[ حياة الأشموري تمكنت من التغلب على الصعاب وتحقيق النجاح - الموقع بوست ]
حياة الأشموري، قصة ليست كمثل كباقي القصص التي نسردها، وشخصية لا تشابه أحد، سوى نظراء قليلون في الحياة، تمكنوا من قهر المستحيل، وتحدي الصعاب، وإثبات الذات، وإرغام الجميع على الاعتراف بهم، وإجبارهم على الإقرار بنجاحهم، وفرض تميزهم بقوة الإرادة.
حياة تحدت تلك المُدرسة التي رفضت انضمامها للمدرسة، بسبب العمى الذي تعاني منه، ومضت في طريق صعب، متحدية كل الصعاب والعوائق التي تقف في طريقها، بدء من انعدام مراكز التعليم، والمناهج التعليمية، مرورا بصعوبات الاندماج في المجتمع، وتمكنت خلال فترة قصيرة من التفوق المدرسي، وتحقيق الترتيب السادس على مستوى الجمهورية، ثم الالتحاق بالتعليم الجامعي، لتتخرج بشهادة امتياز في تخصص إدارة الأعمال.
في هذه السلسلة من (وجوه يمنية) يحاور الموقع بوست حياة الأشموري، ويستعرض معها مسيرتها، وتجربتها في مجال الإعاقة، ويلفت الانتباه إلى شريحة مهمة في المجتمع اليمني، طالما تعرضت للظلم والتقصير، ولم تأخذ حقها الكافي من الاهتمام.
وننوه هنا إلى أن بالإمكان الاستماع للحوار كاملا في منصات بودكاست التابعة للموقع بوست، وفي صفحاتنا على فيسبوك، وتويتر، وقناتنا في يوتيوب التي ستظهر تابعا في هذه المادة.
نص الحوار:
*نبدأ الحديث عنك وعن حياتك والبدايات الأولى؟
**أنا حياة الأشموري كفيفة البصر منذ الولادة، بسبب المياه البيضاء، وبدأت دراستي في معهد الشهيد فضل الحلالي للكفيفات، من الصف الأول، وحتى الخامس ابتدائي، ومن الخامس وحتى الثالث الثانوي درستُ في مدارس عادية، جرى فيها الدمج بين الكفيفات والمبصرين بشكل عام.
وفي صف ثالث ثانوي حصلتُ على الترتيب السادس على مستوي الجمهورية، كأول كفيفة تحصل على أوائل جمهورية، وبعدها درستُ ادارة اعمال دولية في جامعة العلوم والتكنلوجيا، وتخرجتُ بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وأخذت التوفل من معهد يالي للغة الإنجليزية، وحاليا موظفة بجمعية الأمان لرعاية الكفيفات.
* سيرتك الذاتية تمنح الفخر، وبالتأكيد كان هناك صعوبات، فهل ممكن تحدثينا عن تلك الصعوبات، وكيف تمكنت من التغلب عليها؟
**طريقي لم تكن مفروشة بالورد، وهذا حال الكثير منا، لكن نحن كأشخاص من ذوي الاعاقة نشعر أن الصعوبات أكثر، فتخيلي أنك موجودة في مجتمع يرفض حتى تعليم الفتاة، بينما هذه الفتاة أيضا كفيفة، كان الأمر أصعب عندما ذهبت والدتي لتسجيلي في مدرسة قريبة من منزلنا، وهي مدرسة حكومية، قبل معرفتها بوجود معهد خاص بالكفيفات، فردت عليها مديرة المدرسة أنها لا تستطيع تتحمل مسؤولية تعليمي بسبب أني كفيفة، وأنها لا تستطيع أن تفعل شيئا، وأن الأفضل لي أن تتركني في غرفة داخل المنزل، وتقوم على رعايتي فحسب.
ورغم أني كنت وقتها طفلة، إلا أن شعرتُ أن الموقف كان جدا مؤثر، لأن أهلي لم يكونوا يشعروني أني كفيفة، وأنا بنفسي لم أكن أعرف أن كل الناس ينظروا أفضل مني، واعتقدت أن الجميع لديه نسبة رؤية في النظر التي كانت لدي، ولم أكن أعرف أني كفيفة، وأهلي لم يحسسونني بذلك أبدا.
ما جرى ذلك اليوم صدمني، عندما سمعتُ رد مديرة المدرسة، وهي تقول أني عمياء، ومن المستحيل أن أتمكن من الدراسة، وكان وقع ذلك الكلام عليا قاسيا، رغم صغر سني.
كان إخواني وأخواتي يأخذون كرتون، وينحتون لي الحروف، وكنت حينها شغوفة بالتعليم، وأشعر بشعور جيد عند الإمساك بالقلم، وكنتُ استغرب عدم قدرتي على الكتابة والتلوين مثلهم، ولم أكن أعتقد وقتها أني أصلا لا أرى، وأعاني من الكفاف، ثم تعرفتُ على الأستاذة فاطمة العاقل – رحمها الله – والتي تعتبر رائده العمل الخيري في اليمن، وسجلتُ في معهد الشهيد.
عندما التحقت بالمعهد أبلغوني أني سأدرس على طريقة برايل، وهي النظام التعليمي الخاص بالمكفوفين، لكني وقتها بكيتُ ورفضتُ، فقد كنت أتطلع للتعليم مثل باقي إخواني، وأرغب باستخدام الأقلام والدفاتر والألوان، ثم أقنعوني بأني لا أستطيع الرؤية، وأن هذه الطريقة هي الأنسب والأفضل، وبحمدالله تعلمتُ نظام برايل في أسبوع بعد تردد وخوف.
واجهتني صعوبة أخرى، تتعلق بالدمج، ففي الصف الخامس على سبيل المثال لم أتقبل فكرة أني كفيفة، وكيف سأتمكن من التعلم مع آخرين لا يعانوا نفس معاناتي، لكن الاستاذة فاطمة كانت قوية ومتحمسة لدمجي في المجتمع، وقالت حينها ما الحاجة التي ستجعلكم معزولين عن المجتمع، إذا كانت المناهج هناك بطريقة برايل، وأعطتني الحافز والدافع، وبددت مخاوفي، وكان البعض غير متقبل هذه الفكرة، بل لازلنا نعاني حتى الآن بخصوص دمج الطالبات، وبعض المدارس ترفض دمج الكفيفات رغم مطالبتنا بعملية الدمج.
في الجامعة التحقت بتخصص إدارة أعمال دولية، وكانوا يقولون لي كيف ستلتحقين بهذا التخصص وأنت كفيفة، ولن تستطيعي الدراسة، وكان ردي بأني حققتُ السادسة من أوائل الجمهورية، فما الذي سيجعلني لا أستطيع الدراسة في الجامعة.
*كيف ترين هذا التعامل اليوم، وأنت تثبتين خطأ تصور كل من حولك، وتتفوقين على كل الصعوبات؟
**أقول عندما تتعاملوا مع الأشخاص ذوي الاعاقة تعاملوا معهم بوسطية، لا إفراط ولا تفريط، بعض الناس في قلوبهم رحمة، وأخرين يستنقصون منك، ويرون فيك شخص غير قادر على العطاء، ويشككون في كل خطواتك، ويضعون أمامك الإحباط، لكن هذا الصنف ليس كثير داخل المجتمع، الذي أغلبه ينظر بشفقة وتقدير لمن يعانون من احتياجات خاصة.
*كيف تمكنت من التمييز بين من يدعم هذا النوع من الاحتياجات الخاصة، وبين من يمارس الشفقة، وبين يتحول لمصدر إحباط؟
** مهما كان اللين مطلوب في كل شيء، عندما يشفق عليك شخص ما شفقة فذلك بالتأكيد أفضل من الشخص الذي يقسي عليك، أو لا يتقبل وجودك، ويقلل من قدراتك وقيمتك، ولا يرى فيك سوى فرد يجب أن يبقى في البيت، وأنك غير قادر على العمل والحركة، وبدون أن يعطيك حتى الفرصة لإثبات وجودك.
الشخص الذي يشفق عليا ممكن أن أوضح له الواقع، وأقول له شكرا، لكن الأشخاص الذين ينظرون لذوي الاحتياجات الخاصة بأنهم غير قادرين على عمل شيء، فأنا أسألهم: هل جربت تعيش وتتعامل معهم، فيجيبون لا، إذاً كيف يحكم هؤلاء على شريحة لم يتعاملوا معها، وكيف ستكون ردودهم إذا تعاملنا معهم بالمثل، وأننا لا نرتاح لهم، فلماذا إذاً هذا التعامل؟
*لديك صفحة في فيسبوك، ما قصتها، وما الطريقة التي مكنتك من استخدامها، وبداية ولوج هذه الوسائل؟
في البداية كان لدي صفحة بالفيس بوك، وكنتُ أنشر منشورات عادية، وعندما حققتُ المركز السادس على مستوى الجمهورية، نشرت إحدى الصفحات بالفيس (صنعاء روحي) خبرا عني بأن كفيفة حققت هذه المرتبة، وعلقتُ عليه، وتواصلوا معي، وعرضوا عليا أن أعمل معهم كأدمن، وسرني ذلك الخبر، واغتنمتها كفرصة لإيصال الوعي للناس، وبالفعل بدأتُ بنشر موضوعات نوعية عن المعاقين، كاليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة، وقصص ناجحة لمعاقين، وكان الناس يستغربون كيف أن هذه الكفيفة تكتب منشورات وتقرا التعليقات، وكنتُ أشعر حينها بالضحك أحيانا، وبالاستغراب أحيانا أخرى.
وتدريجيا بدأ الناس يدركون أن الكفيف يستطيع استخدام وسائل التواصل، والعمل والحياة بشكل طبيعي، نعم كان هناك صعوبات وإشكاليات، تكسر خاطر الواحد أحيانا، لكننا نحاول أن نقدم رسالة توعية للمجتمع، وكان لجمعية الأمان دور كبير في هذا.
*كيف وجدتي التفاعل معك في مواقع التواصل الاجتماعي؟
**أنشر في صفحتي منشورات تتحدث عن المكفوفين، وأشعر أن هناك ناس لا يعرفون شيئا عن ذوي الإعاقة، ليس لأنهم قساة، ولكن لعدم وجود وعي كافي بوضع ذوي الاحتياجات الخاصة، وضعف المناصرة لهم من المجتمع.
وللأسف بعض الوسائل الاعلامية عندما تتكلم عن الأشخاص ذوي الاعاقة لا تستعين بالمتخصصين من ذوي الاعاقة عندما يطرحون قضيتهم، وبعضهم يروجون لكوميديا تُضحك الناس، وتحسسهم أن الأشخاص ذوي الاعاقة هم للمسخرة والضحك، وشاهدت عدة فيديوهات، واستغرب أن يتم الترويج لهذه المفاهيم في المجتمع.
أشاهد مشاهد كوميدية تضحك الناس على المكفوفين حركيا، أو صم وبكم، مع إن المفترض ألا يتم طرح مثل هذه القضايا بشكل كوميدي لإضحاك الناس، بل المفروض أن يتبنى الإعلام القضية ويوصل للجمهور كيف أن هذه الشريحة موجودة، وتتفاعل مع المجتمع ومؤثرة، وهذا أفضل من تقديمهم بشكل ساخر، بل والسخرية منهم.
والجانب الثاني، وبفضل التكنولوجيا تمكنا كذوي احتياجات خاصة، وخصوصا المكفوفين من الدخول لمواقع التواصل الاجتماعي، فهواتفنا مزودة ببرامج ناطقة، ونقدر نستخدم الفيس بوك، والواتساب، ونشعر أن الناس بدأوا يتمتعون بوعي أفضل، فعلى سبيل المثال كثير من المعلقين بصفحتي، لم يكونوا يعرفون أني كفيفة، والآن عندما يأتي بعض الأشخاص للصفحة كمتابعين جدد، أصبح هناك آخرين من يوضح ويرد بدلا عني.
لذلك نشعر أن الوعي الآن أفضل من السابق، لكن فعلا نحن بحاجة لمناصرة قضايانا، سواء عبر الفضائيات أو الإذاعات أو وسائل التواصل الاجتماعي، بالمختصر نحن بحاجة لشخص يوصل الاشخاص ذوي الاعاقة للمجتمع بشكل صحيح.
- ما تقييمك لتجربتك في مواقع التواصل، وكيف تستخدمي التطبيقات المتعددة؟
**نحن نحاول في وسائل التواصل الاجتماعي كأشخاص ذوي الإعاقة أن نظهر شريحتنا بالشكل الصحيح، وعندما يقدموا برامج رمضان أو أي برامج من قبل الفضائيات ينصرف الناس لمشاهدتها، ويخربون كل ما حاولنا نعمل عليه طوال العام، من خلال المشاهد المسيئة لنا.
وبخصوص كيفية التعامل مع الهواتف الحديثة والتطبيقات، فالتكنلوجيا سهلت الأمر، فعبر أيفون أو أندرويد، نستطيع تحميل برامج وتطبيقات تساعدك، وتقرأ لك المنشورات، وكل محتوى الشاشة، والبحث عن أي جهة اتصال، والاتصال بها، والرد عليها، ونستخدم الجوال بشكل طبيعي، لكن لو هناك صورة معينة لا أستطيع وصفها، وأستعين بشخص يوصف الصورة، وإذا الصورة فيها نصوص فهناك برامج مساعدة تنقل النص للبرنامج ويقرأها لنا بسهولة، كما أني استخدم الكمبيوتر العادي، بشكل طبيعي، ومختلف البرامج كالورد والإكسل والإنترنت، من خلال البرامج المساعدة.
*كيف تعلمتي هذه التقنية؟
**من الصف الأول وحتى الثالث ثانوي لم أكن بحاجة لأي برنامج ناطق، وكنتُ أدرس عبر نظام برايل، وذاك الوقت لم يكن هناك تكنلوجيا حديثة كالواتس وغيره، والواتس بدأ بالظهور عندما كنتُ بالجامعة، ولم يكن حينها لدي هاتف يدعم البرامج الناطقة، حتى نهاية السنة الثانية.
وفي السنة الثالثة والرابعة بدأت استخدم الواتس واستعين بالبنات، تخيلي بالجامعة لم يكن هناك مناهج برايل، وكانوا البنات من زملائنا يسجلون لنا المناهج بالصوت، وكنت أنتظر تسجيل المنهج وارساله بالواتس لأبدأ المذاكرة.
الأمر الثاني أن اللابتوب ساعدني في إعداد البحوث بعد حصولي على الرخصة الدولية في الحاسوب، وبفضل التكنلوجيا المساعدة للمكفوفين تمكنتُ من النجاح، وباتت الأمور أسهل، سواء في الحياة أو العمل والتواصل مع الناس.
*بما تقيمين وضع المكفوفين في اليمن؟
*في اليمن نحن متأخرين كمكفوفين، وعادة نستخدم الوسائل القديمة للقراءة والكتابة، لكن في دول الخليج والدول الأوروبية المكفوف متاح له كل شيء، حتى العصى لديهم ناطقة لمساعدة الكفيف، بينما نحن العصى عادية، ولديهم أشياء كثيرة، طبعا نحن لا نتمكن من دراسة مادة الرياضيات من الصف السادس حتى الثالث الثانوي، لأن المنهج ليس مكيف بشكل يلائم ما نحتاجه، وكله رسومات وهندسة، بينما الدول الأخرى منهج الرياضيات متوفر، وبالوسائل الهندسية والرسومات، ونشعر أننا في اليمن متأخرين كثيرا في مجال التكنلوجيا، ولكن الحمدلله البرامج الناطقة وصلت لنا على الأقل، ومنحتنا القدرة على التفاعل مع الناس والمحيط بنا والتفاعل مع المجتمع.
*قلت إن لجمعية الأمان دور كبير، كيف أثرت عليك جمعية الامان؟
**جمعية الأمان لرعاية الكفيفات أسستها فاطمة العاقل في عام 1999، وكانت تدرس في مصر، وكانت كفيفة، وعندما جاءت اليمن أدركت أن المرأة الكفيفة مظلومة في المنزل، ورأت أن الوضع غير مناسب، فأسست هذه الجمعية، ومهما تكلمنا عن الاستاذة فاطمة وما قدمته، فمن المستحيل أن نوفيها حقا، لأنها أخرجتنا من الظلمات إلى النور، وجعلتنا بشخصيات قوية وواثقين من أنفسنا، ودرستنا وعلمتنا ليس فقط بالمدارس، بل كيف تكون شخصياتنا ناجحة، ونواجه المجتمع، حتى لو كان هذا المجتمع ليس واع تماما.