[ نجلاء العمري تحدثت عن قضايا عديدة في بودكاست الموقع بوست ]
نجلاء العمري، روائية يمنية، وناشطة في حقوق الإنسان، والقضايا الديمقراطية، ولديها سيرة حافلة بالحراك الثقافي منذ وقت مبكر، وأحدثت كتاباتها جدلا في الوسط السياسي والإعلامي باليمن، وولد هذا لديها الثقة بالعبور نحو رحاب أوسع في العمل الأدبي الروائي.
في هذه السلسلة من (وجوه يمنية) استضاف بودكاست الموقع بوست نجلاء العمري، واستعرض معها مقتطفات من تجربتها في الأدب، وحضورها الابداعي منذ منتصف التسعينات، وناقش معها قضايا الأدب، والمهجر والحرب.
كان أول اصدار لنجلاء العمري في عام 2001، من خلال مجموعة قصصية أسمتها "أوجاع بنكهة اليمون"، وبعدها بعام أصدرت رواية "ذاكرة لا تشيخ" التي فازت بجائزة مؤسسة العفيف اليمنية، وأصدرت مجموعة قصصية في 2007 بعنوان "قلبي يا صديق" وفي عام 2017 أطلقت رواية "مراكب الضوء".
لايزال لدى نجلاء رواية سيتم طباعتها قريبا، تحمل عنوان "نساء هاربات" وكتبت بعد خمس سنوات من مغادرتها البلاد، بسبب الحرب التي اندلعت في عام 2015، واستقر بها المقام في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك أسست ملتقى "كندة" وهو منتدى ثقافي في نيويورك، يسعى لانعاش الحراك الثقافي اليمني في المهجر.
وننوه هنا إلى أن بالإمكان الاستماع للحوار كاملا في منصات بودكاست التابعة للموقع بوست، وفي صفحاتنا على فيسبوك، وتويتر، وقناتنا في يوتيوب التي ستظهر في ثنايا هذه المادة.
نص الحوار
*مرحبا بك نجلاء في بودكاست الموقع بوست، وبداية نود أن نسأل السؤال التقليدي، ولكن الأهم: من هي نجلاء العمري؟
**من هي نجلاء العمري؟ بصراحة سؤال محير، أنا شخصيا محتارة، لكن دعينا نجاوب إجابة سطحية، نجلاء العمري كاتبة، وأديبة يمنية، أحب أن أعرف عن نفسي بهذا الشكل.
كتبتُ العديد من الأعمدة الصحفية في صحف ومواقع محلية وعربية، حاصلة على بكالوريوس في علم النفس، وماجستير في إدارة الاعمال من جامعة الشعب الأمريكية، وناشطة في حقوق الانسان، والقضية الديمقراطية، وإدارة العمل التنظيمي، وحاليا أسستُ ملتقى "كندة"، كملتقى ثقافي في نيويورك، في محاولة لعمل حراك ثقافي، لكن ما يزال في البداية.
*هذه بشكل سطحي.. هل بالإمكان تحدثينا عن نجلاء بعمق؟
** شخصيا عندما يذكر لي هذا الاسم، أتذكر الطفلة التي كانت تقف جوار النافذة تتخيل في كل منزل أي قصة تدور في البيت، وماهي المعاناة التي تحدث فيه.
حاليا أندهش من نفسي، لماذا كنت معتقدة أن هناك دائما معاناة في المنازل، ربما لقربي من قصص بنات لديهن معاناة في مجتمع كان منغلق، وهناك أشياء معينة دفعتني للتفكير.
أيضا نجلاء هي بنت الكتاب والشغف، باختصار لدى عقدتي الوجودية التي أسميها "الحرية"، دائما أبحث عن اسم الحرية، لكن كل ما أوصل لجزء من أجزاء الحرية أجد أنها ليست هذه الحرية المطلوبة.
*كيف كنتي تجدي نفسك عندما كنتي تثيري الجدل في كتاباتك الصحفية؟
**أنتي أول شخص يقول لي إن كتاباتي تثير جدل، بدأتُ بروح قوية جدا، كان عندي غزارة في الكتابة، وأقضي وقت طويل في الكتابة وكان عندي صولات وجولات بالقراءة، وأنا من أسرة محافظة، وباختصار ممنوع أن البنت تطلع كثير، أو يكون لها صداقات كثيرة، فكان عندي كمية وقت هائلة أن أجلس واقرأ واكتب، وكان هذا ميولي.
بدأت النشر وأنا معتقدة أن عندي حصيلة جيدة من القراءة والكتابة، وكنتُ واثقة من نفسي ومحاولتي للنشر بطرق شخصية، ورفضتُ أي طريقة في أن يساعدني أحد، بنشر أي مادة، لرغبتي في أن أثق بنفسي.
كنتُ أرسل المادة في البريد للصحيفة، وعندما يتم نشرها أشعر بالثقة في نفسي أكثر في التعبير، وهذا ربما سبب لأعبر عن نفسي بكل وضوح، ويحدث جدل فعلا لأنه حصل في البداية هل هذه كاتبة أم كاتب؟
استمع لبودكاست الحلقة كاملة على آبل وجوجل بودكاست وسبوتفاي من هذا الرابط:
كنتُ في محافظة تعز، والكاتبات قليل، وغالبا ما كن معروفات، لأن الكتابة تحتاج للانفتاح، ولكن كوني من أسرة محافظة فهناك رفض أن أحضر في اللقاءات والمنتديات، وبالتالي كان هناك جدل هل هذه كاتبه أم كاتب؟ وعندما تكون هناك كتابة نوعية أو سياسية، فيعتقدون أن ذلك حكرا على الرجل، وتجديهم دائما يشككون في هوية الكاتب.
بالطبع نشرتُ مقالات في أهم الصحف في وقتها، بالنسبة لتعز فكانت صحيفة الجمهورية التي كانت تدخل لكل بيت، وكنتُ أكتب أحيانا في الصفحة الأخيرة، وكان هناك جدل، لماذا هذه الكاتبة يتم نشر لها بالصفحة الاخيرة وهي في البداية، وكان الجدل حول امرأة تكتب في مجالات متنوعة، وتركز الجدل على الفكرة المطروحة، وليس على القيود.
*هل تعتقدي من هذه التجربة التي كانت في مجتمع محافظ هي التي جعلتك اليوم كاتبة وصنعت اسمك في مجال الأدب؟
**يمكن لو كان هناك سلاسة في المجتمع أكثر بالنسبة لي شخصيا، يمكن يكون هناك نشر أكثر وغزارة، لأن قوة التحدي تخلق قوة دفع، ولكن الصراع الكثير مرهق بالنسبة للإنسان بشكل عام، وبالنسبة للمرأة بشكل خاص أيضا، وبالتالي نخوض صراعات مستمرة، وهذا ينهك الروح.
الكتابة تحتاج إلى روح قوية وصلبة، لأنك تعبري عن نفسك، وعن الرؤى الذي سيتم مجابهتها مع الطرف الآخر، وحتى كمفكرين دائما هناك نوع من تدوير الأفكار، ولكن عندما تكون امرأة يتم محاكمتها بقسوة، وإذا كان هناك أفكار منفتحة نوع ما، فالمجتمع ينظر لها على أنها امرأة متفلته، وإذا كان هناك أفكار سياسية يتم التشكيك فيها وإدانتها، بطريقة أو بأخرى، بالتالي هناك صراع مستمر ومنهك، والكتابة تحتاج إلى أفق أوسع من هذا.
*نتناول صراع اخر في الروايات التي ألفتيها خلال فترات زمنية كانت اليمن تشهد صراعات متقلبة، كيف تنظرين لها هل تغير الغرض والعمل الروائي من فترة لأخرى؟
**اوضح لك أولا، ما هو العمل الروائي، أنا بالنسبة لي له تعريف مختلف، وتعريف خاص، اعتبر العمل الروائي هو قدرة على خلق عوالم، أحيانا نتحكم فيها، وأحيانا كثيرة تتحكم بنا، وهنا بالضبط يكمن سر كتابة الرواية.
إذاً العمل الروائي ليس مجرد بناء هيكل للرواية، وما إلى ذلك، لا، لا بد أن يكون هناك تصور واضح عما نعمل ونكتب، وأن يكون لدينا مرونة كافية لجعل الشخصيات والأبطال تخلق نفسها، وتبدع في إطارها أيضا.
من هذا المنطلق بالتأكيد هناك تأثير عن العمل الروائي، سواء من تفكير الكاتب أو من التجارب التي مرت عليه، إلى تغير في أوضاع البلد، بمعني أن كتابات ما قبل ثورة 11 فبراير بالنسبة لي تختلف تماما عن بعدها.
أدب الحرب للأسف مختلف تماما، وفي كل مرحلة أدخلتني في أتون مختلف، لان كل مرحلة من هذه المراحل هي أتون حقيقي، يتم فرز الروح، ومنها تنطلق هذه الاشعاعات، إما العمل الروائي، أو الشعر، أو أي شكل من أشكال الأدب.
*بالنسبة لنجلاء في المهجر حكاية أخرى، كيف تقيمي تجربتك في المهجر، كونك امرأة ومثقفة يمنية، قدمت العديد من الاصدارات الأدبية؟
**بصراحة تجربة مرهقة وصعبة، خاصة عندما تكون الهجرة والاستقرار ليس قرار شخصي، وليس نتائج نضال أنت تريد توصل له، هذا أمر مفروض عليك وتتقبله وتعيشه.
للأسف تتحول التجربة برمتها إلى عملية تأقلم فقط، هذا وضع جديد، وحالة مختلفة، تتطلب أحيانا أدوات مختلفة، كأنك تبدأ من الصفر، أن تبني نفسك من أول العمر في مجتمع معين، وأدوات معينة للتعامل مع هذا المجتمع، وتطور من إمكانياتك بطريقة معينة في إطار هذا المجتمع.
كل مجتمع يتطلب أدوات جديدة ومختلفة، فما بالك عندما تكون المجتمعات مغايرة تماما، بعيدا عن فكرة الانغلاق والانفتاح، حتى فكرة اللغة والثقافة والاهتمام الثقافي في المكان الذي أنت تصل إليه، ليس دائما المهجر قادر أن يولد الابداع بتلك الصورة التي كنا نعتقد، ولكن ربما بعد فترة من محاولة التأقلم والاستقرار واسترداد الانسان لنفسه، لأن كثير من الأوقات نتشرذم، لكن يكون لدينا هدف واحد، ونلملم أشتات الروح وأنفسنا لفترة.
*كم السنوات التي انقطعت نجلاء عن الكتابة بعد خروج قسري للمهجر؟
**شخصيا استمريت في لملمة النفس والروح من 2015 حتى 2020 التي كتبت فيها أول رواية لي في أمريكا، وهي "نساء هاربات" التي لم تطبع حتى الآن، لكن أن شاء الله يتم طباعتها قريبا، وكتبتُ أيضا وجمعت العديد من القصائد التي جزء منها جرت كتابتها بعد الاستقرار.
هناك محاولة للملمة النفس، وفكرة النادي الثقافي جاءت من أجل اللقاء بالنخب التي تشاركنا نفس الهم والشغف، لأنه هذه المجتمعات هي مجتمعات غربة، وهجرة وعمل، بالتالي الناس ليس لديها متسع من الوقت للعمل الثقافي، بل ينظر إليه أنه لا داعي له، لأنها مكملات، من وجهة نظرهم.
للأسف هذا هو المحيط الحالي، والذي أحيانا يجعلك تنسى اللغة، أي التحدث كنخب، وكأشخاص مثقفين، وهذا شيء مؤلم لأنه يتم فصل الانسان عن المحيط الذي يعبر عنه ومن خلاله.
*على الرغم من وجود تدفق كبير للروايات اليمنية التي أصدرها شبان يمنيين، كيف ترين الاصدارات الجديدة هل تعبر عن ظاهرة صحية وتتناول الحرب الجارية بشكل مختلف؟
**أي تدفق في العمل الأدبي يعتبر ظاهرة صحية، بغض النظر عن قول البعض أنه كم وليس نوع، ولكن في كل الأحوال محاولة للتعبير، وهي حالة إيجابية، والأهم في هذه الحالة هو الاستمرار ومحاولة امتلاك الأدوات.
*كيف ترين هذا المشهد الأدبي في وقت الحرب؟
**المشهد الثقافي اليمني حدث فيه تطور رائع، مسألة الكتابة والنشر أيضا اتسعت، وهذا يضاف للمشهد الثقافي، حتى وإن كانت نقاط التعبير عن الحرب، لأن هذا هو الوضع الحالي.
ينطق الاديب أو الشاعر عندما يشعر بالألم، نتمنى أن نكتب في وضع مريح، ونتعود على أن نكتب، لا أن ننتظر للألم لينطقنا، أو يجعلنا نصرخ، وأتمنى أن أظل أكتب كلام بسيط، او أشاهد برنامج، وأن أتكلم ببساطة.
القضايا الكبرى دائما تضعنا في زاوية محددة للعمل والكتابة، وهذا يجعل أحيانا العمل لا نستطيع أن نقول احيانا غير ناضج، لأنه يعبر عن زاوية محددة ومعينة أثرت فيها، ونكتب حتى تصبح الكتابة هدف في ذاتها، ويصبح الانتاج ثروة لم تكن متوقعة، لا أحب أن اقرأ رواية لاقرأ افكار متوقعة أو شخصيات عادية، أو نهاية غير ملهمة.
لن نستطيع أن نصل إلى هذه المرحلة، إلا عندما تكون الكتابة في حد ذاتها هدف، يتطلب القراءة والتفاعل الاجتماعي بيننا كأدباء، ومع النخب من دول أخرى، ومؤتمرات وجلسات ثقافية، وكل شخص يكبر من يوم إلى أخر، وتتسع ثقافته.
*من خلال تجربتك الأدبية بماذا تنصحين الجيل الراهن اليوم من الفتيات والشباب اليمنيين من خلال عصارة تجربتك حتى نرتقي بالأدب اليمني، ونصل إلى مراحل منافسة، للأدب العربي مثلا؟
**ننافس الادب العالمي وليس الادب العربي، أقول مبدئيا القراءة، أنا لا أتقبل أن يكون هناك كاتب أو أديب لا يقرأ مطلقا، والقراءة هي النبع الذي يتزود منه كل حي، ويرفع من المستوى الفكري واللغوي، وتستطيع أن تقدم للأخر شيء مختلف، وهذه نقطة مهمة.
لذلك نصيحتي عدم التوقف نهائيا عن الكتابة، إذا أنت تشعر أنك كاتب، أو تشعري أنك روائية وشاعرة، فلا تتوقف، ولا تتوقفين عن هذا المد، لابد أن نستمر فيه لإطلاق الروح، هذه الروح التي لا تستطيع أن تظل ساكنة، وإذا ظلت ساكنة تنتهي وتخبو، لابد أن نشعل هذا النار.
نشعل هذه النار بأننا نستمر في الكتابة، حتى وإن شعرت أنك تكتب كلام فاضي، ليس هناك كلام فاضي، لكن لنعتبر أنه أنا شخصيا أشعر باننا نكتب كلام فاضي، ليس من الضرورة أن اي شيء أكتبه انزله بالفيس بوك وليس بضرورة أحد يقول لي هذا رائع أو سيئ، ليس للأخر علاقة، لابد أنك تقتنع بانه بدأت توصل الشيء، والشعور الذي موجود في نفسك بشكل جيد ومعبر ومختلف، وبالتالي نستمر في الكتابة في كل الأوضاع، سواء قررنا ننشر أو عدم النشر، والنقطة الأخيرة أيضا هي التركيز وعدم التشتت وأنصح الاخرين بهذا الكلام.
كنتُ وأنا طفلة أعتبر أن عندي ستة أصابع، وكان القلم هو الأصبع السادس، كنتُ أقرأ في النهار، وعندما ينام الجميع أشعر بالهدوء، وابدأ اكتب من عشرة الليل إلى الفجر، كتابة طويلة مستمرة لم يكن لها علاقة بالنشر، كان هناك قوة روح وشغف، وأعبر عن نفسي بهذه الطريقة، وبالتالي حصل نوع من الصقل.
وعلى الرغم من ذهابي في مجال التدريب وحقوق الانسان والسياسة، لكن أتمنى أن أعود بلحظة إلى حضن الكتابة، وأريد أن أكون كاتبة فقط، أتمني أن يطول بي العمر لكي أكتب، هناك عشق وشغف والحياة تسرقنا من هذا الشغف، والعشق يجب أن نناضل لاسترجاعه، ونبقى في هذا المكان.