[ عادات وطقوس عديدة سردها مقبل نصر في الحلقة كانت سائدة في العدين ]
المنجم وطقوس الزواج
قبل سبعين عاما، اذا رزقت الأسرة بمولود جديد في قرى العدين، تسال الأسرة منجم القرية - وهو شخص يمارس التنجيم - عن الاسم المناسب ليكون سعيدا أو سعيدة، ويعملون باقتراحه، أما إذا كان شقيا أو كثير الصراخ، فيعودون للمنجم لتغير اسمه، معتقدين أنه يهدأ بعد تغير الاسم.
وعند الخطوبة يسألون المنجم أيضا عن توافق الاسمين (الشاب والبنت) في المستقبل، وكان هذا هو الفحص الوحيد قبل الزواج، ليقرر مدى سعادة الزوجين بالاسمين، أو مدى شقاوتهما، واذا أصر الشاب على زواج الفتاة يتم تغير اسمها عند العقد بما يضمن التوافق بينهما، وعند الزفاف يحدد المنجم ساعة خروجها من بيتها، بحيث تكون ساعة خير لا ساعة نحس، بموجب حساب الكواكب عند المنجم، ومنها زحل.
وبعد الدخلة يحدد المنجم أيضا متى يكون خروج الزوجين من المنزل، وعادة يكون في اليوم الرابع، وفيه يحتفلون بخرجهما لممارسة الحياة الطبيعية في القرية.
أما عقد الزواج فكان كان يتم بالوقت الذي تصل فيه العروسة ويطلق عليها شعبيا بـالحريوة، إلى منزل العريس، ويزفها أهلها برفقة الجيران والأقارب في القرية، ويطلق عليهم "مشاوعة"، ويتم تشغيل الزفة العدينية، ويطلقون مفرقعات من "الطماش" خلال الذهاب بها لمنزل العريس.
وضمن الطقوس التي كانت سائدة عند كتابة العقد، أن يبقى العريس وأهله في بيتهم لاستقبال العروس وموكبها، ثم يخرج العريس وأبوها والشهود إلى غرفة مجاورة لكتابة عقد النكاح، الذي يكتبه في العادة قاضي القرية المعتمد بهذه الوظيفة، ومهمته تكون في تحرير عقود الزواج، والفسخ، أو الطلاق، وكتابة وثائق التملك للأرض، (البصائر) وكذلك حفظها، مقابل أجور محددة لكل حالة.
دور الفقي
وهناك أيضا "الفقي" في القرية، والذي يعلم الأطفال حروف الأبجدية والهجاء، مقابل أجرة أسبوعية، سواء كانت فطيرة من الخبز، أو عدد من البيض، أو الطعام، أو البن، غالبا يكون الدفع يوم الخميس من كل أسبوع، ولهذا الشخص الحرية الكاملة في تأديب الأطفال وتعليمهم، وكان شعار الأباء دائما عندما يحثونه على تعليم أطفالهم: أترك العين والعظم واخلس الباقي كما تشاء، بمعنى أن له كامل الحق في التأديب وضرب الطفل في كافة جسده، شريطة ألا يؤذي عينيه وعظمه.
ومن مهمة الفق هذا أيضا، أداء خطبة الجمعة، والتي كان غالبا ما يقرأها الكثير من كتاب (خطب ابن نباتة)، كما يصلي بالناس الجمعة، وصلاة التراويح في رمضان، وصلاة العيدين، وفي حال توفي شخصا من أهل القرية، يقف على قبره أثناء الدفن، ويملي عليه الإجابة التي سيجيب بها عندما يسأله الملكين في القبر، ويسمى ذلك في القرى "تنطيق" أي أنه ينطق الميت.
اقرأ أيضا: مقبل نصر غالب في الحلقة 21 من مذكراته يكشف لأول مرة لمحات من تاريخ مذيخرة وجيش السلال لتأديب الباشا
ومن أعمال الفقي أيضا كتابة التمائم والعزائم للنساء، وكتابة المحو بنية الشفاء، فهو يكتب على ورقة أو بيضة، ويطلب منها أن تمحي تلك الكتابة بالماء وتشربه، مقابل أجور زهيدة، لكنها تفي بحاجاته البسيطة خاصة أيام الإمام، وعشتُ أنا واحدة من هذه اللحظات والمواقف، عندما أخذت البيضة من جدتي إلى الفقي ليكتب عليها، وعدت بها إليها مكتوبة، وغسلتها في إناء وشربتُ الغسيل.
بالنسبة لعمل "الفقي" مع الطلاب فينتهي مجرد قدرة الطالب على القراءة من المصحف أو الألواح، وعند ذلك يقول لعائلة الطالب أن ابنهم قد "فصل" أو أصبح "فاصل"، أي أنه قد تمكن من القراءة، وفي العادة تقال هذه الكلمة عندما يكمل الطالب حفظ جزء "عم" كاملا.
وعند وفاة الشخص كان السكان يغسلونه بالماء وأوراق شجرة السدر، ثم يكفن ويصلى عليه في المسجد، ثم يصلى عليه مرة أخرى حول القبر، ثم يبدأ الدفن، بينما يحتشد الأطفال حول ولي أمر الميت الذي يوزع عليهم قطعا من النقود، والتي كانت في العادة بقشة أو بقشتين لكل طفل، ويمثل ذلك للأطفال فرحة لا توصف.
وقبل العودة إلى المنزل عقب الدفن، يعود كل من شارك في الجنازة إلى المسجد ليضع نحس المقبرة فيه، ثم يدخل منزله بدون أن ينحس قد يطال أبقاره أو مواشيه، وفي العصر يجتمع الرجال في منزل الفقيد حتى الليل، يقرؤون عدة سور من بينها يس، والواقعة، والملك، ويدعون للميت بالرحمة والغفران، ثم يهللون ويسبحون ويدعون لأنفسهم بهذا الدعاء:
يا من لا مثل له في الذات والصفة
اغفر لنا ما مضى واصلح لنا النية
يا عالم كل العلوم يا سامع دعا المظلوم
لا تجعل في حضرتنا شقيا ولا محروم
بالنسبة للميسورين من الناس، فكانوا عند وفاة أحد أقاربهم يذبحون من الأنعام، ويكرمون الحاضرين، ويوزعون على البيوت اللحم، ويتكفلون بالقات لمدة ثلاثة أيام لكافة الحاضرين الذين يشاركونهم العزاء.
مهمة شيخ القريبة
تتمحور مهمة شيخ القرية حول حل المشكلات الطارئة بين المتخاصمين حول الأرض والإنتاج والحيوانات، ويحلها بطريقة عرفية بموجب تحكيم من الطرفين، أما أجرته كعائد مادي فيكون من الطرفين بعد إصدار الحكم، وغالبا ما يتم تكليفه بالجبايات من الناس مقابل نسبة مئوية، لأغراض متعددة ويقوم بإيصالها إلى مكتب المالية بالمديرية، كما يقوم بتسجيل أسماء السكان في القرية ومن يعولونهم، وإضافة المواليد، وحذف الأموات.
الجراد والنمل
ومن ضمن الأشياء التي أتذكرها "الجراد"، وشاهدتها مرة واحدة في حياتي أيام الإمام، وكانت كثيرة، لدرجة أنها غطت ضؤ الشمس من كثافتها، وكانت الطيور تأخذ نصيبها من تلك الجراد، وكذلك القطط، أما الثعابين فكانت تخرج من جحورها تلتهم أيضا قدر طاقتها، وكنا نجمع من تلك الجراد الكثير، ونضعها في أكياس "شوالات"، حتى قيل أن الإمام طلب زكاتها.
وهناك أيضا نمل طائر أسود يخرج بعد المطر بكثافة، وحواليه نمل قارص يقوم بمهمة الحراسة، كنا نحتال على الحراسة ونمسك النمل الطائر قبل أن يطير، ويتم شوايته مثل شواية الجراد، وله طعم لذيذ، ونسمي هذا النمل الطائر بـالـ (شصوة) وفي مناطق أخرى يسمى (شضوة أو شطوة).
تقسيم المواريث
تقسيم المواريث في القرى خلال تلك الحقبة كان شائكا جدا، بل ومتبعا ومكلفا، وتصل القضية في العادة تصل إلى مركز مديرية مذيخرة، وفيها عامل المديرية الذي يمارس الضبط والقبض والحبس، وفيها حاكم الناحية - كان يطلق مسمى الناحية على المديرية حاليا -وهو القاضي الخاص بالقضايا الشرعية، وفيها شيخ المشائخ للأعراف القبلية.
ورغم أن معظم الآباء حينها يعرفون قضايا المواريث، ونصيب كل واحد في الأسرة، إلا أن المشاكل كانت تحدث حول النوعية والمكان، ومع ذلك كثير من الأسر كانت تفضل التراضي وفق الحقوق الشرعية، وتجتمع فيما بينها لتدارس ما كان يعرف بـ" القرعة"، وهي وثيقة وراثة المتوفي، وكذلك دراسة البصائر، وهي وثائق شراء المتوفي، وتوزع بينها الأنصبة، ويتم عمل الفروز التي تحدد نصيب كل فرد، ويقوم بكتابتها قاضي القرية، وهذا ما عملته أسرتنا.
يتبع في الحلقة القادمة.
*خاص بالموقع بوست.