جمال الشعري الأديب اليمني الشاب القادم من محافظة تعز بأربعة إصدارات مسرحية وروايتين إحداهن تُرجمت للإنجليزية.
وقد نال الشعري أربع جوائز إحداهن محلية (جائزة رئيس الجمهورية) وثلاث جوائز عربية.
يشتغل الشعري حاليا على عمل أدبي جديد "جمهورية سالم"، يقول الشعري: "في هذا العمل الروائي سأكون صادقا جدا بفتح ستار كواليس الأزمات وسأعمل جاهدا على إخراجه للنور في الوقت القريب".
في هذا الحوار الصحفي يتحدث جمال الشعري عن تجربته الأدبية التي حرصنا في "الموقع بوست" على تسلط الضوء عليها، لما لها من أهمية قصوى وضرورة ملحة للتعرف على أحد أروع الأدباء الشباب في اليمن.
نص الحوار:
* في البداية أرحب بك أستاذ جمال الشعري الأديب والروائي اليمني الشاب في هذا الحوار.. جمال من أين تبدأ قصتك مع الأدب؟
** بدأت قصتي مع الأدب عند أول علاقة أقمتها مع الورق، هنالك مواقف عديدة وضعتني مجبراً في خانة لا أجد فيها سبيلاً للتعبير عمّا بداخلي إلا عن طريق الكتابة.
في سنوات التعليم الأولى لي لازمتني عُقدة النطق، كنت في بداية مراحلي الدراسية ومتأخرا في النطق، مخارج الحروف عندي ليست سليمة، وأعاني من معايرة زملائي بتوصيفهم لي بـ"الأقرد"، وفي إحدى الحصص الدراسية في الصف الخامس الإبتدائي طلبت مني معلمتي الإجابة عن سؤال ما، كانت المعلمة تُدرك قدرتي على الإجابة وتؤمن بذكائي، ولكنني وقفت متسمراً أتجنب النطق خشية من تنمر زملائي في الفصل، شدتني المعلمة من أذني وضربتني بعصاها على فخذيّ طالبة مني التحدث، وحين استمراري بالصمت قالت لي: أنت لست معاقا، إن كنت لا تستطيع الحديث أكتب.
هذه الحادثة أنبتت بداخلي علاقة قوية مع الورق والقلم وأظنها من أكثر المواقف التي أتذكرها كبصمة لازمتني لسنوات وما زالت.
* درست الصيدلة لكنك وجدت نفسك في مجال الكتابة، كيف لعلم الدواء أن يجعل من شخص كاتبا أدبيا؟
** بدايتي مع الكتابة وخصوصا الكتابة المسرحية كانت في وقت مبكر، قبل الالتحاق في مجالي العلمي ولا أظن ذلك يعارض موهبتي في الكتابة.
ولكن تخصصي العلمي ساعدني كثيراً في الحصول على تبريرات علمية لخلق شخصيات ذوات معاناة صحية أو نفسية، وذلك ما وجده الكثير من أعراض ومفردات ومصطلحات طبية في روايتي الأولى تراي شيزوفرينيا.
* في سنوات الجامعة كان هناك منتدى القصة في الجامعة، ما حجم دور النشاط الأدبي في سنوات الجامعة في اكتشاف ذاتك الأدبية؟
** في فترة دراستي الجامعية كوّنا برفقة بعض الزملاء كيان تحت مسمى "الجمعية الأدبية الطلابية"، وأقمنا عدة فعاليات وأنشطة ذات طابع ثقافي واستمر حراكنا لعامين، تلك الفترة ساعدت كثيرا في صقل موهبتي وفي الاختلاط بالنخب الجامعية الشبابية التي بالطبع أمدتني بالخبرات.
* اليوم اختفت المنتديات الأدبية في اليمن، ما تعليقك على هذا الضمور الذي أصاب الحركة الأدبية؟
** من المبكر الذهاب نحو هكذا استنتاجات، لسبب الحرب أو لسبب تأخر البلد، على كل الأصعدة، بما في ذلك الصعيد الأدبي.
أعتقد أن التوصيف الأخير ضمور هو الأجدر، وهذا وارد وناتج عن تراكمات تعيق الحركة الأدبية في ظل تشظي مجتمعي ونزاعات مستمرة ونشوء منتديات أدبية في هكذا فترة هو تحدٍ لقائمة كبيرة من العثرات، ورغما عن ذلك هناك الكثير من النوادي والمنتديات الأدبية تمارس حضورها وبقائها في الساحة.
* أين أرست سفينة جمال الشعري الأدبية؟
** هذا السؤال مبكر جدا، أنا في بداية مسيرتي ولا أظن أن هناك ما سوف يحرمني متعة الوصول إلى قائمة كبيرة من النتاج الأدبي إلا الموت وهذا ما لا أتمناه حالياً.
التوفيق يلازمني دائما وأنا مدين للقدر ولجميع من ساندني للوصول إلى ما وصلت إليه.
اليوم في مكتبتي أربعة إصدارات مسرحية وروايتين إحداهن تُرجمت للإنجليزية، بالإضافة إلى أربع جوائز إحداهن محلية (جائزة رئيس الجمهورية) وثلاث روايات بالعربية.
* فن القصة يكاد يضمحل في اليمن بمعنى أن الرواية تطغى على حساب القصة، ربما لديك تفسير مناسب لهذه الظاهرة الأدبية؟
** بالعكس، المخرجات القصصية في الوسط الأدبي اليمني تكاد تكون أضعاف المخرجات الروائية، ولكن يبدو أن الرواية تحظى باهتمام ومتابعة كبيرين، ولهذا فإنها تنال الجزء الأكبر من الزخم الإعلامي والترويجي، وتخلق مبيعاتها الظواهر الصوتية التي تضمن لهذا النوع من السرد الظهور على الأنواع الأدبية الأخرى.
* رغم الحرب في اليمن منذ سبع سنوات إلا أننا لم نرَ إنتاج أدب الحرب كما كان متوقعا، لماذا برأيك؟
** بالعكس، ما لمسناه هو الظهور اللافت والملحوظ لهذا الشكل الأدبي وذلك حدث منطقي لأن الأدب يُعد في هذه الأوقات الاستثنائية نوعا من أنواع المقاومة، وظهوره وارد للتوعية وللوقوف في وجه حالة الاجتياح للحياة العامة، والطغيان عليها، لذا يبقى من الطبيعي علينا ككُتاب زيادة هذا الإنتاج الأدبي في شكله المتضمن بالسؤال.
وثق تماماً أنه لا يزال النتاج الأدبي اليمني يأخذ شكلاً أفقياً لا عمودياً، وهذا إيجابي في هذه المرحلة، ومع ذلك الكم سيولد نوع أدبي بذائقة المعاناة التي لازمت كل يمني طوال هذه الفترة
* لديك "رواية غير مشروعة"، لماذا هذا الاسم بالذات، ما الدلالات التي يحملها؟
** يحيل العنوان "رواية غير مشروعة"، على حيثيات صياغته التي تتضح بقليلٍ من التأمل أنها ليست صياغةً لعنوانِ روايةٍ بقدر ما هي واحدٌ من توصيفات الرواية التي ستصل إلى أيدي القارئ، والتي من أبرز خصائصها -وفقًا للعنوان- أن نسقًا معينًا من التشريعات صادر مشروعيتها، وذلك ما أشرت إليه في مفتتح الرواية حيث جاءت إشارتي إلى هذا النسق الذي تقوم عليه سياسةُ النشر، وإلى التماشي معه مُكْرَهًا حينما عدلت عن العنوان الأصلي "زنوة قبيلي"، إلى هذا.
* هل لديك أعمال أدبية قادمة؟
** "جمهورية سالم" هو العمل الأدبي الذي أعمل عليه في هذه الفترة.
في هذا العمل الروائي سأكون صادق جدا بفتح ستار كواليس الأزمات وسأعمل جاهدا على إخراجه للنور في الوقت القريب.
* جمال بكلمة واحدة ماذا تعني لك الكلمات التالية: الوطن، الكتاب، الثورة، الحب، القراءة، الأنثى، الحرب؟
** الوطن أم، الكتاب حياة، الثورة طاهرة إن لم يقودها الأنجاس، الحب خدعة مرغوب بها، القراءة بصيرة، الأنثى ملهاة ومأساة، الحرب نار وقودها الضعفاء.
* حدثتا على واقع الكتّاب والأدباء اليمنيين في المهجر؟
** أقولها متألماً وبكل صدق، الأدباء يعانون كثيراً في أوطانهم، ويلقون متنفسا رحبا في مهجرهم، ولهذا باعتقادي أن المهجر وسط ملائم في نمو الكاتب شريطة أن يتعبأ بموروثه وثقافته في بلده.
* كأديب ربما لديك وجهة نظرك الخاصة بالحرب في اليمن، ما هو المخرج من وجهة نظرك؟
** كما قلت في عدة لقاءات سابقة، لا أقدم بصفتي كاتب أية تفسيرات أو إجابات عن المعضلة اليمنية، لكن هناك الكثير من التساؤلات التي يمكن إثارتها من خلال التاريخ، وهناك أيضاً أمثلة تم اقتباسها، يمكنها أن تصوّر على وجه الدقة، كيف أن تاريخنا يعطي نسخا متكررة، لكنها تخلو من أي ملهاة، لتبدو وكأنها صور من مأساة لا تنتهي.