الحضور الأوروبي العسكري في اليمن.. التشكيل.. الأهداف.. الدلالات (تحليل)
- عامر الدميني الاربعاء, 21 فبراير, 2024 - 03:42 صباحاً
الحضور الأوروبي العسكري في اليمن.. التشكيل.. الأهداف.. الدلالات (تحليل)

[ سفراء الاتحاد الأوروبي خلال لقائهم الحكومة اليمنية ]

أعلن الاتحاد الأوروبي البدء في عمليته العسكرية في المياه البحرية قرب اليمن، وذلك ردا على تصاعد وتيرة الهجمات البحرية التي تنفذها جماعة الحوثي، وتطال سفنا أمريكية وأوروبية وإسرائيلية، في البحرين الأحمر والعربي، وتعتبرها الجماعة نصرة لمدينة غزة التي تتعرض لعدوان إسرائيلي مستمر، منذ السابع من أكتوبر الماضي.

 

التشكيل العسكري

 

وأطلقت دول الاتحاد الأوروبي على عمليتها "أسبيدس"، وهي كلمة يونانية تعني درع، وتشير لطبيعة المهمة التي ستضطلع بها، ووافقت عليها 27 دولة أوروبية، وتتكون من اربع فرقاطات، وتتخذ من مدينة "لاريسا" في اليونان مقرا لقيادة عملياتها، وأسند لإيطاليا قيادة العمليات العسكرية البحرية، فيما تعمل فرنسا كنائب في هيكل القيادة.

 

وحدد الاتحاد الأوروبي مدة العملية بأنها لمدة عام قابلة للتجديد، وسارعت دول أوروبية للانضمام لها، وجرى التأكيد على أنها ستعمل بعيدا عن العملية العسكرية التي تقودها أمريكا وبريطانيا وحلفائهم، والمعروفة بـ"حارس الازدهار"، والتي تشكلت خصيصا لمواجهة الحوثيين.

 

ووفقا لإعلان هذه العملية فإن نطاق تمركزها سيكون في مضيقي باب المندب، وهرمز، والمياه الدولية في البحرين الأحمر والعربي، وفي خليج عمان، والخليج العربي، وهي المنطقة البحرية المحيطة باليمن، والممتدة إلى دول الخليج.

 

الأهداف المرفوعة

 

تشير البيانات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي، والمسؤولين فيه إلى أن مهمة هذه القوات ستكون الحفاظ على حرية الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، وهي المناطق التي شهدت عدة هجمات بحرية نفذتها جماعة الحوثي، وتمكنت خلالها من إلحاق الأضرار بعدة سفن، والتأثير على حركة الملاحة الدولية.

 

وتتضح المهمة لهذه العملية في حديث كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي وصف المهمة بأنها إجراء جريء لحماية المصالح التجارية والأمنية للاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي، وأنها ستوفر لأوروبا حرية الملاحة في البحر الأحمر، أما وزير الخارجية الإيطالي أنتونيو تاياني اعتبر إطلاق المهمة بأنها "خطوة مهمة باتجاه دفاع أوروبي مشترك".

 

ويشير الاتحاد الأوروبي إلى أن مهمة هذه العملية ستقتصر على حماية السفن المدنية في البحر الأحمر، ولن تنفذ أي هجمات على الأراضي اليمنية، ولديها تفويض وقائي حصري، ولن تتصرف ناريا إلا في حال وجود تهديدات، وسترد باقل قدر من القوة.

 

وبالنسبة لطريقة عمل هذه القوات، تشير المعلومات التي جرى نشرها مؤخرا بأنها ستمارس عملها عبر المراقبة المستمرة لحركة الملاحة الدولية، من خلال الاتصالات العسكرية المستمرة مع الولايات المتحدة، والقوات الأخرى الموجودة، والشركاء في المنطقة.

 

الدلالات

 

تشير هذه العملية لحجم تأثير الهجمات التي تشنها جماعة الحوثي في بحار اليمن، وبأن التداعيات بلغت ذروتها، وطالت أوروبا بشكل مباشر، وهددت بتعطيل التدفقات التجارية إليها، خاصة مع مرور 12٪ من التجارة العالمية، وما يصل إلى 30٪ من حركة الحاويات العالمية عبر باب المندب، وهو الممر المائي الحيوي.

 

وتعكس هذه العملية استشعار أوروبا للمخاطر المحدقة بها، وحالة التكتل التي لجأت لها، لمواجهة التداعيات المتصاعدة، ولذلك سارعت لإنشاء هذه القوة باعتبارها رسالة صد، وتلويح باستخدام القوة، في حال التعرض لها.

 

يضيف هذا التواجد العسكري الأوروبي نسبة حضور القوى الدولية في البحر الأحمر، فإلى جانبها تتواجد الولايات المتحدة وبريطانيا وحلفائهم من خلال عملية حارس الازدهار، وهو التكتل العسكري الذي أنشأته واشنطن في ديسمبر الماضي، وشاركت فيه هولندا والدانمارك كدول أوروبية، بالإضافة لبعثتين بحريتين أوروبيتين أخريين في المنطقة، وهما "أتالانتا" و"أجينور"، والأولى سبق لإسبانيا أن عرضت على الاتحاد الأوروبي العمل من خلالها، لكن جرى رفض مقترحها، وهي عبارة عن عملية عسكرية لمكافحة القرصنة قرب الصومال، وتتكون من عدة دول.

 

ورغم تحديد مدة العملية بأنها لمدة عام واحد، إلا أن المؤشرات تذهب إلى أنها ستكون لمدة أطول، وذلك في حال استمرت هجمات جماعة الحوثي، والتي تصاعدت مؤخرا مع بدء التحرك الأوروبي، لتصل إلى أربع عمليات في يوم واحد، ما يعني أن الدخول في معركة عسكرية بين هذه القوة وجماعة الحوثي أمرا واردا، خصوصا مع استنادها لمبدأ الدفاع عن النفس، وهو المبرر ذاته الذي ترفعه واشنطن مع كل عملية هجومية تنفذها، وسبق لمجلس الأمن اقراره في جلسته المنعقدة الشهر الماضي، والذي أتاح الدفاع عن النفس تجاه الهجمات البحرية للحوثيين.

 

ومن الواضح اليوم أن التحركات الأوروبية تذهب للتصدي لمشكلة التهديدات البحرية في اليمن، وتتجاهل جذور المشكلة الحقيقية التي بدأت بالحرب الإسرائيلية على غزة، وهذا يشير أن إلى الاتحاد الأوروبي لم يعط الإشكالية الحقيقية حقها من الحلول، وترك الوضع المحتقن في فلسطين، والذي لا يتصل بمصالحه المباشرة، واتجه نحو عوارض المشكلة، بعد شعوره أن التداعيات ترتد عليه يوما بعد آخر.

 

 

موقف الأطراف اليمنية

 

بالنسبة لجماعة الحوثي فلم يصدر عنها أي موقف تجاه المهمة الأوروبية الجديدة، لكنها واصلت هجماتها البحرية، وتهدد باستمرار بالتصدي لأي سفن لها ارتباط بإسرائيل أو أمريكا وبريطانيا، وهي الدول التي تشن عليها غارات جوية منذ نوفمبر الماضي، وليس من المستبعد أن ترد على هذه العملية باستهداف السفن التابعة للدول المنخرطة فيها، بل سبق لها استهداف العديد منها.

 

أما الحكومة اليمنية، فهي الأخرى لم يصدر عنها أي موقف رسمي، لكن إطلاق العملية رسميا من قبل الاتحاد الأوروبي سبقه انفتاح واسع على الحكومة في عدن، والتي زارها سفراء الاتحاد الأوروبي، وأجروا لقاءات مع العديد من المسؤولين اليمنيين، بما فيهم رئيس وأعضاء مجلس القيادة، ورئيس الحكومة.

 

ويعكس موقف الحكومة اليمنية المقيمة في عدن من هجمات الحوثيين البحرية موافقتهم الضمنية، ومباركتهم للعمليات العسكرية الخارجية المستهدفة لهم، وترى الحكومة فيها إضرار بمصالح اليمن والعالم، وطالبت بدعم الجيش التابع لها لمواجهته، بل وطالب رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي بدعم من الناتو لمواجهة هجمات الحوثيين.

 

لذلك يبدو من الواضح أن العملية العسكرية الأوروبية تحظى ليس فقط بدعم الحكومة اليمنية، بل بدول المنطقة المجاورة، وهي هنا دول الخليج مجتمعة، والتي ستتمركز القوات الأوروبية بأساطيلها قرب مياهها الدولية، وذلك يشير إلى تفجر الصراع في المنطقة وارد جدا.


التعليقات