الزكاة في اليمن.. جباية قسرية وشعب عاجز عن الدفع (تقرير خاص)
- خاص السبت, 01 يونيو, 2019 - 10:48 مساءً
الزكاة في اليمن.. جباية قسرية وشعب عاجز عن الدفع (تقرير خاص)

[ الحوثيون يرفعون الواجبات الزكوية ويرغمون المواطنين على دفعها ]

أعلن الحوثيون -عبر الهيئة العامة للزكاة- رفع نسبة الواجبات الزكوية لهذا العام من 300 إلى 500 ريال على الفرد، وهي المبالغ التي يدفعها اليمنيون للدولة كل عام تحت مسمى "زكاة الفطر".

 

يأتي هذا القرار ضمن إجراءات الجباية المستمرة التي يفرضها الحوثيون تارة على الشعب، وأخرى على التُجار، تحت ذرائع مختلفة، وقد تنامت هذه الإجراءات خلال الفترة الأخيرة، وتسعى الجماعة من خلالها إلى استلاب الشعب لصالح ميزانية الحرب خاصتها.

 

زيادة عبثية

 

وقد أقرت جماعة الحوثي هذه الزيادة في شهر مايو المنصرم، عبر تعميم صادر عن الهيئة العامة للزكاة، وهي هيئة حوثية مستحدثة، مبررة الزيادة على أنها جاءت بناءً على أسعار الحبوب التي ارتفعت في الفترة الأخيرة، وسوف يشمل هذا القرار كافة المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعة.

 

وقد أوكل الحوثيون أمر الجباية إلى المشايخ وعقال الحارات الذين بدورهم سيتسلمون زكاة الفطر من المواطنين وفقاً للنسبة الجديدة، ثم يسلمونها للهيئة العامة للزكاة التي أسسها الحوثيون مطلع 2018، كبديل للمؤسسات القانونية المختصة بتحصيل الزكوات.

 

فعل مستفز

 

ولاقى هذا التعميم استنكاراً واسعًا لدى عموم الموطنين، واعتبروه إجراء استفزازيًا وظالما في وقت يعاني فيه الشعب اليمني أسوأ أزمة إنسانية، فأغلب الناس فقدوا أعمالهم ومصادر دخلهم بسبب الحرب التي أشعلتها هذه الجماعة التي تطالبهم اليوم بدفع الزكاة، وهي إضافة إلى ذلك قد قطعت عن الموظفين رواتبهم منذ ثلاث سنوات، ورغم ذلك فإنها تفرض عليهم دفع الزكاة متذرعة بالواجب الديني الذي يُفترض به أن يسقط عن الشعب كليًا في ظرف متأزم كهذا بحسب آراء بعض الناشطين.

 

ويفرض الحوثيون على الناس الدفع الإجباري لأموال الزكاة، في الوقت الذي تقوم فيه الجماعة بحملة تبرعات لصالح حزب الله اللبناني، وهي الحملة التي أُعلنت قبل أيام على المحطة الإذاعية التابعة لهم "سام إف إم"، وجاءت في ظرف يعاني فيه الشعب اليمني من مجاعة. فالجماعة تمارس فعل استلاب للشعب عبر أخذ الزكوات، وقد تسببت بمأساة للناس بحرمانهم من رواتبهم، ومؤخراً تقوم بإعلان حملة تبرعات لصالح حزب الله اللبناني، وهو أمر مستفز، بحسب إفادة الأستاذ محمد فتحي.

 

مجتمع عاجز

 

يقول فتحي لـ"الموقع بوست": "إذا تمعّنا في الزكاة كفرض ديني سنجد أن معظم اليمنيين مستحقين لها، الأمر الذي يعني سقوطها عنهم كواجب، فالأغلبية لا تنطبق عليهم استحقاقات الخِراج أو الدفع".

 

يضيف فتحي: "هذا إذا كان الدفع حراً، ولا يذهب للسلطة. أما وقد غدا إلزامياً، ويذهب لصالح سلطة انقلابية غير شرعية، فهذا يعد اغتصابا لحقوق الناس وأملاكهم".

 

يواصل: "جماعة الحوثي لا تكترث كثيراً للمفاهيم وما إذا كانت شرعية أم لا، فهي تبحث عن أدنى مبرر يتيح لها استلاب الشعب". ويشير إلى أن الناس في هذا الظرف لا يملكون رفاهية الرفض، فهم يدفعون المبالغ المقررة عنوة.

 

ويقول فتحي إنه يعرف أشخاصًا اقترضوا مبالغ مالية من أجل سداد الزكاة. ينهي حديثه بحنق ويتساءل: "أي زكاة هذه، وأي ظلم وعناء يتجشمه اليمنيون على يد هذه المليشيات".

 

ابتزاز الموطنين

 

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إنه أخذ منحى آخر تجسد في سلوك ممعن في الظلم والقسوة على يد مُحصّلي تلك الأموال في صنعاء، وهم عقال الحارات الذين كانت قد أسندت إليهم مهمة توزيع إسطوانات الغاز في صنعاء قبل أكثر من عام، فمن خلالهم فقط تصرف الإسطوانات عبر البطائق الشخصية، وهو إجراء ما يزال غير مفهوم إلى اليوم، فعلى الرغم من توفر الغاز في صنعاء إلا أنه لا يباع في المحطات، ويتسلمه الناس عبر عقال الحارات فقط.

 

يقودنا هذا التفصيل إلى بيان سلوك عُقال الحارات الذين باتوا اليوم يمتنعون عن صرف الإسطوانات للمواطنين الذين لم يبادروا إلى دفع مبالغ الزكاة المفروضة عليهم، بحسب مصادر محلية في صنعاء.

 

تفيد هذه المصادر بأن الحصول على الغاز بات رهن بدفع الزكاة، ورغم كونهما أمران منفصلان، إلا أن ازدواجية الحوثيين في التعامل تبرر حدوث مثل هذه الأفعال.

 

دفع إجباري

 

ويشكو الكثير من المواطنين اليوم من هذا الإجراء المجحف، لكنهم لا يملكون حيلة لمنعه، فيضطرون للقبول به في النهاية، متجشمين عناء الظلم والقهر الذي يحيق بهم في ظل سلطة الحوثي.

 

في هذا السياق يصرح فيصل راجح لـ"الموقع بوست" ويعلق على الأمر باستنكار: "كيف يريدون منا دفع الزكاة وقد قطعوا رواتبنا"، ويتساءل بسخط: "من أين ندفع لهم؟ وبأي طريقة يفكر هؤلاء؟".

 

يقول فيصل وهو موظف حكومي: "في (تحنن) أخير وزائف قررت حكومة صنعاء أن تصرف لنا نصف راتب شهر بمناسبة عيد الفطر، لكنهم عمدوا إلى اقتطاع 2500 ريال منه باسم الزكاة".

 

تعديل تعسفي

 

وفي ما يخص زكاة الأموال التجارية، فقد عمد الحوثيون بداية هذا الشهر إلى تعديل قانون الضرائب والزكاة، بحيث يشمل صغار التجار الذين كانوا مستبعدين من دائرة المكلفين طوال الفترة السابقة، وهم الذين يملكون رؤس أموال تقل عن 200 مليون ريال.

 

وذكرت وسائل إعلام محلية وعربية تصريحات عن مصدر في الغرفة التجارية بصنعاء، قوله إن الحوثيين قاموا بتعديل شريحة كبار التجار المكلفين، واستوعبوا فيها أعدادًا جديدة لم تكن ضمن القائمة، وبحسب المصدر فإن هذا الإجراء سيضاعف فئة كبار التجار المكلفين إلى 20 ضعفًا، وسيجني الحوثيون مبالغ طائلة من وراء الأمر.

 

انعكاسات سلبية

 

وهو أمر يكشف مدى انتهازية هذه الجماعة، باستغلالها للقطاع التجاري الخاص، وإلحاق الضرر به في مناطق سيطرتها، إضافة إلى أنه سوف ينعكس بشكل سلبي على المواطنين، فمن شأن إجراء كهذا أن يضاعف من أسعار المُنتجات التي سيدفع عنها التجار ضرائب وزكوات مرتفعة بناءً على التعديل الأخير لقانون الضرائب والزكاة. 

 

من ناحية أخرى، فإن هذا الإجراء غير القانوني قد يدفع بعض الشركات في صنعاء إلى إيقاف أنشطتها التجارية، أو الانتقال إلى محافظات غير خاضعة لسلطة الحوثيين.

 

ووفقًا لنص التعديل فقد صُنف التجار إلى ثلاث شرائح: الفئة الأولى، كبار المكلفين الذين تبلغ رؤوس أموالهم 100 مليون ريال، في حين كانت النسبة المالية المقررة قبل التعديل هي 200 مليون ريال، وفي حين لم يتجاوز عدد كبار المكلفين قبل التعديل 1300 ملكف، فإن العدد قد يتجاوز الـ25 ألف مكلف.

 

وتأتي الفئة الثانية، وهم "متوسطو المكلفين" الذين تتجاوز رؤوس أموالهم عشرة ملايين ولا تتخطى الأربعين.

 

أما الفئة الثالثة فهي "صغار المكلفين" الذين يملكون أقل من عشرة ملايين.

 

صغار التجار مستهدفون

 

ووفقاً لتصريح التاجر جميل الوصابي، فإن التصنيف الثالث يستهدف "صغار التجار"، الذين لم يكونوا مشمولين باالقائمة سابقًا.

 

يعلق جميل -وهو مالك بقالة في صنعاء- لـ"الموقع بوست" قائلاً: "إن الحوثيين بهذا البند إنما يستهدفون مالكي البقالات، والمتاجر البسيطة، إضافة إلى أصحاب المشاريع الصغيرة، وهي الطبقة الدنيا من المستثمرين".

 

ويرى مراقبون أن هذه التعديلات ستحقق إيرادات ضريبية ضخمة لصالح حكومة الحوثي، وهو أمر يثير التساؤلات حول مصير هذه الإيرادات التي قد تذهب كنفقات لتمويل حروب الحوثيين التي يخوضونها ضد الحكومة اليمنية الشرعية منذ أربع سنوات.


التعليقات