تلوح نُذر صراع مستتر في عدن بين مجلس القيادة الرئاسي، والمجلس الانتقالي، المطالب بانفصال اليمن، رغم مشاركته في الحكومة، وفي تشكيلة مجلس القيادة، الذي يعد أعلى هيئة سياسية حاكمة في اليمن، منذ تشكيله في السابع من أبريل 2022م، خلفا للرئيس عبدربه منصور هادي.

ملامح الصراع تبدو في العديد من المؤشرات، بين كلا من رشاد العليمي، رئيس مجلس القيادة الرئاسي، وعيدروس الزبيدي، عضو مجلس القيادة، ورئيس المجلس الانتقالي، ويمكن استنتاجها من التطورات الأخيرة في عدن، وأنشطة الرجلين، في العديد من الجوانب، وبدأت منذ عودة الزبيدي إلى عدن في الثالث من مايو الجاري.

وتبدو الترتيبات العسكرية هي الميدان الأكثر تنافسا بين الجانبين، وطغى عليها الاهتمام أكثر، بما يوحي أن الجانب العسكري والأمني، يحتل أولوية السباق، وهذا يشير إلى أن احتمالية اندلاع صراع مسلح قائما، وهو ما يهدد بنسف تركيبة مجلس القيادة الرئاسي، بالإضافة لمجالات أخرى، تعكس جميعها حالة من الاحتقان في عدن، وكذلك مدى هيمنة الانتقالي، ومضيه في مشروعه الانفصالي.

اعتكاف في مقر الانتقالي

وبدا ملاحظا أن الزبيدي يمارس مهامه بشكل أكبر بصفته رئيسا للمجلس الانتقالي، وليس نائبا للرئيس، أو عضو مجلس القيادة، ويجري لقاءاته في مقر المجلس الانتقالي، وليس في قصر معاشيق الرسمي، ويحرص على الظهور وبجانبه العلم التشطيري، وليس علم الجمهورية اليمنية، رغم أن أغلب تلك اللقاءات التي يعقدها مع مسؤولين حكوميين، كما هو الحال مع وزير الخارجية شائع الزنداني، ووزير الاتصالات المكلف واعد باذيب.

ويشير هذا لحالة القطيعة القائمة، وتبدو الصورة أكثر وضوحا في هذا الجانب، من عدم نشر أنشطة الزبيدي في موقع وكالة الأنباء الرسمية، وهي أبرز واجهة إعلامية رسمية، بينما تنشر أخباره في موقع المجلس الانتقالي، وذلك في الوقت الذي تبث فيه الوكالة أخبار باقي أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، مثل خبر عبدالرحمن المحرمي الذى التقى قيادة وزارة النقل، وكذلك خبر لقاء سلطان العرادة لرئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن.

حنق الانتقالي بدا واضحا من موقفه المندد بإعلان تكتل الأحزاب في عدن، ففي الوقت الذي شارك فيه فضل الجعدي أحد قيادات الانتقالي في ذلك الإعلان، إلا أن المجلس هاجم لاحقا الأحزاب، بأسلوب فض، وهو بذلك يخالف أهداف وأولويات مجلس القيادة الرئاسي المعلنة، ومعركته مع جماعة الحوثي.

اقرأ أيضا: مشهد يتعقد في اليمن.. تحذير حوثي وتحركات للرئاسي والانتقالي يهدد (تحليل)

وصعد الانتقالي من خطابه في ذكرى ما يعرف بإعلان عدن، والذي يوافق ذكرى تأسيس المجلس، وجدد تمسكه بخيار الانفصال، واتخذ من هذه الذكرى فرصة لإحياء قاعدته في المحافظات الجنوبية لليمن، والتي أوعز إليها للاحتفال بهذه المناسبة.

وسار الانتقالي على الضد من توجه الحكومة اليمنية، ففي إحدى جلساته أطلق الانتقالي دعوة للمستثمرين بشكل منفرد للاستثمار في عدن، مقدما الوعود بحمايتها، وتصرف بذلك بدلا عن الدولة، وقدم نفسه الحاكم والمتحكم بعدن، وهي إشارة سلبية تستهدف الحكومة، والتي حاول رئيس الوزراء أحمد بن مبارك الرد عليها بتصريحه خلال زيارته لمصافي عدن في التاسع من مايو بتأكيد حرص الحكومة على إقامة أنشطة اقتصادية تعتمد على البعد اللوجستي لمدينة عدن.

وواصل عيدروس العمل من خلال واجهة المجلس الانتقالي، وأصدر في الخامس من مايو قرارا قضى بالمصادقة على لائحة اللجنة العُليا للمناسبات الوطنية والاحتفالات بالمجلس الانتقالي، كما أصدر قرارا آخر بنفس اليوم بإضافة 54 شخصا إلى قوام عضوية مجلس المستشارين بالمجلس الانتقالي، والذين يتوزعون على عدة محافظات في جنوب اليمن، وهي خطوة تهدف لاحتواء عدد أكبر من الموالين، وتضمن التصعيد للمجلس في وجه الحكومة.

سباق الجيش

في ذكرى إعلان عدن ظهر وزير الدفاع السابق محمود الصبيحي في ذات القاعة التي احتضنت الاحتفال الذي نظمه الانتقالي في عدن، يوم الرابع من مايو الجاري، والصبيحي الذي أطلق سراحه متأخرا من قبضة الحوثيين، يمثل رمزا لقبائل الصبيحة التي تعد من أهم القبائل المؤثرة في لحج، وهو ما يحرص عليه الانتقالي الذي سارع لاحتواء الصبيحي، ويعمل على تقديمه كأحد القيادات المؤيدة له، ولمجلسه.

وبعد خمسة أيام، من ظهور الصبيحي مع الزبيدي، أي في التاسع من مايو التقى رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي بالصبيحي، وأعلن تكريمه، وترقيته إلى رتبة فريق، كما كرم أيضا وزير الداخلية، ووزير الدفاع، والأخير ينتمي لمحافظة الضالع، التي ينتمي لها الزبيدي، وهي الخطوة التي أشاد بها وزير الدفاع نفسه، وكذلك رئيس الأركان صغير بن عزيز، في منشورات على حساباتهم بفيسبوك.

ويعكس هذا حالة التنافس والاستقطاب على القيادات العسكرية، بين الجهتين، ففي الوقت الذي يعزز الزبيدي هيمنة مجلسه على قطاعات الدولة، يحاول العليمي التخفيف من تحركات عيدروس، ويسعى لاحتواء الشخصيات، وجعل ذلك في إطار الدولة اليمنية.

وسبق للزبيدي إصدار قرار من المجلس الانتقالي باعتباره قائدا للقوات التي تدين لها بالولاء رقى بموجبه 1966 ضابطا في 13 لواء عسكري يتبعونه بالمحافظات التي يسيطر عليها المجلس، وبنفس الوقت أصدر في الثامن من مايو الجاري القرار رقم (16) لعام 2024م، رقى بموجبه 147 ملازما تخرجوا من كلية زايد الثاني العسكرية بالإمارات إلى رتبة ملازم ثاني، وتوزيعهم في الألوية التابعة له، والتي يطلق عليها القوات المسلحة الجنوبية.

وفي مقابل هذه التحركات للانتقالي هناك تحركات موازية للحكومة اليمنية تتمثل في مشاركة البحرية اليمنية في التمرين المختلط للدول المطلة على البحر الأحمر، الذي انعقد في المملكة العربية السعودية لمدة ستة أيام، بمشاركة أفرع القوات المسلحة السعودية، ووحدات من حرس الحدود السعودي، وقوات من المملكة الأردنية الهاشمية، وجمهورية مصر العربية، وجمهورية جيبوتي، وهدف إلى تعزيز الأمن البحري للدول المطلة على البحر الأحمر، وحماية المياه الإقليمية، وتضمن تمرين نفذته القوات المشاركة مثل الحروب السطحية والجوية، والحرب الإلكترونية، والتصدي للهجوم بالزوارق السريعة، وحماية خطوط الملاحة البحرية، ومكافحة التهريب والإرهاب والقرصنة، والهجرة غير الشرعية.

مقاطعة خارجية

وتبين التحركات الأخيرة أن الزبيدي لم يمارس أي لقاءات مع سفراء أجانب، كما كان عليه الوضع سابقا، فوزير خارجية البحرين عبداللطيف الزياني الذي زار عدن مؤخرا لأول مرة، ولم يلتق بالزبيدي منفردا، بل التقاه مع رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، ومسؤولين حكوميين.

وكذلك بالنسبة للسفير الأمريكي الذي تواصل مؤخرا مع أعضاء في مجلس القيادة، مثل عبدالله العليمي، وسلطان العرادة، ورشاد العليمي، لكن لم يكن له أي تواصل مع الزبيدي مؤخرا.

والحالة الوحيدة التي جرى فيها تسجيل لقاء مشترك بين الجانب الحكومي، والزبيدي، هي لقاء كل طرف على حدة للملحق العسكري في السفارة الهندية لدى اليمن العقيد جورتيج سينج جريوال، الذي التقى الزبيدي في مقر الانتقالي، كما التقى أيضا نائب رئيس هيئة الأركان في الحكومة، وبثت وكالة سبأ الرسمية خبر اللقاء مع نائب الأركان، ولم تنشر خبر لقاء الزبيدي مع الملحق العسكري الهندي، والذي ظهر لاحقا منشورا في موقع المجلس الانتقالي.

والأمر ذاته مع زيارة رئيس بعثة اللجنة الدولية للصليب الأحمر في اليمن، حيث التقى كلا من رئيس هيئة الأركان، ومحافظ مأرب، بينما لم يلتق بعيدروس الزبيدي في عدن.

والحالة الوحيدة التي ظهر فيها الزبيدي في لقاء خارجي، كانت مع سفير الصومال لدى اليمن، وتكرر الأمر في استقباله يمقر الانتقالي، وإلى جواره علم التشطير، ولم ينشر الخبر أيضا في وكالة سبأ الحكومية، وظهر في موقع المجلس الانتقالي، وباقي وسائل الإعلام التابعة للمجلس.

ما الذي يمكن استنتاجه؟

من خلال ما سبق يظهر بوضوح أن عيدروس الزبيدي يمارس نشاطه بصفاته رئيسا للمجلس الانتقالي، وقائدا لما يسمى بالقوات الجنوبية، ويفضل هذه الصفة على صفته الرسمية كنائب لرئيس مجلس القيادة الرئاسي، وربما يرى في صفته الرسمية انتقاصا لشخصه، خاصة مع تقديمه من قبل أتباعه باعتباره قائدا ورئيسا، ويتصرف كرئيس لدولة، وليس مسؤول في إطار الدولة، رغم تقاسمه للسلطة مع الحكومة، وانتماء إثنين من أعضاء الرئاسي، بالإضافة لشخصه في تكوين مجلس القيادة الرئاسي، الذي يبلغ قوامه ثمانية أشخاص.

كما تشير هذه التطورات إلى أن الزبيدي يحرص على الظهور بالعلم التشطيري، الذي يتخذه كعلم للانفصال، ويكتفي بنشر أخباره في المواقع التابعة للمجلس، ويعزف عن وسائل الإعلام الرسمية، ويتجاهل الشراكة الحكومية، وربما يعود ذلك لتمسكه بالدعوات الانفصالية، ويعكس حجم التذمر والحنق القائم، بل وحكم ومستوى التباينات في مجلس القيادة الرئاسي.

أما بالنسبة للتصعيد العسكري فيبدو أن الانتقالي يماطل في عملية دمج القوات الحكومية، في وزارتي الدفاع والداخلية، وهذا يخالف ولا يتوافق مع أهداف تأسيس مجلس القيادة الرئاسي، واللجان المشكلة لهذه العملية، ما يشير إلى الصعوبات التي تكتنف عملية الدمج، والمتابع التي تقف في طريق مجلس القيادة، ويؤكد تباين الأهداف بين مجلس القيادة، والمجلس الانتقالي.

وهذا الوضع يخدم الانتقالي بشكل أكبر، إذ أنه يستفيد من واجهة مجلس القيادة الرئاسي، في تمرير أهدافه الخاصة، وخدمة مشروعه، على حساب القضية العامة في اليمن، وبات اليوم هو المتحكم بالوضع في عدن، وتتبعه ألوية عسكرية، ويتحكم بالموارد الاقتصادية، ويواصل بناء مشروعه الانفصالي، ووضع الحكومة تحت رحمته، ويسمح لها بممارسة مهامها على الأرض بما يرى أن ذلك يخدم مصالحه فقط.